الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علينا .. من طيب نوايانا أن نسلك طريقاً سوياً صوب الأفق المضاء

سعاد الفضلي

2011 / 1 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يتردّدَ نوروز في آذاننا منذ الطفولة، حينما كنا صغاراً وكاااااااان يطل بيتنا العريق على نهر العشار الذي كان يجري بحنيًة ليستوعبَ ضجيجنا الطفولي الذي يرافق تلك الشواطئ وكان على امتداد بيتنا بيت الذكير وبيت النعمة وبيت باشا عيان وبيوت عوائل كثيرة لا تحضرني الأسماء كانت لها سمعة في منطقة الصبخة الكبيرة وجسر الجيش الذي كان نقطة عبورمن البصرة إلى العشار انتهاء بحمام السيف والذي يترد عليه الناس صغارا وكبارا. طفولتنا كانت مشروعة في التنقل على تلك الضفاف التي لم تجرأ يوما على الغدر بنا نحن أحباء تلك الشواطئ تجمعنا وإياها مواسم الفرح والاحتفالات كانت تعني لنا الكثير يومها ننتظرها بفارغ الصبر, كنا نسمع كثيراً عن عيد نوروز ونستعد لاستقباله ونحتفل به ونحن نرى الخضرة والشموع تطفو تتأرجح على خشبة وكأنه عرس جماعي على سطح الماء وغالبا ما تتم مهاجمتها من قبل الآمواج والرياح ومن تنجوسفينة شموعه من الغرق وتطفو لمدة طويلة كان حظه من السعد والفرح أكثر من غيره.
لم يتطور حسّي ومفهومي تجاه نوروز سوى مناسبة تشعل فيها النيران والشموع تجرها أمواج النهرالخالد إلا في المرحلة الثانوية ، عندما بدأتُ أنضج وصارت لدي ميول للقراءة والاطلاع وصرت أتعرّفُ على الشعر والثقافة والافراح والأحزان والمناسبات ، بدأتُ أتعرّف على معظم الموسيقيين والفنانين والملحنين والروائيين والشعراء معرفة محدودة لا تتجاوز اهتمامي بما يشدني إليهم. عندها عرفت إن نوروز عند الأكراد يعتبر عيدا قوميا يحتفلون به في جميع أنحاء العالم. وفي كردستان العراق يعتبر عيد نوروز مناسبة رسمية تعطل كل الجهات الحكومية والاهلية ولمدة اربع ايام ويتم ايقاد شعلة نوروز في كل المدن الكردية.و التي تسمى شعلة كاوة الحداد. ونوروز الذي يصادف اليوم الأول للسنة الكردية 21 اذار، هو العيد القومي لدى الشعب الكردي وعدد من شعوب شرق آسيا،. وهو من الاعياد القديمة التي يحتفل بها الاكراد والفرس ، والذي يصادف في شهر الربيع الذي هو موعد تفتح الأزهار والأشجار وتجدد الحياة , وكان نوروز يحمل لدى الاكراد بعداً قومياً وصفة خاصة مرتبطة بقضية التحرر من الظلم، وفق الأسطورة التي تشير إلى ان اشعال النار كان رمزاً للانتصار والخلاص من الظلم الذي كان مصدره الحكام المتجبرين.
فكانت علاقة العرب بالاكراد يومها (من وجهة نظري ) لا تتجاوز معرفتنا المحدودة بإن شمال العراق جنة ولم تتاح لنا الزيارة لاسباب عديدة أهمها اعتقادنا بإن هناك مشكلة بيننا لا نعرف سببها ولا حتى أسباب الخلاف, كبرنا وزاد تطلعنا لمعرفة المزيد عن شمال بلادنا الحبيبة وأتيحت لي الفرصة أن أعرف القليل كنت أعمل مديرة لمدرسة في جنوب البصرة وكانت معي مدرَسة كردية اسمها فضيلة الله يذكرها بالخير تتكلم العربية بطلاقة لانها درست اللغة العربية في المدرسة كلغة ثانية وكان هذا أول تعارف عربي كردي لي وكانت هي القاسم المشترك للتعرف على ما لدى إخوننا الأكراد من عادات وطباع وكنا دائما لا نجلس معها إلا ومعنا ورقة وقلم كي نكتب وصفات الطبخ اللذيذة التي كانت تحضرها أحيانا كثيرة معها ويكون لنا نصيب التذوق منها. ولكن كنا ندخل في متاهات الضياع وعدم الفهم عندما يتحدث إثنان باللغة الكردية نصير(مثل الأطرش بالزفة ) ماذا يحدث لو فرضت علينا اللغة الكردية كلغة ثانية في مراحل التعليم الأولى كجزء من دستور البلاد حين يكون الطفل مستعدا لتعلم خمس لغات في آن واحد في بداية مراحل حياته الدراسية الأولى كي لا يتم بناء حاجزا وهو جدار اللغة وجهلاً بدورها الكبير في بناء مكان للتفاهم والتواصل بين العرب واخوانهم من الأكراد وكان هذا هو السبب الرئيسي والحقيقي في جهل الكثير منا بالثقافة الكردية بالاضافة إلى احتجاب القنوات الفضائية وقلتها أو انعدامها ساهمت إلى حد كبير على طمس الثقافة الكردية وجهلنا بها وخلو المناهج الدراسية من المعلومات عن تلك الثقافة في كل المراحل الدراسية لعب دورا كبيرا حتى في طمسم معالم الطبيعة الخلابة حيث كان الواحد منا يدفع الكثير كي يستمتع بالخارج بمثل تلك المناظر الموجودة في شمالنا الحبيب .
وقد كان هناك الكثير الذي يختصر العلاقة الكردية - العربية في العراق . فتفاصيل العلاقة ذاتها تسيّرها آثار عقود من العزلة والتعصب، التي عاشها المثقفون العراقيون في العقود الأخيرة، أما المثقفون الأكراد فاستردوا ذواتهم في الفترة الأخيرة من القرن الماضي ، ومع ذلك، هناك أفكار لكنها تحتاج الى تخطيط من شأنه جعل التواصل الثقافي بينهم جسراً حقيقياً ومتيناً من خلال الشراكة الطويلة الأمد والتعاون المثمر . فمهما تقاربت الحضارات في اتجاهاتها العامة وخطوطها الانسانية العريضة وتعددت لغاتها وامكاناتها تبقى جسور التواصل مهمة لربط تلك الحضارات امر لابد منه من اجل التواصل الانساني , والعراق حافل بهذه الحضارات وحاضنة طبيعية للثقافات المرافقة لها والثقافة الكردية واحدة من هذه الثقافات، والتي كونت هويتها الخاصة وطابعها المميز ومما لا شك فيه هناك توجه لمد تلك الجسور والعمل على تطويرها فالكاتب والاعلامي حسن كاكي اكد ان ما لاقاه الكرد على ايدي الحكومات السابقة اوجد لدى الشباب الكردي رغبة في انشاء كيان خاص للتمسك بالثقافة الكردية بشكل اكبر، موضحا ان على الكرد تعلم العربية وعلى العرب تعلم الكردية، داعياً الى ضرورة تدريس اللغة الكردية في مدارس العراق، لافتاً الى ان قرارا سيصدر العام 2011 بذلك .
المعاناة العربية في فهم الثقافة الكردية بخاصة تتمثل في تراجع دور المؤسسات الحكومية في دعم ونشر الثقافة الكردية، اضافة الى نظرة السياسي المثقف نظرة سطحية تنم عن عدم قدرته على التغيير، ان الفوارق بين المثقف خارج دائرة الأضواء الثقافية للاقليم وبين المثقف الذي يعيش في الاقليم كبيرة، فللثقافة ابعاد مختلفة ومتباينه باختلاف المكان والواقع. لذلك يجب بناء جسر للتواصل بين المثقفين، وتفعيلها لتؤدي دورها الحقيقي وتكون ملاذا فعليا للمفكرين والمثقفين من العرب والاكراد .
الكاتب والمحلل السياسي احمد الابيض طالب رجال السياسة والمثقفين الكرد بالمبادرة الى اقامة الندوات واعتماد مبدأ التنوع الثقافي داخل اقليم كردستان العراق واشراك الثقافة العراقية عموما والعربية منها خصوصاً، داعيا المثقفين العراقيين بشكل عام الى استقطاب الثقافة الكردية الى الاوساط العربية ونشرها. كذلك الكاتب والاعلامي محمد الفيلي دعا الى ضرورة قيام الجهات الثقافية الحكومية في الاقليم والمركز بطباعة النتجات الثقافية باللغتين الكردية والعربية ونشرها لتمكين الكرد والعرب من التواصل الثقافي والمزج بين النتاجات الثقافية لهما كي ينهل منها الباحث عن حضارة الشعوب وثقافتها .
والملاحظ الآن إن الاعلام المرئي والمسموع قد انفتح هو الاخر على اللغتين العربية والكردية بحكم تخصص القائمين عليه من اجل ان تكتب البرامج المقدمة شعبية لدى الجميع لذلك يجب على دار الثقافة والنشر الكردية أن تكون مكاناً لاحتضان المثقفين الكرد ونشر ابداعاتهم ، هذه الدار التي ينبغي ان تكون واحدة من أهم جسور التواصل بين الثقافتين العربية والكردية، ويكون لها دور كبير في تقليص المسافة بين المثقفين الكرد والعرب، وعلى الاقليم تطوير هذه الدار لرفع مستوى الثقافة الكردية خارج اقليم كردستان. تفتقد كردستان اليوم جيلاً كاملاً يجهل اللغة العربية ، ويفتقد العراق روح المبادرة تجاه الثقافة الكردية فهناك كنوز يجب البحث عنها ومفتاح التوجه لتلك الدرر هي اللغة فقد راقني ما كُتب من قصائد حيث كنت افتش زمانا عن معنى نوروز ، فوجدت هناك الشاعر كوران القادم من السليمانية يحمل شعرا هو النسيج المصاحب لكل حياته بكل عطائها وامتلائها وخصوبتها على الصعيد السياسي والأدبي.... حيث تلك الآبيات التي تترجم الكلمات وتدل على عمق المشاعر الوطنية فلنقف قليلا واجلالا لهذا الشاعر الوطني عند تلك الآبيات فهي خير دليل الوطنية النابعة من الأعماق والرافضة للظروف التي تشتت شملهم حين يغني لنوروز فيقول :
نوروز
كنت أنت وحدك : عيدهم وربيعهم !..
من الأحزان القديمة، والآلام القديمة
كل انسان يبصرها ويشم عبيرها،
يهتف :عاش نوروز الكرد .
قصة إخوة
أخي العربي!
لمع سيف وغرق بريقه في دماء
سالت من عنق أبي ..
من عنق أبيك
على تراب التاريخ
وفجعنا كلانا، بأبوينا
الهموم تعصر أعيننا قطرة فقطرة
فتعانقنا وبكينا معاً
فجعل البكاء منا أخوين
أما رجال العتمة
ذوو الرؤوس الملأى بالأفاعي
فقد أخذونا من أيدينا
إلى سفح شجرة الألم
وشدوا الطوق في أعناقنا
وهناك تحت شجرة الألم
تلاحمت أخوتنا
فتهامسنا وسمينا شجرة الشوك تلك
أخوة العرب والكرد
أخي العربي إن أردنا أن تقطف أخوتنا
ثمارًا حلوة من الشجر
إن اردنا أن تتفتح حريتنا
عن أزهار كحدائق الربيع
أن أردنا أن يكون عامنا أبداً أزهى من كل عامٍ غابر
وأن لا تصل إلينا أبداً يد الظالم الآثمة
فعلينا .. من طيب نوايانا
أن نسلك طريقاً سوياً
صوب الأفق المضاء
وعلينا ككل شعوب الأرض أن نسير
حيثما الشعلة البيضاء تجنح
حيثما تطوي الشعلة الأفق الأزرق
وتضئ الشعلة دربنا
فهل هناك أحلى وأروع من تلك المعزوفة التي غناها شاعرنا الوطني ليرينا تناغم الكلمات كي تمس جدار القلب وتسري كالدماء في الشرايين .
ولا يفوتنا أن نذكر عن ســفير الثقافة والأدب الكردي البروفسور معروف خزنه حيث يخبرنا دلاورزنكي بإنه لا يمكن احصاء كتبه وأبحاثه العلمية في هذه العجالة كاملة، لابد أن القارىء قد قرأ أبحاثه الكثيرة عن الأدب والثقافة الكردية، إلى جانب خدماته في مجال التدريس وحياته المهنية والمراكز التي تبوأها في الجامعات العربية والكردية إلى جانب عمله بتأسيس بعض المؤسسات الأدبية والثقافية الرسمية والصحف التي ترأسها داخل كردستان العراق وخارجها. ونال الكثير من الجوائز، وحضر الكثير من المؤتمرات الثقافية والأدبية العالمية والكردية إلى جانب عضويته في معهد الدراسات الشرقية في لينينغراد، واغناء الأدب والثقافة الكردية من خلال ترجماته الكثيرة ومشاكل اللغة الكردية واستنباط أو حفر بعض الكلمات الجديدة مقارنة باللغات الأوروبية.
أن لكل ثقافة قيمة ومكانة ينبغي احترامها، والحفاظ عليها، وأن لكل شعب حق، وعليه واجب، تطوير ثقافته، وأن كل الحضارات بتنوعها وتباينها، وبالتأثير المتبادل الذي يمارسه بعضها على البعض الآخر، تشكل جزءاً من تراث الإنسانية المشترك .
لذلك ترتكز رؤية اليونسكو للثقافة على أساس أن جميع الثقافات تشكل جزءاً لا يتجزأ من التراث المشترك للإنسانية، وأن الذاتية الثقافية لكل شعب تتجدد وتثرى من خلال الاتصال بتراث الشعوب الأخرى، وأنها تذبل وتموت عندما تفرض عليها العزلة ( توصيات المؤتمر الحكومي الدولي للسياسات الثقافية ـ المكسيك ـ 1982). كما ترتكز أيضاً على احترام كل الثقافات على قدم المساواة، والتأكيد على الطابع الأساسي والحيوي للذاتية أو الهوية الثقافية للمجتمعات والشعوب, وعلاقة هذه الهوية الثقافية الخاصة بالثقافات الأخرى، وبالتعاون الدوليّ.
وتتضمن برامج المنظمة في هذا الميدان مشروعات تهدف إلى صيانة التراث الثقافي بشتىّ أشكاله وصوره، كما تتضمن أيضاً مبادرات لتعزيز التفاعل المثمر بين الثقافات، وتأصيل القيم الثقافية، واحترام التنوع الثقافي، كما يتجلى في مختلف أشكال الإبداع الفكري والفني. بالإضافة إلى التأكيد على دور الثقافة في التنمية على اعتبار أن الإنسان هو محور التنمية وصانعها، ومن ثم ينبغي الاهتمام بتنمية إبداعه، وملكاته، وقدراته؛ ذلك أن هذا هو أساس النهوض به وتأكيد إنسانيته، وتعزيزها.فحدث ولا حرج إذا كانت هذه الحضارة والتراث يتقاسمه شعبا واحدا عربا وأكراد فيجب أن يكثف التعزيز لاحتضان تلك الحضارة وذلك التاريخ المشترك ولا يتم ذلك إلا بتوحيد كل الجهود لصهر هذا الإندماج , فتحقيق مفهوم الذات الثقافية لكل من العرب والأكراد في بوتقة العمل المشترك من أجل الحفاظ على كرامة هذا الشعب والعمل على تحقيق الديمقراطية والحرية، حرية الإنسان وحرية الآخرين كذلك ينبغي تشجيع الخلق والابتكار وتوفير كافة الامكانات والطاقات من دعم ودورات مختصة تأخذ على عاتقها تنظيم العمل المشترك وتطويره مع مراعاة الحفاظ على الهوية والذاتية لكل عمل وأن تسود علاقات جديدة تتيح للعرب والأكراد النهوض بثقافتها لتدرك قيمة ما تقدمه كل ثقافة من ثقافاتها من إسهام لا غنى عنه لمستقبل الإنسانية، وأن تدرك أن كلاً منها يمتلك جزءاً من الحقيقة الضرورية لتقدم الإنسانية وسعادتهم.ولا يفوتنا التأكيد على أهمية دور الاتصال فوسائل الإعلام بمقدورها أن تعبر عن الذات الثقافية للشعب العراقي عربا وأكراد تشمل حرية الإعلام والتعبير والنشر في برامج معدة بتسيق دقيق والتوعية على الصعيد المحلي والوطني والدولي بأهمية التراث الثقافي غير المادي وأهمية التقدير المتبادل لهذا التراث بين العرب والاكراد وهذا التفاعل والإبداع الثقافيين، اللذين يغذيان ويحددان أشكال التعبير الثقافي، ويعززان الدور الذي يؤديه العرب والأكراد في مجال التنمية الثقافية من أجل تقدم العراق برمّته ، ومساندة المشاركين في الإبداع الثقافي عندها وسوف تكون معرفتنا بالثقافة الكردية ليس اطلاعا عليها عن طريق الصحف والمجلات والتلفاز بل ستكون مشاركة فعالة من العرب والاكراد لبناء حضارة العراق العظيم مع الاعتراف بالطبيعة المتميزة للثقافة الكردية والثقافة العربية بوصفها حاملة للهويات والقيم والدلالات المميزة، لكل منهما والتأكيد على العلاقة القائمة بين التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات في سياق العولمة الجديدة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب