الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاكيدات الايجابية كبديل عن المديح، ودورها في تعزيز القيمة الذاتية

اواصر يوسف خالد

2011 / 1 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الجزء الرابع: القيمة الذاتية والثقة بالنفس.

التاكيدات الايجابية كبديل عن المديح، ودورها في تعزيز القيمة الذاتية

نرغب فى هذا العدد توضيح مفهوم التاكيدات الايجابية وطبيعة اختلافها عن المدح، وسبل استخدامها من اجل بناء تربية سليمة وشخصية طموحة ومتوازنه :ـ

يوجد نوعين من التاكيدات الايجابية: النوع الاول منها يسمى التاكيدات غير الشفهية، وهي تشمل لغة الجسد التي تشمل الايحاء من خلال قسمات الوجه والتعابير وكذلك وضعية الجسم وايحاءاته، والتي تعطى اشارات واضحه للمقابل بانك رايته او سمعته او اهتميت به. ان تنغيم الصوت، وطبيعة الحركة وهزّة الراس ايضا تاكيدات ايجابية واضحة. فانك مثلا عندما تلوحين بيدك لطفلك اثناء لعبه مع ابتسامة ـ وحين يلتفت باتجاهك ـ ، يتم ايصال رسالة واضحة له "باني اراك ياصديقى الصغير وبامكانك الاستمرار فى اللعب وانا باقية هنا من اجلك". هذه التاكيدات لها اهمية كبيرة جدا عند الطفل وتشعره بانه موجود وذو اهمية عندك وبالتالى تعطيه الامان والراحة فى الاستمرار باللعب، وتلك هي اول خطوة في طريق بناء الذات.

وبنفس الطريقة يكون التعامل مع الكبار من اصدقاء او زملاء العمل او اصحاب، فمثلا ان التربيت على الكتف او رفع الابهام باتجاه الاعلى للتاكيد على المساندة او غيرها من الحركات هي تاكيدات واشارات ايجابية، وهي بالطبع تختلف ايضا من مكان الى اخر وثقافة الى اخرى

والنوع الثانى من التاكيدات الايجابية يتم من خلال التعبير الكلامي الصريح، حيث يتم التعبير عن ما نريده ونرغب في تاكيده حول صفات ومهارات الغير من خلال كلمات واضحة وودية، مثلا تقول لاحدهم انك مصغى جيد، او لزميلتك انك كنت هادئه فى العمل رغم كثرة المراجعين او مشقة الطقس او غيرها، او ان الام تقول لطفلها: لقد فعلت حسنا بمساعدة اختك بالرسم

ان التاكيدات الايجابية تعطينا الاحساس بالراحة والادراك والامان. والطفل منذ نعومة اظفاره يسعى اليها ويحتاجها فى بناء شعوره الذاتى، وكذلك تعلمه كيف يستخدم هذه التاكيدات مع اهله واصدقائه في المدرسة واللعب. مثال ذلك طفل بعمر خمسة سنوات ومن عائلة عراقية لاجئة في الدنمارك كان يكرر بشكل مستمر عبارة غريبة فى روضته: "عندما اكبر سوف اذهب الى العراق واقتل الامريكان" وفي كل مرة تسمعه المربية تقول له ان يكف عن قول ذلك، وهو يصر عليه ولم يكف عن ترديد هذه العبارة. وفي زيارة المرشدة النفسية للروضة سالتها المربية عن الطريقة التي يمكن لها ان تساعد طفل صغير على التوقف عن التفكير في القتل، فكان جواب النفسانية ان هذا الطفل يحتاج منك ان تسمعينه وترينه وتشاركيه احاسيسه حول هذا الامر. وفي المرة التالية حين عاود الطفل تكراره القول انه سوف يرجع الى العراق حينما يكبر ويقتل الامريكان، اقتربت المربية منه وقالت:

ـ انت تقول انك سوف تذهب الى العراق وتقتل الامريكان

ـ نعم انهم قد قتلوا والدي

عندها تفاجئت المربية بالجواب وتفاعلت معه وتكلمت معه قليلا وضمته اليها واعطته الاهتمام اللازم، وبعدها توقف الطفل تماما عن ترديد تلك العبارة

ان الاحساس بالقيمة الذاتية، يختلف عن الاحساس بانك تستطيع فعل او انجاز عمل ما، والذي هو الثقة بالنفس. الفرق بين الاحساسين هو ان الاول يمس الوجود والشعور وهو وذاتى. والثانى يمس القدرات والثقة بالامكانيات. .

لذا فعلينا ان نكثر من التاكيدات الايجابية بشكل يومي. وعلى الام ان تركز على طبيعة الفعل الذي يؤديه اطفالها والشعور المصاحب له، بدلا من المديح العام والفارغ

هنالك قول يكثر تداوله في الدنمارك، موجها للاهل وخصوصا من قبل المربيات وهو:ـ توقفوا عن مديح الطفل اكثر مما يستحق، لان لذلك مردود سلبي عليه، فالطفل الذى ياتى برسم عادي لامه مثلا، وتبدا الام بعدها بكيل جميع اصناف المديح لذلك الرسم رغم عدم قناعتها هي بجماله، يكون لديه صورة غير واقعية عن امكاناته، ويحول فعل الرسم بالنسبة للطفل من فرصة للجلوس مع الاصدقاء والتعبير عن مشاعره وافكاره وتجسيد واقعه، الى اداة من اجل تحقيق المنافسة والتميّز وتحقيق السبق الذي لايستطيع نيله ابدا، مما يوقعه في الاحباط لاحقا دون داعي. ان الطفل يتدرب على الرسم ويعرف جيدا ان الكبار افضل منه وعندما يقرر ان يعطى الرسم لامه او للمربين، فان ذلك ليس من اجل الحصول على الاعجاب والدهشه، وانما من اجل شد الانتباه الطبيعي له، ومن اجل ان يوصل رسالة ايجابية حبذا لو نجيد تلقيها وهي: انني موجود فى هذا العالم, اشعر واتالم، ورسمى هو هدية الى امى. ولذلك فان الافضل بالنسبة للام ان تقول له شكرا، وتبدا التحدث معه عن ذلك الرسم، كالقول مثلا ان الالوان تعجبنى او انا احب النخيل, او سؤاله هل ان الشمس حزينه؟ وغيرها.... فالحوار الذى يدور بين الام والطفل للحظات له مكانة ايجابية وكبيرة فى العلاقة بينهما.

من الامثلة الاخرى التي يمكن للام او الاب تقديم تاكيدات ايجابية ذات محتوى بناء بدلا من المديح الفضفاض:ـ

انى افرح كثيرا عندما ترتب الاشياء ـ بدلا من القول: انت ذكي وشاطر.

اني احب ان تاتى على الموعد ـ بدلا من القول: انك تتاخر دائما

من الممتع سياقة الدراجة الهوائية ـ بدلا من القول: انك سائق ماهر وتسبق والدك.

جعل الطفل يواجه الخسارة في اللعب ـ بدلا من تغشيش الفوز من ثم التصفيق الحار فرحا على فوزه المزيف.

وعلى العكس من التاكيدات الايجابية فان التاكيدات السلبية التى تنتقد وتجرح الشخص سلبا بسبب تصرف معين، لا تبني شخصية الانسان ولا تقدم اي هدف اخلاقي، وتقلل من قدرة الانسان على بناء داخله، وبالتالي سيكون اتّكاليا لا يستطيع القيام بمبادرات وافعال وابداعات، لانه لايجرؤ على ذلك بسبب فقدان ايمانه ومعرفته بقدراته الذاتية. قد يلاحظ الكثير من الاهل انه عندما يأمرون الطفل وبشكل عنيف بالكف عن عمل معين لا يرغبون به، تكون النتيجة انه يبقى مستمرا بنفس العمل وكانه لم يسمع شيئا. عمليا ومن خلال بحوث وتجارب كثيرة فقد تم اثبات ان استجابة الطفل لطلبات الكبار تكون ايجابية وكبيرة عندما يطلب منه بهدوء وادب ـ مع التكرار طبعاـ ان يقوم بفعل شيء اخر بديل عن عمل لا يرغبونه، بدلا عن زجره بالتوقف عن ذلك العمل

هنا مجموعة من الامثلة على التاكيدات السلبية وكيفية استبدالها بتاكيدات ايجابية:ـ



كف عن الصراخ فوراـ يمكن ان تستبدل:ـ تكلم بهدوء

كف عن ازعاج اختك ـ كن لطيفا مع اختك ويمكنك ان تلعب معها.

لاتلعب بالكرة فى الصالة ـ العب الكرة فى الحديقة

لاترسم على الحائط ـ ارسم على هذه الورقة

في عتاب الاصدقاء:ـ

انت لا تسال عني ابدا ـ ساكون سعيدا لو سالت عني باستمرار

انت تفكر بنفسك فقط ـ سوف افرح كثيرا لو تذكرتني اثناء شراؤك بطاقة للعبة الكرة (او السينما أو غيرها)ـ.

ان هذه الطريقة من التعامل تحتاج الى تدريب يومي ويمكن تعلمها والتعود عليها بسهولة، وهى مختلفة عمّا تعلمناه من اهلنا ومدارسنا ومجتمعاتنا. ان المتخصصون فى علم النفس والتربية والاجتماع يؤكدون على ان فهم هذا الاسلوب واستخدامه مع انفسنا او مع الاخرين يمكّننا من رفع قيمتنا الذاتية ومساعدة الاخرين على بناء انفسهم، كما انه يوصلنا الى هدوء داخلى وعميق .



المصادر.

1-Dan Svarre Glæde børn med højt selvværd, Politikens forlag;Danmark 2009.

2-Mia Tørnblom,selvværd nu, schønberg 2005.

3-Ben Furman, Børn kan, hans reitzels forlag 2008.

4- Reidun Hafstad og Haldor Øvreeide, forældrefokuseret arbejde med børn, systeme Acdemic 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيدة اواصر
ضياء حميو ( 2011 / 1 / 22 - 10:52 )
اتابع ماتكتبين وهو رائع ،واتمنى عليك ان تكملي هذه الحلقات لتصير في كتاب يوما ما
كل التقدير والاحترام


2 - رائع
فدوى عطية ( 2011 / 1 / 22 - 16:33 )
أعجبتني الموضوعات التي تتناولينها واتمنى منك الاستمرار على هذا النحو الرائع


3 - من امثالك
رجا جميل حداد ( 2011 / 1 / 23 - 14:09 )
سيدتي الموقرة:

عندما يلدغ المرء في تفكيره يتخلف عن اللدغة حكاك عنيف في العادة وحرقان ووجع وبعض اللدوغ اشد من بعضها خطرا

ويحتاج علاجها الى من هو سوي في تفكيره من امثالك

اعلى واجل الاحترامات يا سيدتي



4 - رؤية للخلف
سامي شمسان ( 2011 / 1 / 23 - 15:06 )
مثل هذا الكلام سيدتي يثير شجون ماضينا الملئ بالسلوكيات والتصرفات الخاطئه التي تربينا عليها ماجعلنا كظاهره عامه متطرفين كل منا يحاول ان يثبت نفسه بطريقة فظه نتيجة عدم الإكتراث أثناء التنشئه الخاطئه ...الهدوء النفسي العميق وإحساس الإنسان بأهمية وجوده بطريقة غير مبالغ فيها
هو من الحيثيات التي يجب أن يتم تثقيف مجتمعاتنا بها
كامل محبتي سيدتي


5 - والان
نور ( 2011 / 5 / 13 - 06:01 )
احترامي سيدتي ماكتبه سامي عبر عما في نفسي تربينا خطأ وربينا اولادنا هل يمكن الان تعمل شيء؟

اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا