الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العبيد يحكمون الأحرار: هل تراثنا هو تراث العبيد؟ (حديث في عدة مقالات )

نبيل هلال هلال

2011 / 1 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



طال العهـد على الشخصية العـربية والإسلامية وهى تعيش فى ظل الحكم الاستبدادى فأصابها المسخ، وفاقـم هـذا التحول ذلـك الموروث الدينى الفرعونى والفارسى، والتفسـيرات الخاطئـة للديـن، والتراث المملوكى، وطول الامتثال للمسـتبد "وأولى الأمر".
ففى مصر الفرعونية كان الملوك يمارسون أقسى أنواع الحكم الثيوقراطى، وبعـد عصر ملوك مصر القديمة عاش المصريون فى ظـل الحكم الرومانى، مرورا بعصـر البطالمة الـذى امتـد نحـو ثلاثـة قرون، وكان فيه الإمبراطور الرومانى ممثـلا للإلـه، أى اسـتمرت العلاقة بين الحاكم والمحكومين علاقـة إلـه وعبيـد . وبعـد نهايـة الحكم البيزنطى والفارسى للمنطقة العربيـة، تعرض المسـلم فى مصر والشـام والحجاز والعـراق للاسـتبداد الأموى والعبـاسى والفاطمى....والمملوكى، ثم الحكم العثمانى الـذى كان فيـه الخليفة ظل اللـه فى الأرض. كمـا حملت منطقـة فارس إرث الحكم الفارسى الـذى كان ينظر فيـه أيضـا إلى الحاكم على أنه إلـه ، ثم تعرضت بعـد ذلـك لاسـتبداد خلفـاء المسلمين.
وترسخت قابلية الاستبداد فى الشخصية العربية، وبلغ ذلك ذروته عنـدما امتثل المسلمون فى مصر والشام لحكم العبيـد والإماء، ويعـد هذا الأمر سـابقة انفردت بهـا شعوب هذه البلاد وهى أن يقبل "الأحرار" حكم "الأرقـاء".
وكان العبيد والأرقاء فى أمريكا يضطلعون بالأعمال الشاقة فى المزارع والمصانع ولم تسـند إليهم أي أعمال إدارية، ناهيك من أن يتولوا حكم البلاد، ذلك هو ما حدث فى بلادنا، حكمنا الأرقاء وأورثونا تراثهم، تراث العبيـد الـذى حملنا على قبـول جميع صنوف الاستبداد طوال تاريخنـا.
وكان أول من اسـتقل بحكم مصر هـو "الرقيق" أحمـد بن طولون، الذى انشـق على الخليفـة العباسى واسـتقل بحكم مصر فى سـنة 868 ميلادية.
وحقيقة الأمر أن الخلفـاء العباسيين سـبق لهم أن عينوا عبيـدا من الترك خاصة ، كولاة على مصر قبـل أحمـد بن طولون ، منهم: الوالى على بن يحيى الأرمنى سـنة 841 ميلادية، ويزيد بن عبد الله التركى سنة 856 ميلادية، وأزجور التركى سـنة 868 ميلادية.
فحكم العبيـد فى مصـر يعـود لأبعـد من سـنة 868 م واسـتمر على نحـو أو آخـر حتى وقت ليس ببعيـد ، وقد بلغ عـدد المماليك الذين اشـتراهم أحمـد بن طولون ، والملـك المنصـور، والأشـرف خليـل ، والسلطان الناصر محمـد ، ما يزيد على مائـة وعشرين ألف مملوك.
وكان المماليك فى المجتمع المصرى يمثلون القـوة والسلطة ، ومارسوا قهر المصريين ، ونهبهم ، والحقوا بهم أشـد صنوف الاستبداد قسوة، مما أفرز-بالضرورة-"خوف" المصريين من السـلطة وكل ما يتعلق بالسلطان والعسـكر والحاكم ، وكان المماليك فى البـدء عسـكر الوالى، وجند السلطان، ثم اصبحوا فيمـا بعـد السلاطين والحكام أنفسـهم، وترسخ وجودهم فى نسـيج المجتمع المصـرى، وأصـبح تراثهم - تراث العبيـد – أحـد المكونـات الأسـاسية ، إلى جانب مكونـات أخرى ، فى الضمير المصرى. ولم يكن غريبا عنـدئذ أن تصاب هـذه الشخصية بالسلبية السياسـية المزمنة، بعد أن اعتادت أن يسـوسها الغير، وبعد أن تعرضت لمعاول القهر والاستبداد، بدءا من حكم الفراعنة والرومان وخلفـاء المسلمين-باسـتثناء الخلافة الراشـدة-وانتهـاء" بسـلاطين المماليك والحكم العثمانى.
كذلك فإن "الجزيرة العربيـة عرفت قبـل الإسلام ضروبا من الطغيان والاستبداد لا تقـل عـن ضروبه المشهورة التى عرفت فى الشـعوب الأخرى، وأن قبائل من العرب الحاضرة والبادية قـد سـادها ملوك يعتزون بالأمـر والنهى بيـن رعاياهم بغير وازع ولا معترض، ويقيسـون عزتهم بمبـلغ اقتـدارهم على إذلال غيرهم واستطالتهم على من يدعى العـزة سـواهم"(2)، وعرب الباديـة يرون العجز عن الظلم نقيصة، ففى شـعرهم:
قبيلته لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل.
وربما كان ثمة تأثير لمنطق القـوة الذى كان يمثـل علامة بارزة فى المجتمع العربى البدوى، ويدرك العربى أن من طبائع الأمور وجود قوى وضعيف، ظالم ومظلوم، مستبد ومستسلم. فبيئة القبائل العربية كانت تشهد إغارات السلب والنهب والقتل والسبى، ويفخر العربى فى البـادية بأنـه ظالم ومسـتبد، فالاستبداد عنـده قيمة اجتماعية رفيعة يمجدها ويتغنى بها شـعراؤه. ويحدثنا التاريخأن الخليفة الأموى الوليـد بن يزيـد قال مهللا لمـا أتـاه نبـأ مقتل أحـد معارضيه:
فنحن المالكون للناس قسرا نسومهم المذلة والنكالا
ونوردهم حياض الخسف ذلا وما نألوهم إلا خبالا.
يقول الأسـتاذ الدكتور أحمد عكاشة(عالم الطب النفسي المعروف) عن الشخصية العربية: "يتميز قطاع كبير من المصريين والعرب بسمات الشخصية الاعتمـادية، والسلبية العدوانية، والاستهوائية،
وتتميز الشخصية الاعتمـادية (الاتكالية) باعتماد شـامل على الآخرين، أو السـماح لهم بتولى مسـؤولية جوانب مهمة فى حيـاة الشخص، وتسخير الاحتياجات الذاتيـة للآخرين الذين يعتمد عليهم الشخص، ورضوخ غير مبرر لرغباتهم وعدم الاستعداد لمطالبة هؤلاء الآخرين (الذين يعتمد عليهم الشخص) بأى مطالب حتى ولو منطقية )انتهى كلام الدكتور عكاشة . وللحديث بقية .
نبيل هلال هلال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لاتعليق
إقبال قاسم حسين ( 2011 / 1 / 21 - 17:45 )
نفهم من مقالك ان امريكا الان يحكمها عبد ،فاجداده الافارقة كانوا رقيقا للرجل الابيض الامريكي


2 - هكذا العربي
سلطان المصري ( 2011 / 1 / 21 - 18:36 )
يقول الأسـتاذ الدكتور أحمد عكاشة(عالم الطب النفسي المعروف) عن الشخصية العربية: -يتميز قطاع كبير من المصريين والعرب بسمات الشخصية الاعتمـادية، والسلبية العدوانية، والاستهوائية،
وتتميز الشخصية الاعتمـادية (الاتكالية) باعتماد شـامل على الآخرين، أو السـماح لهم بتولى مسـؤولية جوانب مهمة فى حيـاة الشخص، وتسخير الاحتياجات الذاتيـة للآخرين الذين يعتمد عليهم الشخص، ورضوخ غير مبرر لرغباتهم وعدم الاستعداد لمطالبة هؤلاء الآخرين (الذين يعتمد عليهم الشخص)
بأى مطالب حتى ولو منطقية )انتهى كلام الدكتور عكاشة .
وهذا ما نعيشة الان .


3 - الاستاذ / نبيل هلال
هشام حتاته ( 2011 / 1 / 21 - 22:53 )
كنت لااريد ان اثقل عليك بملاحظاتى .. فالمقال كله حقائق تاريخية فعلا ، والاستناجات كلها موفقه ، ولكن لماذا تستثنى الخلافة الراشدة . عمر بن الخطاب هو القائل : ( احفر فيها وعجل ..اخراب مصر من اجل اعمار المدينة) عندما طلب منه بن العاص تأجيل حفر قناة امير المؤمنين التى تربط النيل بالبحر الاحمر لتصل الغلال المصرية الى مسلمى المدينة ، وهو القائل ايضا : ( كيف تعزهم وقد اذلهم الله ) عندما استعان بن العاص بالمصريين فى تحصيل الخراج نظرا لخبرتهم فى هذا المجال . وفى عهد عثمان عين اخية من الرضاع عبدالله بن ابى سرح واليا لنهب مصر حتى قامت عليه الثورة . اقرأ مقالتى على الحوار ( الاحتلال العربى لمصر بين تدليس الشيوخ وحقائق التاريخ ) والتى اعتمدت فيها على المراجع الاسلامية والعربية فقط . تحياتى لجهودك ، واحترامى لحسن النية ... ولكن التاريخ لايرحم احد .


4 - منظور عُنصري
الزناني علال ( 2011 / 1 / 22 - 05:42 )
هذا المنظور الحامورابي، العُنصري، للتاريخ لا فائدة منه في العصر الحديث. نحن في عصر المواطنة وعصر الانسانية وليس المصرية والغير المصرية...



5 - تراثنا تراث خنوع وليس عبيد
عمرو اسماعيل ( 2011 / 1 / 22 - 11:32 )
فالمماليك كانوا في الحقيقة مرتزقة عسكريين ولهذا حكموا مصر وخنع لهم الشعب المصري كعادته .. المصري يخنع لمن يملك العصا بصرف النظر عن جنسه ولونه وعرقه .. في تطبيق سلس لحقوق الانسان!!!! والمصري هو الذي اخترع الدين كما يعرفه العالم الآن وقد سرقه اليهود منه .. في حالة خنوع في الدنيا والآخرة ..
الانسان الحر هو من يرفض الاستبداد .. فمتي رفض المصريون الاستبداد
وستتأكد اخي الكريم يوم 25 يناير
ان مر هذا اليوم كالعادة رغم ثورة الفيسبوك .. ثورة الاسماء المستعارة
فيجب ان نعترف اننا نستحق عمرو بن العاص
وما قاله فينا هو الحقيقة
ودعنا من اوهام اننا اصل الحضارة
نحن فقط اصل حضارة الخنوع .. ولهذا كنا مهد اول حكومة مركزية في التاريخ


6 - إلى الأستاذ هشام حتاتة
نبيل هلال هلال ( 2011 / 1 / 22 - 13:22 )
أخي الكريم هشام حتاته-تحية طيبة لك ولكل المعلقين على مقالي
وبعد
اأخي هشام ,أمتعتني مقالاتك ومع أنني أتفق معك في بعضها وأختلف في البعض الآخر ,إلا أن الحقيقة لا تستخلص إلا من الآراء المتعارضة ,وما من أحد يحتكر الحقيقة ,ومقالاتك حافلة بالمعلومات بحيث لا يكفي قراءتها مرة واحدة ,,شكرا على مشاركاتك القيمة ,وتحيتي للجميع
أخوكم نبيل هلال

اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة