الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تتحول تونس لنموذج للشعوب العربية؟!

سامي الاخرس

2011 / 1 / 24
المجتمع المدني


هل تتحول تونس لنموذج للشعوب العربية؟! ما حدث في تونس وما يحدث حالياً هو تعبير عن حالة عرضية في التاريخ العربي الحديث، عَبر عن حالة من نضوج الظروف البيئية والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية مميزة بواقعها الخاص عن واقعها العربي العام، فيما لو استثنينا الخليج العربي كحالة انسلخت عن هذا الواقع نتيجة التطور المصاحب للنهضة الاقتصادية التي فجرتها الثورة النفطية. أختلف كلياً مع الآراء التي تُشخص الأمور بنظرة ضيقة، ومحدودة تُرجع العاصفة الشعبية التونسية بأنها نتيجة حصرية لحالة القمع والاستبداد لنظام زين العابدين بن على، لأن واقع الاستبداد في الوطن العربي لا يتفاوت بل ينتمي لنفس المدرسة، ونفس المعلمين، فهو نظام يدور بفلك منظومة شمولية ذات ثقافة متفقة تقوم على القمع والاستبدا، والفساد، وكبت الحريات، كايديلوجية ثقافية في إخضاع الشعوب، وهو ما يتطلب رؤية تشخيصية أكثر عمقاً وقراءة بأحداث تونس، وما يؤكد ذلك أن هناك حالة حراك( فردية) اتخذت من الشاب محمد بوهزيزي أسوة وقدوة، واستنسخت حرق الجثث كوسيلة احتجاجية، وهي إن عبرت فإنها تعبر عن غوغائية، مبتذلة تعبر عن هامشية التأثر والتأثير، بل والتفكير، فهناك فروقات بين حالة الشاب بوعزيزي الذي ثأر لكرامته بطريقته، فتجاوب معها الضمير الشعبي التونسي مشعلاً شرارة التغيير التي تطورت يوماً تلو يوم بفعل العديد من المتغيرات، إلى أن وصلت لدرجة الانفجار في ذاكرة التمرد، هذه المتغيرات والعوامل ساهمت مع جملة الظروف البنيوية للشعب للمجتمع التونسي في القبض على معصم التمرد، وهي حالة تميزية ميزت الشعب التونسي عن أقرانه في المنطقة العربية. بقراءة منطقية للأنظمة العربية القائمة، نخلص إلى إنها أنظمة ذات بناء اجتماعي وثقافي وطبقي واحد، تنتمي لنفس الثقافة والمدرسة والأيديولوجيا المعتنقة للنظرية الأمنية كوسيلة استمرار، وأوجه الاختلاف فيما بينها تكاد تكون معدومة أو شبه معدومة، وعليه فإن الظروف الأمنية والسياسية في الواقع العربي عامة هي نفس الظروف التي تعيش تحت وطأها الشعوب العربية، ونفس المدرسة التي تتقلد الحكم والسلطة مع اختلاف ظاهري طفيف. ولكن هناك تمايزات على المستويات الأخرى، هذه المستويات تتحكم بها العديد من العوامل الثقافة المكونة للبناء الثقافي الاجتماعي الشعبي، تنتج نسبة معينة من الوعي القادر على التحرك وقطع المسافات المعقدة، وفك طلاسم المعادلة التي تعتبر الحريات وحقوق الإنسان، طرف مؤثر وحيوي في أبجدياتها، وهي جزيئيات هامة من مكونات " وعي التمرد والثورة" لدى الإنسان، وقدرته التعبيرية عن ذاته الإنتفاضية القادرة على التغيير، وهو أحد المسلمات التي لا تحدث دون مقدمات ومناخ يهيء لعملية التغيير الجذرية. بعقد مقارنة ومقاربة سلوكية بين الشعب التونسي والعديد من الشعةب العربية، نستخلص العديد من المفارقات التي ساهم فيها نظام زين العابدين بن على، وأخرى إكتسبها الشعب التونسي من واقعه التاريخي والجغرافي. فتونس بحكم واقعها وموقعها الجغرافي، وتاريخها الحديث تعتبر من أكثر الدول والشعوب العربية التي تأثرت بثقافة الغرب وبواقعه الاجتماعي من خلال الاحتكاك المباشر بالغرب من خلال فرنسا واسبانيا، فانتقلت الثقافة عبر تواتر الأجيال، أضف لموروث الاستعمار الفرنسي ثقافياً واجتماعياً، وهو ما ميزها عن الشعوب العربية الأخرى، ولكي نؤكد ذلك نسوق هذه الرؤية التي تبحث في واقع الجاليات العربية المتمركزة في مناخات عربية، فأي دولة عربية تجد بها جالية عربية كبيرة جداً، هذه الجاليات لا تستطيع إحداث تغيير في المفاهيم الثقافية الاجتماعية كونها تعتاش في بيئة ثقافية عربية تضاهي البيئة الأساسية للثقافة التقليدية، في حين أن الثقافة التونسية تتمحور في الغرب وتحتك بدول أكثر وعي وحرية وتقدم، وديمقراطية فمن خلالها إكتسبت الثقافة التونسية مفاهيم مغايرة للمفاهيم العربية المحيطة بها، مما أحدث لديها التماهي مع هذه الثقافات والتمرد على ثقافة الأمن والخضوع والخوف للشعوب الأخرى، أضف لهذا العامل الثقافي المميز للشعب التونسي عامة، حركة النهضة الفكرية والاجتماعية التي شهدتها تونس شهدت تطوراً على المستوى الاقتصادي، والعلمي، والأمية، والبطالة، والتنمية الاقتصادية، وهي حالة رغم بطئها وقسوتها إلا إنها مميزة عن واقع البلدان العربية الأخرى، باستثناء دول الخليج النفطية. ودلالة على ذلك ما هي النتائج التي نخلص إليها فيما لو عقدنا مقارنة ثقافية بين تونس ولبنان من جهة وباقي الدول العربية من جهة أخرى، سنجد أن هناك تقارب ثقافي اجتماعي كبير بين تونس ولبنان، ومسافة كبيرة بينهما وبين الدول العربية الأخرى. وهو ما يؤكد ما ذهبت إليه بأن الظروف الإنتاجية لمكونات البنية الاجتماعية التونسية تميزت عن المكونات الإنتاجية للمجتمعات العربية الأخرى، وهو ما مثل حالة نضوج شمولية أثمرتتمرداً في مجتمع إكتسب ثقافة التمرد. إذن فالخلاصة العامة تتحدد وفق مقتضيات محددة ساهمت في إرتقاء مستوى المجتمع التونسي استطاعت من خلالها تقليص حجم الهوة والمسافة ما بين الخضوع والإستسلام، والتمرد والثورة شمن السياق العام لحركة التغيير. فالاستعمار بشتى أشكاله وأطيافه يسعى للاستعمار الفكري قبل بسط سيطرته العسكرية، وهي نفس النظرية التي ساهمت في إزهار وتفتح براعم الوعي التونسي ليتمرد ويثور، مع أول شرارة وهو ما لم يتوفر بعد للشعوب العربية التي ترزح تحت نير الأمية، والبطالة، والجهل، والتخلف، والفقر، والخضوع لسياسة الخوف الأمنية مما جعلها تستنسخ الحالة التونسية بشخصية بوعزيزي فقط فأصبحت مقلدة لها بلا وعي أو إدراك للحالة التي عبر بها الشعب جوهرياً عن نفسه وإرادته في تونس، ولا زال يعبر بكل وعي عن إيمانه أن التغيير لا يكمن بالأفراد والأشخاص بل بالنظام كمنظومة أساسية، وما تمرد قوات الشرطة الأخير والخروج بالتظاهرات إلا واقعاً لما جئنا إليه سابقاً في سياق تناول الظروف الممكنة لإحداث التغيير الجوهري. كما يؤكد ذلك حالة الاستهزاء الرسمية المتمثلة بسياسات بعض الأنظمة الرسمية التي حاولت امتصاص حالة الغضب والشحن كمثال الأردن التي سارعت لتخفيض الأسعار ورفع الرواتب، والكويت التي سارعت في منح ألف دينار لكل مواطن، ومصر التي استوعبت 782 خريج في وزارة البترول، مستدركة أن شعوبها تستوعب ذلك نظراً لهامشية أدوات التغيير التي يطمحوا إليها، فأختارت هذه المعالجات والمسكنات التي تمكنها من مخاطبة الوعي الشعبي العام، وهي تدرك أن تلك المعالجات تناسب الوعي والمطالب الجماهيرية الآنية، في حين إنها لم تُجدِ مع مجتمعات أكثر وعي ونضج قياساً بالمجتمعين اللبناني والتونسي على سبيل المثال وليس الحصر. إذن هناك العديد من العوامل التي ساهمت في الحراك التونسي الذي لم يحدث فجأة أو بشكل مفاجئ بل كان ضمن سياق مراحل تتكامل على المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فجرها كرامة شخص لتشتعل بأعماق بناء اجتماعي مهيأ للإنفجار والتمرد، وهي الشرارة الأساسية التي لم تنضج بعد في المجتمعات العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: أمر الإخلاء الإسرائيلي الجديد في جنوب غزة يطا


.. الأمم المتحدة: النازحون في قطاع غزة 2 مليون شخص | #عاجل




.. Cambodian climate activists convicted for plotting against


.. الأونروا: ما لدينا من تمويل يغطي عملياتنا بقطاع غزة لأغسطس ف




.. الأمم المتحدة تعلن توسيع خطتها لمساعدة اللاجئين السودانيين ا