الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى قداسة البابا شنودة: أخبرنا عن موقفك مما يحدث؟

رشا أرنست
(Rasha Ernest)

2011 / 1 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أسدل الستار عن عام 2010 واستقبل العام الجديد 2011 بأسوأ مشهد دموي عرفته مصر الحديثة، في موقف لا نُحسد عليه من الدماء والأشلاء المتناثرة والخوف والارتباك وما زاد على ذلك صدمة جعلت الجميع في حالة من الذهول والاستنكار. هل نحن حقاً في مصر؟ ..... بداية عزائي لكل اسر الشهداء وكل مصري يٌقدر دماء هؤلاء الشهداء. عزائي لفرحة الأطفال التي سرقت منهم في الدقائق الأولى للعام الجديد بدون أدنى رحمة لبراءتهم. عزائي لأحلام الشباب التي تناثرت مع أجسادهم في ليلة رأس السنة.
أمسكت القلم بعد أن بذلت جهداً كبيراً لتهدئة ثورة الغضب في داخلي ضد هذا العنف الذي وجه إلى أبرياء يتضرعون إلى الله داخل بيته. أفكر فيما حدث بشكل عقلاني بصوت عالي ممسكة قلمي الرافض لهذا العمل الإجرامي، غير ناقمة على شخص بعينه.
واسمحوا لي أن اطرح ما يجول بصدري إلى قداسة البابا شنودة الذي خرج عن صمته اليوم ليصدمنا أكثر بإجابات اقل من المتوقعة لشعب هائج غاضب، ذاكرته أصبحت مشوهة وملطخة بدماء الأبرياء والظلم العلني الغير مبرر. كيف وصل بنا الحال يا قداسة البابا إلى هذا الحدّ؟ وبصوت عالي ابحث معكم عن إجابة من وجهة نظري. لنستعرض ما حدث السنوات الطويلة الماضية حتى اليوم.
بعد حرب أكتوبر بدأ عصر الانفتاح الجميل، الذي يعزف في حياتنا الآن أبهى صور التطرف والإرهاب ليقل الوجود القبطي في كل شيء بالتدريج، تتوالي السنوات ويقل دور المسيحي في كل مكان ليصبح مجرد إضافة بأي مصلحة أو مؤسسة ويختفي تماماً من عدة هيئات حتى أن دراسة اللغة العربية تصبح ممنوعة عنه تماماً بعد أن كان حضوره متساوي قبل هذا الوقت. في ظل كل ذلك المسيحيون صامتون. ففي البداية لم يشعر المسيحيون بأي تفرقة وذاد على إقناعهم بذلك قداسة البابا الذي كان دائماً يشجعهم للعمل من اجل الوطن، للعطاء وليس الأخذ واخذ شعاره الجميل "مصر ليس وطن نعيش فيه بل وطن يعيش فينا" ينغرس في كل مسيحي حتى أصبحنا بلا وطن. أصبح الشعار شعاراً للتنازل عن الحقوق وليس عشقاً للوطن، شعاراً عميقاً لكنه عاش في الجميع عنوة سطحياً هشاً لا يعرف طريق غير صفحات الجرائد. ثم بدأت الأحداث تزداد إثارة إلى الأسوأ وخاصة عند بناء الكنائس وهذا الملف الذي يمرّ على الجميع وكأنه ملفٌ مفخخ، لا يجرأ احد البت فيه من قريب أو بعيد ليصل اليوم أن يكون فتيل نار تشتعل عند كل حادثة تقع مع مسيحيين. ولأننا أبناء وطن واحد فعلينا نحن الأبناء الأقل مكانة التحمل والانحناء. إذا كان البابا شنودة قد ارتضى التحمل والحياة بشعار وحدة وطنية باتت شعاراً فقط، كيف يفرض على الأقباط أن يتحملوا حتى سفك الدماء دون أي ذنب بهذه الطريقة التي أهانت ليس الأقباط فقط وإنما أهانت كل الشعب المصري؟..... كيف يطلب أن يعيش بداخلنا الوطن ونتحمل كل ما يحدث لنا وفي ذات الوقت هو يبني كنيسة تلو الأخرى في بلاد المهجر؟ كيف يطلب ذلك وعدد الأقباط يقل كل عام عن سابقه بالهجرة؟ إذا كان المسيحيون من قبل يقبلون ذلك، فكيف سيقبلونه الآن؟ كيف يقبل هذا الجيل كل هذا الضغط بدون أدنى رد فعل من أي جهة تذكر؟
أذكر مقولة لأحد الشعراء تقول "لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضرورياً, فقد لا تواتيك الفرصة لتنتصب مرة أخرى" وأخشى ما أخشاه أن هذا ما وصلنا إليه يا قداسة البابا.
نعم يدعونا إيماننا المسيحي إلى التحمل والتواضع والتسامح ولكن أي تواضع هذا الذي وصل إلي سفك دماء الأبرياء وكأننا في دولة حرب؟؟.......... وصل بنا أن نُقتل هكذا عام بعد الآخر دون أن يتحرك الضمير الشعبي لوقف هذا النزيف الذي يزيد من الكراهية بين أبناء الوطن الواحد! أيصل بنا الحال إلى أن نُهدد علانية من اجل سيدتين أنكرتا المسيح أو لم تنكرا لأننا لا نملك الشجاعة أن نُظرهما علانية أمام العالم. أهذا هو إيماننا المسيحي؟
وفاء قسطنطين وكاميليا شحاته لو ابقيا على إيمانهم المسيحي لماذا تخشى عليهم من الموت إذا كنت قد رحبت باستقبال السماء لشهداء نجع حمادي والإسكندرية في أول تصريح لسيادتكم؟ وإذا كانتا قد أسلمتا فلماذا تبقى على أمرهما ولا تطلقهما تمضيا حيث تريدان؟.... لا أتصور أن مصر بكل عظمتها وتاريخها تُهدد علانية من اجل امرأتين لا دين لهما معلن؟ ألهذا الحد وصل بالعقلاء في مصر بمسلميه ومسيحيه أن يسمحوا لوطنهم وبحضارة آلاف السنين أن يُهددوا من إرهابيين أيضاً لا دين لهم؟ أي زيادة أو نقص ستحدث في المسيحية أو الإسلام بانتماء وفاء أو كاميليا أو أي أحد في هذا العالم إليهما؟
عرفنا عنك الحكمة وعشنا معها طوال سنوات كثيرة ولكن ألم يحن الوقت لبعض من الحكمة الفاعلة؟ الم نكتفي بالحكمة الصامتة كل تلك السنوات؟ ألم يحن الوقت لتعلن موقفاً محدداً اتجاه ما يحدث؟
عفواً قداسة البابا لم يكن صمتك في كل المرات السابقة واعتكافك في الأزمات مبرراً ولكن محبة الأقباط فقط هي التي قبلت منك ذلك حتى في أحلك الظروف. كنتُ أتصور انك من يصلي على شهداء الإسكندرية ويطلب بسرعة التوصل إلى الجناة وبحق من أهدرت دماءهم غدراً وهم يُصلون لا أن تخرج علينا اليوم بكلمات لا تشفي جروح ملايين المسيحيين في هذا الموقف.

منذ أكثر من ألفين عام، في ليلة القبض علي يسوع المسيح في بستان الزيتون، عندما وصلوا رؤساء الكهنة وحراس الهيكل ليقبضوا عليه قال لهم: "أعلى لص خرجتم بسيوفٍ وعصى؟ كنتُ كل يوم بينكم في الهيكل فما مددتم أيديكم عليّ..." يسوع المسيح أعطانا مثلاً حياً للحب والتسامح القوي، لم يواجه الظلم بالظلم أو العنف بالعنف ولكنه أيضاً لم يستسلم وبرفق وفي محبة سألهم وذكرهم بوجوده معهم. ونحن اليوم نٌقتل على مرأى ومسمع العالم كله وليس من حقنا أن نسأل كيف يحدث لنا هذا؟... حتى حق الدفاع بالرأي تنازلنا عنه وأصبحت لقاءاتنا وكلماتنا مجرد شعارات فارغة من الحلول المنطقية.
لماذا لا نواجه حقيقة واقعنا اليوم بشجاعة؟ إذا كنا قد تنازلنا إرادياً أو خوفا أو لأي سبب عن حقوقنا أنحاسب غيرنا؟ لماذا لا نُحاسب أنفسنا أولا؟ لماذا لا نقول أن هناك تقصير من الكنيسة لأنها لم تدافع عن حقوق أبناءها، وأنها تنازلت يوماً بعد يوم عن كيانهم ووجودهم حتى أصبح هامشياً. لماذا لا نقر يا قداسة البابا بأننا أعلنا أن لا تفرقة بين أبناء الوطن الواحد في وقت كان جميع المسيحيين يشعرون بهذه التفرقة في الوظائف والجامعات والمراكز وبناء دور العبادة؟ لماذا لا نقولها اليوم"كفى" أننا نريد أن يأخذ كل ذي حق حقه دون استثناء.

يا قداسة البابا شنودة ليس هناك وقت للصمت أو التفكير بأي حال سنكون في العيد، فنحن الآن بحاجة إلى وضع حلول لجذور هذه الأزمة وليست حلول وقتية. هذه المرة لن يتحمل أقباط مصر انتظار أعواماً أخرى للحكم على قتلة ومجرمين سفكوا دماء أبرياء، ولن يظل الغضب ساكن في الصدور بأمر من سيادتكم. فلكل شيء تحت السماء وقت. سيادتكم تعلم جيداً أن الكل يُحبك والكل يُطيعك فلا تجعل أبناءك يتمردون خارج هذا الحب وخارج هذه الطاعة.

لا أدين ولا أطالب هنا بثورة ولكني أطالب بتحقيق العدالة. أطالب بعدم الاستسلام للوضع وللصورة التي يُريد القليلون ممن يتربصون بهذا البلد وضعنا بها. فهذا وطننا ونحن جزء لا يتجزأ من هذه الأرض التي ارتوت بدماء الأبرياء. فيا قداسة البابا أنت مطالب اليوم أمامنا بصفتك الراعي والمسئول عن اكبر نسبة من الشعب القبطي أن تُساعدنا في الدفاع عن وطنا قبل أن تمزقه الفتنة، أنت مطالب بأن تُرشد رعيتك وتعلمهم كيف يقفوا في وجه الظلم بالإيمان. أن تعلمهم كيف يدافعون عن الحق بشكل صحيح لا أن يتنازلوا عنه في صمت. أنت مطالب بصفتك رجل دين أزلاً ومسئول عن شعب بأكمله ثانياً أن توقظ ضمير العالم حتى يتكاتف الجميع لصد قوة الإرهاب الآتية من عدة جهات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تمهلى رجاءً
سامى غطاس ( 2011 / 1 / 22 - 19:17 )
العزيزة رشا ,

استطيع و أنا قبطى مثلك أن اتفهم الحٌزن و المٌعاناه بداخلك لما حدث ومتوقع حدوثه لإحبائنا فى مصر . الذى لا يقره اي عقل او ضمير ,
صدقينى إنى اكثر منك حزنا و الماً بسبب هذة العنصرية البغيضة التى يمارسها علينا من يدعو زوراً و بهتاناً إخواتنا فى الوطن . وهي الممارسات التى لم تصِل فى تصنيفها الى مرتبة التصرفات الحيوانية.
و مع ذلك عزيزتى لم افهم بعد ما هو طلبك تحديداً من قداسة البابا
فمن السهل جداً على قداسته - وليس سيادته - ان يتفوه بكلمات عنترية قد تعجب البعض مِنا ... ثم ماذا بعد ذلك ؟؟؟؟
يتبع


2 - تكمِلة
سامى غطاس ( 2011 / 1 / 22 - 19:44 )
بدايةً نعلم جميعاً إن تصٌرف اي إنسان فى موقف ما يتوقف على المعطيات المتوافره لديه . و بناء عليه لست أنتِ او انا من نستطيع ان نحكم على ما يتوافر لقداسته من تلك المعطيات . فى رأيى المتواضع ان قداسته على علم تام بوحشية العقيدة التى يتبعها شركائنا في الوطن تلك الوحشية التي اصبحت لصيقة بهم كألتصاق جلودهم بإجسامهم .كذلك هو يعى تماماً النظام السياسي الفاسد المٌتربع على سدة الحٌكم فى مصرِنا الحبيبة .
كان أولى بك يا سيدتى ان تصٌبى جام غضبك على اتباع خير اٌمة اٌخرجت للناس و كذلك على نظام حٌكم قذِر لأقذر امة اٌخرِجت للناس
لا ان تتناسى دموع الرجل التى شاهدناها جميعاً و هي تتساقط بكل عفوية من عينيه.
قلبى مع قداسته متمنياَ له الصبر و تحمل الطعنات التي تأتيه من أولاده مع تلك التى تأتيه من رعاع بدو صحراء .


3 - من مهام أجهزة الأمن لا من مهام الكنيسة
أمجد المصرى ( 2011 / 1 / 22 - 21:03 )
الأستاذة / رشا ، تحية و تقديرا لمشاعرك الرقيقة و مطالبـاتك الحقـوقية العادلة ، و لكن ( 1 ) مهمة الإفصاح عن أماكن و مواقف و ديانات وفاء و كاميليا و غيرهما هى من مهام أجهزة الأمن لا من مهام الكنيسة ، و الإرهابيون المطالبون للكنيسة بذلك يعلمون تلك الحقيقة ، و لكن البابا لم يشأ أن يحرج الدولة خوفا على أقباط الداخل من بطش المختلين عقليا من المحافظين و النواب و الوزراء و المشايخ و باقى أتباع السلفية الوهابية ، الأقباط فى مصر ( بما فيهم البابا ) أصبحوا أسـرى حرب ، و رهائن فى أيدى أعداء حمقى ، يطالبون بالفدية متمثلة فى مطالبات الفلسطينيين و العراقيين و السودانيين و الأفغان و الغزاويين و الصوماليين ، و سوف أحاول الإجابة عن باقى أسئلتك فى مقال مستقل حيث المساحة هنا لا تكفى ، تمنياتى لك بكل الخير


4 - مرحى بعودتك يارشا أرنست المبدعة
مثنى حميد مجيد ( 2011 / 1 / 22 - 21:14 )
مرحى بعودتك يارشا أرنست المبدعة إلى الكتابة في الحوار المتمدن.أنها فرحة لكل قرائك، بعودة قلملك المرهف والشفاف بالصدق ومحبة الناس.
باقة ورد لك وتحايا عطرة.
مثنى حميد مجيد


5 - الفصل هو الحل
موريس رمسيس ( 2011 / 1 / 23 - 05:35 )
لا يوجد أى حل على الأطلاق غير الفصل بين المسلمين و المسيحين فى مصر بواسطة قوات دولية و أعطاء المسيحين الحكم الذاتى تحت حماية و مراقبة دولية لأستحالة الحياة و العيش المشترك بين المسيحيين و المسلمين

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah