الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم العربي .. أزمة بنيوية شاملة ! الحلقة 2-2

نجيب الخنيزي

2011 / 1 / 22
المجتمع المدني


2-2
لا يمكن إغفال تأثير نشوء وتبلور قوى طبقية واجتماعية ذات طابع بيروقراطي وطفيلي في العالم العربي أصبحت بحكم الامتيازات والمصالح الضخمة التي تحظى بها ، واحتكارها لمكامن السلطة والثروة والقوة ، معادية لمصالح الغالبية الساحقة من الشعب. مما أدى إلى استبعاد وتهميش المشاركة الشعبية الحقيقية في صنع واتخاذ القرار ، وتغول الأجهزة الأمنية بحجة الحفاظ على الشرعية الثورية أو الشرعية التاريخية ، ولم تتردد تلك القوى في تسهيل إعادة استتباع بلدانها للخارج على الأصعدة والمستويات كافة بحكم المصالح المتداخلة . علما بأن القسم الأكبر من الموارد المالية للدول العربية ذهبت للصرف على الجهاز البيروقراطي للدولة ومؤسساتها (وبخاصة العسكرية والأمنية) بل إن عديداً من الدول النفطية بددت معظم عائداتها النفطية على عسكرة النظام والمجتمع ( وخصوصا في بعض الجمهوريات النفطية ) أو في مغامرات ونشاطات خارجية أو استنزفت نتيجة لاستشراء حالات الفساد والاستيلاء على المال العام ورشاوى قطاعات ومجاميع في الداخل والخارج على حد سواء .
المفارقة الدالة أن الدولة العربية التي ارتضت انتهاج الليبرالية الاقتصادية في أشد تطبيقاتها المتطرفة (الليبرالية الجديدة) اتساقاً مع مسار العولمة وشروط منظمة التجارة العالمية ورفعت شعار الخصخصة وتصفية القطاع العام وتحرير التجارة وفتح المجال للرأسمال الخاص (الأجنبي والمحلي) للتحكم في المفاصل الأساسية للاقتصاد الوطني وعملت على استقالة الدولة من وظيفتها ودورها الاجتماعي ،غير أنها ترفض في الوقت نفسه تبني وانتهاج الليبرالية السياسية والقبول بمبدأ التعددية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان وبناء دولة القانون والمؤسسات.
صحيح أنه توجد في معظم الدول العربية مجالس تشريعية ودستور وانتخابات محلية وتشريعية وحتى رئاسية ولكن الوقائع تؤكد بأن الحزب الحاكم أو الرئيس يضمن فوزه سلفا وبنسبة ساحقة ووصل الأمر إلى مرحلة شهدنا فيها ظاهرة التوريث في الحكم ، حيث سعى ويسعى بعض الرؤساء لتنصيب أولادهم لخلافتهم في حكم أنظمة تزعم أنها جمهورية. أدى الفشل الذريع للسياسات والمشاريع التي اعتمدتها الدولة القطرية (الوطنية) العربية على اختلاف مرجعيتها السياسية والأيدلوجية إلى اضمحلال وتآكل شرعيتها التاريخية أو المكتسبة . وفي المقابل أخذت تطفح على السطح وتسود مختلف أشكال الانتماءات والعصبيات والولاءات الفرعية التي استعادت كامل حيويتها . وهذه الظاهرة المقلقة أصبحت سمه عامة في غالبية البلدان والمجتمعات العربية. صحيح أن حالة التدهور والتفكك السياسي والاجتماعي والثقافي والأمني مقتصر حتى الآن (في صورته الضيقة) على بعض الدول العربية ، غير أن جذر الأزمة ومعطياتها موجود وكامن (بنسب مختلفة) في المجتمعات العربية كافة والتي تتشابه في أوضاعها وظروفها ، وبالتالي ستظل عرضة للتفكك والانهيار حين تتوافر أو تنضج الظروف والعوامل المواتية لذلك سواء بفعل ديناميكية الحراك والفرز الاجتماعي واحتدام التناقضات الداخلية المرتبطة بتعارض وتقابل الهويات الاثنية والدينية والطائفية والجهوية كما هو حاصل في السودان والعراق والصومال واليمن ولبنان ومصر وغيرها ، أو بفعل المؤثرات والعوامل الاقتصادية والاجتماعية كما هو حاصل الآن في تونس والجزائر والأردن ، وعلينا هنا أن نقف مليا لاستيعاب دروس ودلالات انتفاضة الشعب التونسي الشقيق الذي أجبر الرئيس السابق زين الدين بن علي على الرحيل في سابقة تعد الأولى من نوعها عربيا إذا استثنينا ثورة الشعب السوداني في اكتوبر 1964 ضد الديكتاتور السابق ابراهيم عبود . بالطبع لا نستطيع إغفال تأثير العوامل الخارجية التي قد تدخل على الخط بدوافع مصلحية في المقام الأول. إذا عملية التفكيك والهدم ومن ثم إعادة تركيب وصياغة أوضاع المنطقة العربية تظل أمرا قائما على الدوام . وكما ساد في الأدبيات السياسية مصطلحي اللبننة والعرقنة ، فأن مصطلح السودنة في ضوء نتائج الاستفتاء الأخير الذي فصل الجنوب عن الشمال بدأ يفرض نفسه ضمن الواقع العربي . في إطار هذا المشهد العربي المحبط نستطيع فهم ما يجرى من أحداث مأساوية في غالبية البلدان العربية ، ومن بروز دلائل متزايدة على تزايد الاحتجاجات والتحركات الشعبية في العديد من الدول العربية ، والتي تعكس عمق الأزمة الهيكلية الشاملة ، و هشاشة الوضع العربي العام وقابليته للاختراق ليس بفعل التآمر الخارجي أو الداخلي في المقام الأول، وإنما نتيجة الممارسات والسياسات الحكومية الخاطئة التي تتسم بضيق الأفق وتقديم المصالح الفئوية الخاصة على حساب المصالح الوطنية العليا . المدخل الصحيح هو الإصلاح الشامل والجدي المستند إلى القواسم والمصالح الوطنية المشتركة ،والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات ، التي تشكل الدعامة الأساسية لخيمة الوطن الواحد ، والوحدة الوطنية، والسلم الأهلي الذي يتسع للجميع ، وهذا لن يتحقق إلا من خلال توفير أسس العدالة والحرية والمساواة في الحقوق والواجبات ، وخصوصا للغالبية الساحقة من الشعوب والمجتمعات المحرومة والمهمشة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، مع احترام الخصوصيات والهويات والانتماءات المختلفة و بما يؤكد على أولوية الانتماء الوطني والوحدة المجتمعية. من هذا المنطلق فإن التنوع والتعددية تصبح مصدر قوة وثراء وغنى حضاري وثقافي وروحي لا ينضب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً- رئيس تشيلي: الوضع الإنساني في غزة


.. الأونروا: ملاجئنا في رفح أصبحت فارغة ونحذر من نفاد الوقود




.. بعد قصة مذكرات الاعتقال بحق صحفيين روس.. مدفيديف يهدد جورج ك


.. زعيم المعارضة الإسرائلية يحذر نتنياهو: التراجع عن الصفقة حكم




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مسؤول الأغذية العالمي في فلسطين: