الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والاستبداد والثورة

محمود يوسف بكير

2011 / 1 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قام الدكتور محمد الحداد وهو مفكر وأستاذ جامعي تونسي في عدة كتب له بتحليل فكر الإمام محمد عبده مفتي الديار المصرية والذي قاد محاولة محدودة للإصلاح الديني في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وللأسف فقد انتهت هذه المحاولة الإصلاحية إلى لا شئ تقريباَ حسبما أثبتت الدراسات العميقة التي قام بها د.الحداد ،ولعل السبب الرئيس الذي يعزى إليه هذا الإخفاق هو أن الإمام محمد عبده كان مقيداَ بأفكار ومعطيات دينية لم يتمكن من الفكاك منها ، فمثلا كان رأيه في مسألة وجوب فصل الدين عن الدولة كما حدث في أوربا لتجنب استخدام الدين من جانب الحكام كأداة للاستبداد والتسلط على الشعوب ،كان رأيه أن الدولة هي التي تصنع الاستبداد إذا تخلصت من الرقابة الأخلاقية للدين، وأن السلطان في الإسلام يعني وجوب تعيين حاكم وليس إقامة نظام حكم بعينه، وهذا كلام رائع ولكن الإمام تناقض مع نفسه عندما قال أن الفصل بين السلطتين المدنية والدينية من الناحية العملية غير مفيد لأن من مسئوليات الحاكم في بلاد المسلمين تنفيذ الشرع الإسلامي.

رأي الإمام ينطوي على حسن نية شديد تجاه الحكام المسلمين ورجال الدين معا فهو يفترض فيهم الاستقامة وعدم وجود أي طموح للاستمرار في الحكم إلى مالا نهاية واستغلال نفوذهم كحكام مدنيين ومسئولين عن تطبيق الشرع للتنكيل بأي شكل من أشكال المعارضة لنفوذهم ورغبتهم في الاستمرار في الحكم والسيطرة بدعوى التزامهم بتنفيذ الشرع من منظورهم الخاص وبدعم من عدد محدود من رجال الدين المعينين من قبل الحكام أنفسهم.

ولا أدري كيف لم يلحظ الإمام محمد عبده أن تاريخنا منذ عصر الخلافات ومروراَ بالدولة العثمانية وحتى التحرر من الاستعمار الأجنبي وامتلاكنا لزمام الأمور في بلادنا على الأقل من الناحية النظرية كل هذا التاريخ كان ولازال سلسلة طويلة من الاستبداد والتسلط لم ننعم فيها بأي شكل من أشكال الديمقراطية الحقيقية وكان هذا دائماَ بسبب التحالف الشيطاني والخلط بين كل من السلطة السياسة والسلطة الدينية.

فإذا ما تحدثت عن موطني مصر في عصر الديكتاتور مبارك الذي أكمل حكمه الثلاثين عاماَ نجده يسيطر بشكل مطلق على الأزهر ودار الإفتاء باعتبارهما رمزا السلطة الدينية في مصر ,وهذا مثال للدمج بين السياسة والدين كما طالب الإمام، فكانت النتيجة استبداداَ وخراباَ في كل ربوع مصر وبالتالي لم تتحقق المصلحة التي توخاها والقائلة بأن الربط بين السلطتين السياسية والدينية مفيد و أن الاستبداد يقع نتيجة تخلص الدولة من الرقابة الأخلاقية للدين دون أن يحدد الميكانيكية اللازمة لتحقيق هذه المعادلة المثالية التي أثبت التاريخ منذ أربعة عشر قرناَ عدم إمكانية تحققها. والسؤال ما الذي يمنع الدين أن يمارس هذه السلطة الرقابية الأخلاقية على الحكام ويساهم في تطور ورقي الشعوب الإسلامية التي تعاني من كل أشكال الاستبداد والفساد والفقر والتخلف في كل مناحي الحياة حتى أصبحت أضحوكة الشرق والغرب معاَ؟

لا أريد أن أحتكر الإجابة فهي ملك لكل القراء المحترمين ولكن في رأيي المتواضع أن المشكلة تكمن في استحالة لعب الدين أي دور إيجابي في تنمية الشعوب ورقيها طالما ظل رهينة للحاكم ومطية للوصول والبقاء في الحكم ليس إلا، ومن ثم سيبقى حلم الإمام محمد عبده بعيد المنال بعد أن أضحى الدين طرفاَ في لعبة ودهاليز السياسة و أداة للاستبداد.

إن آخر محاولات استغلال الدين لتكريس الاستبداد في مصر تمثلت في إصدار وزارة الأوقاف المصرية توجيهات لكل شيوخها الذين يؤمون المصلين في مساجد مصر بدعوة الناس من فوق المنابر لعدم الخروج عن طاعة الحاكم أو التظاهر ضده طالما أنه مسلم مع وجوب الالتزام بالصبر على مصائبهم حتى يأتي الفرج من عند الله وحده وذلك في محاولة بائسة لتوظيف الدين من أجل منع تصدير الثورة التونسية الشعبية العظيمة لمصر. وللأسف تشارك في هذا المشهد الهزيل الطوائف المسيحية الثلاث في مصر حيث دعت قياداتها كل المسيحيين إلى عدم المشاركة في مظاهرات يوم 25 يناير 2011 ضد استبداد و فساد نظام مبارك بدعوى أن المسيحية لا تقر مبدأ الخروج على الحاكم تحت أي ظرف! وهكذا تستمر مهزلة توظيف الدين لاستبداد واستعباد الشعوب. وبالرغم من هذا خرج الآلاف من المصريين الشرفاء مسلمين وأقباط في كل أنحاء مصر يتحدون هذا الهراء مطالبين بسقوط الطاغية وزبانيته و سقوط الاستبداد.

ولعلي أختم مقالي بطرح أسئلة بسيطة وهى كيف نفسر سكوت كل من شيخ الأزهر ومفتي مصر والبابا شنودة وكل الدعاة الدينيين مثل الأستاذ عمرو خالد وغيره عن كل ما يحدث في مصر من خراب واستبداد وفساد وامتهان للإنسان؟ كيف يمكن أن يتعايش أي دين أو إنسان يدعي التدين في انسجام وسلام مع هذه الأوضاع الشاذة دون أن يئن له ضمير أو يعتريه أي إحساس بالمسئولية نحو وطنه الذي تتقوض أركانه يوماَ بعد يوم أمام عينيه؟ كيف نام هؤلاء ليلة 25 يناير بعد أن شاهدوا شباب وبنات مصر وهم يسحلون يضربون بوحشية بواسطة قوات الأمن لمجرد أنهم خرجوا في مظاهرات سلمية تطالب بسقوط الاستبداد والفساد و الحصول على فرصة عمل وحياة كريمة؟ أخيرا هل يمكن أن يذل الحرص وتوخي السلامة أعناق الرجال إلى هذا الحد؟ نتمنى أن نسمع الإجابة من أي من هؤلاء قبل أن يصيبنا الجنون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah