الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطّاط الوجوه المستعارة...

فاضل الخطيب

2011 / 1 / 26
المجتمع المدني


مطّاط الوجوه المستعارة...

حدث واستسلمت لإلحاح بعض أصدقائي على فتح ما يسمى حساب في الفيس بوك، وكان ذلك قبل عشرة أشهر. لقد ظهر لي مجتمع الفيس بوك أنه يضع لبنات نظام عالمي جديد، إنه إحدى بذور المجتمع العالمي. وصار المرء يشعر بإدمان غريب، حتى أصبح شعور الابتعاد عن الفيس بوك ما يشبه ضياع الشخص وخسارته شيئاً ما، إنه شعور اليتم عند الطفل. ورغم عظمة هذا الاختراع لكن التطور لا يتوقف وسيأتي أعظم منه، وربما يضحك منا ساخراً استهجاننا هذه الابتكارات التقنية أحد الأفراد بعد مائة عام، كما نحن ننظر إلى ابتكارات عام 1911.
ومن خلال تجربة عشر شهور وملاحظة هذا "المجتمع الفيس بوكي" الجديد، يظهر لي أن أحد أهمّ سيئاته هي التستر بأسماء مستعارة، وما يلحق ذلك من "فرفرطة" عند البعض في التعامل والسلوك المضطرب.
يدفع بداية العام الجديد الناس أن يبدأوا بشكل أفضل وأجمل، أن ينظفوا قلوبهم قبل جيوبهم، أن ينظروا في ذواتهم قبل استحضار ذوات غيرهم، أن ينظروا في المرآة وقت حلاقة ذقونهم على الأقل، أو ترميم جمالهم/ن، ألاّ يغضبوا من العام والعالم إذا بدا لهم الفرح في مكان ما. من لا يستطيع الفرح لفرح غيره لا يستطيع الفرح لنفسه حينما يكون موجوداً. أقول هذا ولا أدّعي المثالية في سلوكي وتعاملي، وأنا على قناعة أنه حتى في الشمس هناك بقعٌ سوداء، لكن المهم ألاّ تصبح تلك البقع شمساً بالذات.

يعتبر الحسد إحدى المشاعر "العامة" السيئة للإنسان، والحاسد إنسان يحب الحصول على أمور وأشياء ليست ملكه أو نتيجة لعمله، لكن الغيرة كانت أقوى من أن يتحكم بمشاعره..
هذا الإنسان يحب أن يكون له ما عندك! يحب أن يحصل على حبيبتك، أو حبيبك، عملك، سيارتك، أو ربما الراتب الذي يعتقد أنك تأخذه وهو يستحقه، وحتى يحب أن يأخذ حياتك بكاملها لأن أمورك ماشية أفضل من أموره..
أحاول الخروج من التعميم عند ملامسة وتناول ظاهرة ما، لكنني قد أجد نفسي أقرب إلى اعتبار ظاهرة الحسد والغيرة وكأنها خصوصية عربية! إذا كان لأحد صديق/ة لهذا لا نحبه/ا، إذا كان وحيداً فهذا يدعو أيضاً للغيرة لأنه لا مشاكل له، حتى من كان بلا عمل ربما نحقد عليه لأن عنده وقت كثير ويستطيع فعل ما يشاء... دائماً هناك سبب أو أكثر يدفعنا للحسد أو الغيرة، أو للاثنين معاً!
ضاعت مشاعر الفرح إن كانت خارج الذات؟ لماذا لا يستطيع البعض الفرح لفرح الآخر، لماذا البحث عن مبررات الانتقاد والتجريح أو بأحسن الحالات الغمز غير البريء؟ في نهاية المطاف من كانت عنده غيرة قد تصبح حسداً وتسبب له متاعب نفسية وقد تجده يوماً "عدواً" بدون معرفة حقيقية للسبب خارج الحسد والغيرة!
هل يصح القول –والمعذرة من التعميم- أنه لا حاجة للإنسان للأعداء إذا كان عنده صديق عربي؟ هذه قاسية والأفضل عدم صياغتها هكذا! آمل أن يكون هذا مجرد خطأ في استشعار ما يدور أو يحاول الدوران! وطبعاً لا يمكن أن يكون الحسد والغيرة صفة "قومية أو مناطقية معينة" بل ربما بعض ملاحظاتي أو مراقباتي ومتابعاتي "وكم اتي!" جعلتني أعطي الموضوع أكثر مما يستحق..
في الظاهر يبدو أن أكثرنا يعرف معنى الحسد والغيرة، لكن جوهر الفرق بين الحسد والغيرة صعب باعتقادي تحديده، ويبدو أن جذورهما واحدة –على الأقل في مرحلة حياتية معينة، والأرجح حسب المختصين أن تلك الجذور تعود إلى مرحلة الطفولة، وظهورها بدرجة ما وفي فترات متأخرة يعود أساسه إلى زمن الطفولة الصبيانية، وطريقة الاستجابة غير الناضجة للحالة التي تواجهه. ويعتبر البعض أن جوهر الغيرة هو أننا نريد الحفاظ على ما هو لنا، لكننا نشعر بأن ذلك مُهدد. والحسد هو الرغبة في امتلاك شيئاً ما ليس بحوزتنا، لكنه عند غيرنا. أي أن شعور الخسارة هو الفرق بين الحسد والغيرة. ويعتبر البعض الآخر، أن الفرق بين الحسد والغيرة هو ظهور طرف ثالث، والغيرة عند شخص ما ليست فقط هي أن يكون اهتمام شريكه به كبيراً جداً، وليس فقط أنه يريد أن لا يحصل الطرف الثالث على شيء، بل أن لا يعطي الشخص الذي يغار عليه أي اهتمام للطرف الثالث.
الحسد شيء غريزي، لكن التحكم به وتطويره إجتماعيا يرتبط بمرحلة الطفولة والتربية قبل كل شيء، وله نوعان بشكل عام، واحد ضار موّجه ضد الآخر، والنوع الثاني موّجه نحو أنفسنا ويسعى لتحريضها للأفضل، ويُنهض فينا روح المنافسة لتخطي ذاتنا في اللحظة الحالية.
الغيرة شيء مرتبط بمشاعر تُسبب معاناة ذاتية أكثر، مشاعر عدائية يحملها الشخص في ذاته. ويقول البعض أن أحد أسباب الغيرة يعود إلى إحساس ذاتي يحمله المرء بداخله، والسبب الآخر هو شعور الخسارة، والبغض والحقد سببه الشعور بالدونية.
يفترض بعض العلماء أن الحسد مرتبط بالصورة التي يُشكّلها الفرد عن نفسه وذاته مقارنة برأي شخص مهم لنا عن شخصٍ آخر، وهذا يُحرّك بداخلنا شعور ما يتعلق بالقيم والأفكار التي نحمل. بينما الغيرة مرتبطة بتقييم ذاتي سلبي، أنه هناك آخر ذو قيم وأفكار مثلنا، بل ربما أفضل منا، وهذا يُوقظ فينا الشكوك وعدم الثقة بالنفس.
إن مشاعر الحسد والغيرة ليست بالضرورة مظاهر مرضية عندما تكون مرتبطة بتجربة تجذبنا لشخص عزيز علينا والخوف من فقدانه. والحالة الطبيعية للغيرة تصبح شرسة في حالات الشعور بالخطر، وهذا أمرٌ طبيعي. وطبيعي أيضاً أن غيرة الرجال تكون غالباً بسبب الجنس بينما عند النساء بسبب المشاعر. ويمكن أن تظهر بأشكال عديدة منها: الغضب والخوف والقلق والحزن والوحدة والاكتئاب، والاستياء، والعار، وجنون العظمة، والحسد، وعدم الكفاءة، والجشع، وكل هذه مخلوطة مع الشعور بالنقص والحرمان. وردود الأفعال تكون أسبابها مختلفة جداً. ومهما كان السبب فإن خطورة الغيرة هي أنها تقضي على علاقات قيمة بالنسبة لنا.
لماذا عندنا غيرة؟ لماذا لا نفرح لفرح الآخر؟
صار الفرح استثناءً، وصار الفرح للفرح أكثر استثناءً، وصارت بسمة البودرة والتزيين الرجالي (الذكوري) أكثر انتشاراً من حمرة الشفاه للنساء! صار البغض والكره الساطع مرادفاً لذلك "الشِرش" الذي يرتبط بالحياء ولا ينفصل عن الحياة، والذي صار بدوره مادة كمالية قلة تتعامل بها.
ورغم معرفة البعض لدرجة مصداقيتهم لأنفسهم ولغيرهم، إلاّ أنهم لا يتورعون تجنب الاستقامة وتكرار ذلك التجنب حتى يصبحوا جُنُباً بشكل دائم مهما انفرجوا أو شكلوا زوايا حادة منزوية. والزاوية بشكل عام هي تقاطع ضلعين مستقيمين، وإذا انفرجت حتى تصبح مستقيمة يتشكل ضلعٌ واحدٌ وباستقامة كاملة، ورغم استقامته الواضحة إلاّ أن الغالبية تنتبه لتقاطعات الأضلاع أكثر من استقامتها.
قد يكون أرخص وأغلى شيء في خزان تعامل الإنسان هو الشفافية والمصداقية، أرخص لأنها لا تكلف عناءً وجهداً وصرف نقود، وأغلى شيء لأن مردودها الأخلاقي يتجاوز كثيراً حسابات بيادر البعض وحقولهم المغناطيسية. ويحاول البعض إجبارك على تجاوزه وتقييمه ضمن المقاسات المتعارف عليها في سوق الحسبة أو وقت "الفلاج".
ظاهرة صوتية، ظاهرة كتابية، ظاهرة تصنيعية، ظاهرة رمادية، ظاهرة مخفية، وظواهر أخرى لا تحتاج إلى علم النفس ليُظهر مكنونها، بل تدعو للشفقة.
والتشويه الجميل لبعض ظواهر وبواطن الوجوه الجميلة التي ترى بعين الغزال خارج مزارع و"صِيَر" راعيها أيضاً، وكانت من أكثر المتحمسين لانتفاضة الشعب التونسي، وبنفس الوقت يدافع هذا الجميل المعطر الشجاع –ما قلنا فحل لأنو فيه بينهم يمكن حريم- عن أنظمة فاسدة ديكتاتورية أخرى يُعتبر بن علي أقلها بطشاً وإفساداً وتواطؤاً على أرض الوطن.
الخميرة تصلح للمعجنات، تنفشها وتعطيها شيئاً جمالياً، لكنها تفضح القشرة الرمادية عندما تستخدم لنفشها، حيث تضعف تلافيف تلك القشرة حتى تصبح كقشرة بيضة النعامة ملساء. وتلك القشرة الملساء تدفع البعض للقيام بتقييم شخص ما دون معرفة كاملة به، وهو الطفولية والفضول، ولا يُسمى ذكاءً إعطاء "النصائح" دون طلبها لأنها تعتبر شيئاً من التدخل الفض في خصوصيات الغير.
عندما يلبس وجهه ويلصق بسمته ويُعطّر لسانه أحياناً، ويظهر للملأ كإنسان مستقيم ورزين وحريص على الجميع، ويحاول الظهور وكأن نصف عدنان أو تنوخ تسير تحت عباءته. وفي نفس الوقت يستخدم أحياناً وجهه الآخر حينما يحاول الاغتسال و"يلغبط" مساحيقه وإكسسواراته، وعندها يُسمع واضحاً صوت مسننات جمجمته نتيجة الاحتكاك والاهتلاك رغم نعومة بيضة النعامة.
وأعتقد أنها تعتبر لغبطة أيضاً تلك الظواهر التالية: من يُعارض النظام باسم سريّ، وهناك من يُعارض المعارضة باسم مستعار، هناك من يمدح "صديقه" علناً ويشتمه ويُلقّم بارودته لاقتناص نفس الصديق باسم سريّ، هناك من يحاول الحب باسم سريّ ويلوح بمقليعته ضد الحب إذا كان خارج دائرته وباسم سريّ، هناك من يتغنى بعنب الجبل باسم سريّ... حتى صار الحبل السري عند البعض خيط "مصيص"!.
من لا يستطيع رفع القناع عن وجهه هل يستطيع الطبيب النفسي رفع الأقنعة عن عقله وروحه الطاهرة؟
ما أريد قوله هو محاولة الإشارة إلى أهمية تقصير المسافة بين ارتداء الوجه المستعار للبعض وبين وجهه الحقيقي، وبتعبير آخر أن بعض الأصدقاء الاصطناعيين يحتضنون الإنسان بالقبلات والكلام الأعسل من العسل، وفي نفس الوقت لا يستطيع الإنسان أن يدير لهذا البعض ظهره خوفاً من الطعن. والحقيقة أنني ما حاولت قوله هنا هو أنه لا يمكن عملياً العلاج النهائي. ربما الإشارة إلى تلك الظواهر يُخففها أو يضبطها قليلاً، وقد لا يجعلها تفلت من عقالها وتزداد اضطراباً، لأنه لا تكفي الشفقة بل محاولة المساعدة من خلال منع اشتطاط المطاط/ة...

بودابست، 26 / 1 / 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلامات
غسان المفلح ( 2011 / 1 / 26 - 08:50 )
سلمت اناملك دكتور...ومزيدا من الابداع..


2 - المطاط في النهاية قابل للتمزق
فلورنس غزلان ( 2011 / 1 / 26 - 10:29 )
ياصديقي العزيز دكتور فاضل-ــ
تعرف أني من محبي ومتابعي ماتكتب وتعلق..وغالباً مانتبادل وجهات النظر بكل احترام وتقدير، وأعتقد أن ملاحظاتك كلها بمكانها الصحيح، وتضع النقاط على الحروف في علاقات الفيس بوك بين متعامليه من السوريين..خاصة..نعرف نوعية شعبنا ونوعية مثقفيه..وسبب فشلنا هو هذه الأمراض التي ذكرت...سبب فشلنا هو أن كل واحد بيننا يتصور نفسه القائد الملهم والزعيم..ولا يسمح ولا يقبل لا بالمنافسة الشريفة ولا بالمنازعة المقوننة..لهذا يرتدي أكثر من قناع..ناهيك عن الشللية في هذا المجال..وحب البعض الاستزلام لهذا أو ذاك.دون غضاضة..أما شطارة العربي في كسب المزيد من الأعداء...فهذه قدرة نبز العالم بها..كما تعرف..مع هذا وبعد أن قلت ماعندك...أرجوك لاتطلق تعميمات...فمازالت صداقتنا بكل ماحملته منذ بدايتها من شفافية سيدة فوق رأس الجميع وأعتز بها...لايهمني من يظهر غير مايبطن..وأعرف حتى الأسماء..وأعرف الأصناف..لكن مايهمني هو أن أقول كلمتي بكل
صراحة..ودون حسابات..فلينفلق من أراد لنفسه أن ينفلق
مودتي واحترامي


3 - سلامات
فاضل الخطيب ( 2011 / 1 / 26 - 15:12 )
شكراً صديق غسان، تحياتي الطيبة بالسعادة والفرح


4 - الأمل باتساع التعامل الشفاف
فاضل الخطيب ( 2011 / 1 / 26 - 15:14 )
الصديقة العزيزة أم رشا: إنتِ بتعرفي مكانتك واحترامك الكبير عندي، وأوافقك أن التعميم غير صحيح، يمكن شعور مزعج كان السبب بهيك صيغة..
أحييك وأحيي صراحتك ومصداقيتك وشفافيتكِ، مع أمنياتي أن تكوني بخير مع كل محبيكِ..


5 - يا ريت تكتب لنا عن الغراميل المطاطه
ziad ziko ( 2011 / 1 / 28 - 02:04 )
يا ريت تكتب لنا عن الغراميل المطاطه

اخر الافلام

.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو


.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع




.. مخيّمات المهاجرين في تونس: صفاقس.. -كاليه- التونسية؟ • فرانس


.. متظاهرون إسرائيليون يطالبون نتنياهو بإتمام صفقة الأسرى مع حم




.. حماس توافق على مقترح الهدنة المصري القطري.. وقف إطـ ـلاق الن