الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من فرق بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي؟

نقولا الزهر

2011 / 1 / 23
المجتمع المدني


هل من فرق بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي؟
نقولا الزهر
في رأيي الفرق كبير جداً وفي كثير من الأحيان يجري خلط بين المفهومين. وفي أغلب الأحيان تتعمد الأجهزة الإيديولوجية والإعلامية لمعظم الأنظمة العربية الراهنة الكلام على مجتمع أهلي وتحاول بشتى السبل الهجوم على المجتمع المدني وتعتبره " بدعة غربية لا تمت لتقاليدنا وخصوصياتنا بصلة". إن (المجتمع الأهلي) لغةً يحيل إلى الأهل أي إلى العائلة والعشيرة والمذهب والحي والحارة. فهيئات المجتمع الأهلي هي المجالس والجمعيات العشائرية والقبيلية والعائلية والمذهبية ومجالس الأحياء ومشايخ ووجهاء الحارات ولا ننسى الطرق الصوفية. ومن أهم الأمثلة على المجتمع الأهلي يوردها المؤرخ الفلسطيني الراحل (حنا بطاطو) في كتابه تاريخ العراق هي مجالس الأحياء التي كانت لا تزال سائدة في في المدن العراقية حتى أوائل القرن العشرين، ويضرب مثلاً على ذلك مدينة النجف ويقول انها كانت في عام 1915 تتألف من أربع أحياء ولكل حي دستوره ومجلسه ونظام علاقاته مع الأحياء الأخرى في المدينة. فالمجتمع الأهلي بدون شك كان يلعب دوراً إيجابياً وعامل توازن يسهم في حماية الرعية في إطاره المحدود إزاء ظلم وتعسف واستبداد الدولة العثمانية.ولكن بعد انهيار السلطنة العثمانية وفي عهود الاستعمار والانتداب بدأت تتشكل في بعض الدول العربية إرهاصات الدولة الحديثة(مجالس تمثيلية ودساتير وصحافة) وبدأت تتكون الاستثمارات الرأسمالية والورشات والمصانع وبدأ تأسيس الجامعات في بعض العواصم العربية وبدأت تتشكل النقابات والاتحادات العمالية والمهنية وهنا كانت بدايات المجتمع المدني. وفي هذه المرحلة بدأ ما كان يسمى بالمجتمع الأهلي يحيل إلى الماضي، في الوقت الذي بدأ المجتمع المدني المتصاعد يحيل إلى المستقبل والتقدم، وقد ربط ماركس بين توطد الرأسمالية والمجتمع المدني، ولقد أعطى غرامشي دوراً مركزياً وأساسياً للمجتمع المدني وكان يعتبره عامل التوازن الأهم ضد تغول السلطة وسيطرتها الغاشمة . ولكن هذه المرحلة الانتقالية بما فيها نسبة المجتمع المدني الحديث إلى المجتمع الأهلي القديم لم تكن متشابهة في العالم العربي. ففي المشرق العربي كانت أهم تشكلات المجتمع المدني في مصر ولبنان وسورية وفلسطين وبنسبة أقل في العراق.وفي المغرب العربي حدثت أهم تشكلات المجتمع المدني إبان الاستعمار في كل من تونس والمغرب والجزائر.أما في باقي الدول العربية مثل السودان وليبيا واليمن والسعودية و دويلات الخليح فبقي مسيطراً وطاغياً في هذه الدول المجتمع الأهلي من جمعيات عشائرية ومذهبية.
ولكن بعد فترة قصيرة مضت على استقلالات بعض الدول العربية جاءت حقبة حكم العسكر في البلدان العربية التي كانت تخطو باتجاه الحداثة فأوقفت، وتحت يافطة براقة من الوطنية والتقدم والوحدة العربية والاشتراكية، مسيرةَ الحداثة والحياة البرلمانية والصحافة الحرة،وألحقت مؤسسات المجتمع المدني بالسلطة مباشرة وتحولت هذه المؤسسات من عامل توازن إزاء السلطة إلى جهاز وظيفي في خدمتها. ولكن يبدو أن مؤسسات المجتمع المدني في تونس في عهد أبو رقيبة وفي عهد زين العابدين بن علي، لم تستطع سلطتيهما القضاء تماماً على استقلالية النقابات والاتحادات والجمعيات، ولذلك كنا نرى بين فترة واخرى انتفاضة تحدث: ثورة الخبز في تونس العاصمة في أواسط الثمانينات، أحداث قفصة ، الاحتجاجات على رفع سعر السميد قبل شهر رمضان، ولكن أكبر هذه الاحتجاجات انفجرت في 17ديسمبر الماضي من مدينة سيدي بو زيد بعد أن أن أضرم النار في نفسه بائع الخضار المتجول الخريج الجامعي محمد بوعزيزي وكانت هذه الحادثة شرارة ثورة عارمة عمت تونس أودت بحقبة زين العابدين بن علي الاستبدادية وهي لا تزال مستمرة لاستئصال بقايا رموز الحقبة الديكتاتورية ونظامها. من هنا نرى أن التجربة التونسية لها خصوصياتها وظروفها وهي بالتأكيد سوف تنعكس إيجاباً على نضالات الشعوب العربية الأخرى من أجل الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، ولكن يخطئ كثيراُ من يتكلم بسذاجة على إمكانية استنساخها في باقي الدول العربية. فلكل دولة واقعها وظروفها وبنيتها الديموغرافية. وحتى الآن رأينا في العالم العربي ثلاثة سيناريوهات للتغيير: السيناريو العراقي الذي لا يزال متعثراً بالصراعات الطائفية والسيناريو السوداني التقسيمي والسيناريو التونسي ولا نعرف ما تحمله الأيام من سيناريوهات قادمة. وفي الأفق نلمح شبح السيناريو اليمني الواقع تحت تأثير الحاكم الذي يحكم اليمن منذ أكثر من ثلاثين عاما ويعدل الدستور الآن ليبقى مدى الحياة، ويبدو أن السيناريو اليمني يتراوح بين النسخة السودانية و النسخة التونسية.
دمشق في 22/1/2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المجتمع المدني نبض الشعب وحراكه
مريم نجمه ( 2011 / 1 / 23 - 13:58 )
الأخ المحترم نقولا الزهر تحية التمدن والحرية
شكراً لكم عزيزنا على الشرح التاريخي الجيد وتوضيح الفارق بين المجتمع المدني والأهلي , ولكن عندنا في سورية قضي على المجتمعين المدني والأهلي , أجهض وضرب الأول , حتى الجذور نشفوها , والأهلي خرًب عائلة عائلة وفرداً فرداً بكل الوسائل الخبيثة !؟ فالأنظمة الشمولية لا تنتج إلا قحطاً وصمتا وخوفا !؟

حبذا أيها الكاتب والباحث نقولا أن تذهب إلى صفحتي لتقرأ ما كتب لك جديدا وأخيراً الأستاذ والصديق الفاضل سامي ابراهيم مشكوراً ...مع خالص محبتي
سلامنا للجميع


2 - في رأيي
اسماعين يعقوبي ( 2011 / 1 / 23 - 14:03 )
في رأيي الفرق كبير جداً وفي كثير من الأحيان يجري خلط بين المفهومين: هاته الجملة اجابة سريعة عن الموضوع المطروح مما يجعل القارئ يأخذ مسافة كبيرة عنه ويجعل الكاتب يحاول فيما بقي من الموضوع البرهنة عليه
ولكن لدي مجموعة من النقط أراها ضرورية للتمحيص
المجتمع الاهلي هو هو المجتمع المدني في بعض المناطق اي يقصدان نفس التنظيمات, فقط هناك اختلاف اصطلاحي
العلاقات المدنية هي غير العلاقات الاهلية ولكن في المدني هناك اهلي اي توريث المناصب والتنظيمات مثلا, وفي الاهلي ما هو مدني: التنظيم القبلي المبني على اشكال معينة من الديموقراطية الداخلية
ما المجتمع المدني بالضبط: المفهوم النظري ام المفهوم الاجرائي وهنا وجب النظر في تطور المفهوم واصله
انه صعب جدا ان نحدد في مقال ان كان هناك تناقض, اختلاف ام تماهي
وللنقاش بقية


3 - الكاتب الجليل نقولا الزهر
سامي ابراهيم ( 2011 / 1 / 23 - 14:13 )
تحياتي لك أيها الجليل نقولا. تمنياتي لك بالصحة والعافية
هناك فرق عظيم بين المجتع الأهلي -كما سميته- المتمثل بعشائرية أو حارة أو... يحكمها مختارالحارة بدرجة تعليم لا تتجاوز المرحلة الابتدائية وبثقافات هشة مليئة جهل وخرافة وتخلف، وبين المجتمع المدني الذي هو نظام متكامل من الأفكار والمعايير والايديولوجيات المعينة التي هي خلاصة عقول نيرة متبحرة في العلوم الإنسانية والتي توصلت لوضع أساسات المجتمع المدني بالشكل الذي نعرفه ونفهمه والقائم على ثلاثة أركان: التواصل، المال، السلطة.
. المجتمع المدني هو مجال للتواصل والاندماج الاجتماعي إنه في الحقيقة دراسة الثقافة لخلق مجتمع جديد يكون فيه التواصل والتفاعل كاملا.
تودي ساكي ملفونو ميقرو رابي نقولا الزهر.
أتمنى لك حياة طويلة وسعيدة


4 - لا شك هناك تداخلات بين الاهلي والمدني
نقولا الزهر ( 2011 / 1 / 23 - 15:45 )
إلى الأخ السيد اسماعين يعقوبي،إن كلا المجتمعين المدني والأهلي كمصطلحين لغويين هما حديثان فالمجتمع المدني جاء مع جون لوك وغيره وقد تكلم عليه كثيرون ومن اهمهم هيجل وكذلك ماركس ومن اكثر الناس الذين اعطوا اهمية للمجتمع المدني في القرن الماضي غرامشي،وهذا المفهوم هو نظري في الأساس وعلى أرض الواقع يترجم بهيئات نشأت حديثاً في المجتمعات الغربية من اتحادات عمالية ومهنية وجمعيات غير حكومية.وإن المجتمع المدني متزامن مع الرأسمالية والمدنية الحديثة والثورة الصناعية. واعتبر البعض النظام الرأسمالي هو ذاته المجتمع المدني مثل ماركس. أما المجتمع الأهلي فهو أيضاً مصطلح حديث وقد تداوله كثيراً الباحثون العرب،وكان الباعث على انتشاره هو كون المجتمعات العربية لم تتحول إلى مجتمعات رأسمالية بل بقيت مجتمعات خليطة إقطاعية وعشائرية ورأسمالية معاً. فبقيت هذه المجتمعات ذات علاقات اجتماعية خليطة؛ قديمة(أهلية)وعلاقات نصف حديثة(مدنية) ووقد قابله على مستوى الدولة جمهوريات تفتقد عملياً لروح مفهوم الجمهورية،ولقد بات يصعب التمييز بين الدولة الملكية ا والدولة الجمهورية.وبقيت العلاقة المختلطة تختلف بين دولة عربية وأخرى


5 - سلام وشكر
نقولا الزهر ( 2011 / 1 / 23 - 15:55 )
إلى العزيزة مريم شكراً على مرورك وتعليقك على المقال ولغتك الحلوة وكان وصفك لتفكيك المجتمع الهلي رائعاً


6 - مجتمع يحيل إلى الماضي ومجتمع إلى المستقبل
نقولا الزهر ( 2011 / 1 / 23 - 16:26 )
تحياتي للأستاذ سامي على مرورك وتعليقك، .في الواقع من أكثر القرائن التي لها دلالات عميقة وقادرة على توصيف مجتمعاتنا المختلطة والتفريق بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني هو الدراما السورية.ولننظر إلى مسلسل باب الحارة رقم1،2،3،4،5 ،ولربما رقم6، ولهذا المسلسل جماهيرية هائلة وحنين كبير للتضامن الأهلي في الحارة ضد جور السلطة ولو عن طريق رشوة الشرطة.وفي المقابل نرى مسلسل ليس سراباً يدعو للتحرر الاجتماعي وللزواج المدني بغض النظرعن الدين والمذهب ولحرية الصحافة والتعبير.وايضاً لهذا المسلسل الذي يمثل ذروة توجهات المجتمع المدني كانت هنالك شعبية هائلة. عربة يجرها حصانان باتجاهين مختلفين،ولكن لا حراك ولا تغيير على أرض الواقع ولا اي انطلاق من اللحظة الراهنة.شكراً لك


7 - الفرق بين المجتمع المدنى والمجتمع الاهلى
د زينب محمد ( 2011 / 1 / 25 - 01:55 )
اعتقد ان الفرق بين المصطلحين يجب البحث فيها من حيث
1- من حيث المعنا اللغوى
فالمجتمع المدنى هو مجتمع المؤسسات مثل النقابات والاتحادات وغيرها , فهو يعنى الحداثة اما المجتمع الاهلى فهو شعبي محلى .
2- من حيث المعنى الايديولوجى
ومن حيث الاطار الفكرى لهما فان المدنى يعنى انه ذات اطر ايديولوجية ثقافية وسياسية واجتماعية معاصرة وله اهداف واضحة يضمنه له القانون . اما الاهلى فانه ذات اطار فكرى من اجل تسير الحياة للمجتمع وخاصة ذات المكون التقليدى مثل العائلة والقبيلة ...الخ
3- من حيث التطبيق الواقعى فى المجتمع
من الناحية العملية فان الاختلاف فيما بينهم هو اختلاف من الدور والتنظيم والنشاط


8 - الأهلي من الأهل والمدني من المدينة
نقولا الزهر ( 2011 / 1 / 27 - 00:23 )
شكراً الدكتورة زينب محمدعلى مرورك وتعليقك.إني موافق معك تماماُ أن المجتمع المدني هو المؤسسات والهيئات المدنية وهو عامل التوازن مع السلطة في المجتمع في الدولة الحديثة في الوقت الذي يشكل المجتمع الأهلي المجالس العشيرية والقبيلية والعائلية والدينية والمذهبية والطرق الصوفية في المجتمعات القديمة قبل الراسمالية وكذلك كان يلعب دور ما لحماية تلك المجتمعات الصغيرة من جور السلطة في تلك الحقبة.ولكن تكوينات المجتمه الأهلي لاتحمي غير المنتمين إليها ولننظر فحتى الآن فالجمعيات الخيرية المذهبية أو العشائرية لاتساعد غير رعاياها الخاصين بها فالمعطى يجب ان يكون من المذهب ذاته او العشيرة ذاتها.اما مؤسسات المجتمع المدني فهي لكل المجتمع بكامل تكويناتها ولذلك فهذا الخير يحيل إلى السياسة والشان العام(الجمهورية) أكثر من المجتمع الأهلي.ولذلك ليس صدفة ان الجمهورية في العالم العربي لم تصبح حقيقة واقعة بل بقيت حبراً على ورق وفي واقع الأمر بقيت الدولة العربية ملكية ورعايا اكثر من كونها جمهورية ومواطنين.تحياتي

اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا