الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتفاضة الشعب المصري وسؤال -مصير النظام-

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 1 / 30
المجتمع المدني


لم تكن انتفاضة الشعب المصري التي بدأت بتاريخ 25/1/2011م تحت عنوان التغيير والمطالبة بإسقاط الرئيس حسني مبارك وإجراء إصلاحات دستورية وإلغاء قانون الطوارئ ، هي الانتفاضة الأولى للشعب المصري خلال نصف قرن على الأقل، فقد سبقها عدة انتفاضات شعبية منذ عام 1967 اثر النكسة ... لكنها الأولى في عهد النظام الحالي منذ عام 1981م، واعتقد أنها أهم ثورة شعبية في تاريخ مصر الحديث منذ ثورة 1919م.
وربما تسارعت الإحداث في مصر أسرع بكثير مما توقع الجميع بما فيهم النظام المصري، بل وحتى تجاوزت الأحداث في تأثيرها وقيمتها ما جرى في تونس، لان الشعب المصري نجح في إحراج النظام في مدة أربعة أيام فقط فيما الشعب التونسي نجح في ذلك بعد شهر كامل !!
ما يجمع بين مصر وتونس ليس فقط قواسم مشتركة في طبيعة النظام المستبد والدكتاتوري والسيطرة على مقاليد الحكم لأكثر من عقدين من الزمان وكبت الحريات وإعلان الطوارئ منذ ثلاثة عقود أو تشابه أشكال القمع وانتهاك حقوق الإنسان وتجيير ثروات البلاد لصالح النظام وأسرته ! بل إن الشعبين في كل من تونس ومصر انتفضا ضد زعيمين وصلا أخر محطات العمر، فأين كانت تلك الشعوب عن استبداد زعمائها قبل عشر أو عشرين عاما؟ ولماذا بلغت الأمور ذروتها بعد أن فقد الزعيمين كل مبررات البقاء في السلطة وربما الحياة أيضا!!
فالرئيس السابق زين العابدين بن علي خلع عن الحكم وعمره 75 عاما، ونظيره المصري حسني مبارك عمره اليوم 85 عاما !! ما يعني كلاهما لم يعد أمامه الكثير ليستمر في الرئاسة، والانتفاضتين جاءتا في الوقت الضائع أو في الرمق الأخير للنظام !!
عموما .. أخيرا سقط جدار الخوف لدى الشعب المصري، الخوف من قانون الطوارئ المفروض منذ أكثر من ثلاثين عاما، والخوف من ضياع لقمة العيش التي لا توجد أصلا للطبقات الفقيرة والوسطى والمعدومة !!.
فخرج المصريون إلى الشوارع بعشرات الألوف ليطالبوا الرئيس مبارك بالرحيل ويمزقوا صوره التي تملأ جميع شوارع وميادين مصر الكبرى. خاصة بعد أسفرت انتخابات نوفمبر الماضي التشريعية عن فوز كاسح للحزب الوطني الديمقراطي، حزب الرئيس، في انتخابات قاطعتها معظم أطياف المعارضة ودانتها منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية.
وسبب تزوير الانتخابات التشريعية كل مرة هو ولأن الرئيس لا يستطيع نقل السلطة إلى نجله إلا عبر البرلمان!!
وبعد خمسة أيام من الانتفاضة الشعبية المصرية، وبعد يومين من الأحداث الدموية والدراماتيكية التي خلفت حتى الآن أكثر من (120) قتيل وأكثر من (1500) جريح، غاب النظام وحكومته عن مجرى الأحداث، وبعد تلك المجريات يخرج الرئيس مبارك ليعلن عن إقالة الحكومة والدعوة لأخرى .
ويبدو أن الرئيس مبارك ومستشاريه لم يفهموا الرسائل الشعبية جيدا، فالشعب يطالب برحيل النظام، والأخير يقوم بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة احمد شفيق، وكأن القضية الأساسية هي الحكومة التي يغيرها الرئيس مبارك كما يغير ملابسه كل يوم!!
فالشعب المصري ثار على الظلم والقهر والجوع والفقر والفساد والبطالة ، وعلى كل رموز النظام التي حولت البلاد خلال ثلاثين عاما إلى ثكنة عسكرية للجماعات المعارضة، ومزرعة يتوارثها أبناء الرئيس وأقاربه ومعارفه ومنافقيه، فأصبحت مصر في عهده ولاية أمريكية تخضع لاملاءات الولايات المتحدة وإسرائيل دون ادني مقاومة، بل وكان سببا في فتنة عربية حينما سهّل عملية احتلال العراق ومحاصرة وقتل الشعب الفلسطيني عن سبق إصرار وترصد!!
الرئيس مبارك ومن حوله، لم يفهموا بعد معنى ثورة جيل "الفيسبوك" واعتقدوا وهما أن شعبه مستكين يرضى دوما بما يقدم له، وأن فئة قليلة مندسة تحاول قلب نظام الحكم!! لكن واقع الحال يؤكد أن الشعب انتفض كالمارد من شدة الظلم والقهر، وان شباب الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وقوى المجتمع المدني نظمت انتفاضاتها بشكل عفوي ولم تعتمد على الأحزاب التي تتاجر بقضايا الشعب منذ قرن كامل، فالشعب المصري –كغيره من الشعوب العربية- كان ضحية نظام دكتاتوري صنع قهره وظلمه وآلامه ... وأحزاب تتاجر بآلامه وقهره وظلمه، وحينما انتفض الشعب غير كل معادلات الواقع وأكد للنظام المصري الذي استحال أن يثور الشعب ضده، أن الشعب حيا لا يموت وان القدر لا بد يوما أن يستجيب، وها هو القدر في طريقه لان يستجيب لإرادة الشعب المصري، كما استجاب قبل شهر لإرادة الشعب التونسي.
ويعيش النظام المصري اليوم لحظات عسيرة ابرز سماتها التخبط وسوء تقدير الموقف وسوء اتخاذ القرار الصائبة، وانقلاب المواقف المؤيد له من الغرب بصورة غير متوقعة، متناسيا الرئيس مبارك أن الغرب والولايات المتحدة تخلت عن ورقة بن علي بعد أن ثار الشعب، لان من يتغطى بحماية الغرب هو بالحقيقة "بردان" فالغرب يبحث عمن يلبي مصالحه ويحميها في المنطقة، وسقوط النظام أمام الشعب والعالم يعني نهاية دوره أمريكيا وإسرائيليا!!
وتتوالي مفارقات النظام المصري، فبعد أقل من يوم على خطاب الرئيس مبارك يظهر اللواء عمر سليمان على شاشات التلفزة ليؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس مبارك كنائب له! وهو حدث تاريخي يجري لأول مرة منذ تولي الرئيس مبارك الحكم عام 1981م، والأغرب الإعلان عن تعيين نائب ثاني في صورة مثيرة للاهتمام على كافة الأصعدة! فالرئيس الذي لم يكن له نائبا طوال حكمه يعلن فجأة عن تولية نائبين!!
وهي مفارقة عجيبة ستتبدد إذا ما فهمنا أن هذه التطورات المفاجئة جاءت وفق أراء وربما ضغوط دولية للحفاظ على هيكلية النظام الحليف للغرب بعد رحيل الرئيس مبارك، فتعيين نائبين للرئيس ، وخاصة عمر سليمان المعروف بعلاقاته الإسرائيلية والغربية ، يعني أمرين :
الأول : احتمال رحيل الرئيس مبارك قريبا ، وهو بذلك يطمئن الشعب انه لن يعود للحياة السياسية أو يعين ابنه نائبا له أو يورثه الحكم، ويبدو أن هذا حصيلة الاتصالات الأمريكية والإسرائيلية والغربية مع النظام مقابل الحفاظ على حياة مبارك وأسرته وأبنائه، سيما وان الأخبار المتواترة تشير إلى هروب جمال وعلاء مبارك وأسرتيهما إلى لندن بتاريخ 28/1/2011م .
الثاني : أن الغرب يرغب بتهدئة الشارع المصري وحالة الغضب تجاه الرئيس مبارك وعودة الأمن للبلاد بعد رحيل الرئيس مبارك، وفي نفس الوقت يضمن مجيء شخص موالي للغرب وللمصالح الإسرائيلية في المنطقة، ويكون عقبة أمام إي انتخابات رئاسية حقيقية تفسح المجال أمام قوى المعارضة لتولي السلطة ، خاصة الإخوان المسلمين !!
مع الإشارة إلى أن الرئيس المصري يتدرج في سقف التنازلات وقفا لتطور الموقف في الساحة المحلية، فبعد أن أدرك أن إقالة الحكومة لم تجدي نفعا مع المظاهرات الشعبية التي ازدادت نقمة بعد خطاب الرئيس، اضطر للمرة الأولى للإعلان عن تعيين نائب -بل نائبين- له، ومن ثم يعلن تعيين رئيس حكومة جديدة، وسيستمر مسلسل التنازل تبعا للتطورات، وربما يخرج غدا الرئيس ليلعن حل البرلمان الذي يسيطر عليه حزب النظام الوطني. وبالتالي فان سقف التوقعات والتنازلات التي يقدمها النظام ستتولى حسب مجريات الانتفاضة الشعبية وضغوطات الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية .
ما سبق يعني أن رحيل الرئيس مبارك وأسرته وبعض رموز نظامه ربما يكون قريبا، والقرب هنا ليست زمنية، فلا نتوقع أن ينهار النظام بعد يومين أو أسبوعين، فربما يستمر بالمقاومة وتحمل كل أشكال النقد لشهر وشهرين دون أن يحرك ساكنا، بيد أن معنى القرب هنا تعني أن النظام في طريقه للرحيل في نهاية الأمر بعد هذه الأحداث، لان ما قبل ثورة الغضب ليس ما قبلها أبدا .
لكن ذلك سيكون له كلفة أمنية واجتماعية عالية يدفع ثمنها الشعب المصري، وبعدها ستبدأ مصر عهدا جديدا ولكن بقناع دكتاتوري أخر يمثله اللواء عمر سيلمان مدير المخابرات المصرية في حال تسلم دفة الحكم عمليا ولو بشكل مؤقت، واللواء سليمان قام بدور سياسي هام منذ عدة سنوات بوصفه مسؤول عن جميع ملفات السياسة الخارجية الحساسة ومن بينها على وجه الخصوص النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
لكن فرص استلام اللواء عمر سليمان للسلطة ضئيلة، ذلك أن سليمان قد تجاوز السبعين من عمره ولم ينخرط طوال حياته بالشأن السياسي الداخلي ولا يحظى بشعبية جماهيرية، ما يرشح سيناريو أن سليمان جاء لوظيفة محددة مؤقتة وهي تخفيف الغضب الجماهيري ضد الرئيس مبارك وتخفيف حدة الانتقادات الخارجية، تمهيدا لتولي ابن الرئيس جمال مبارك السلطة لاحقا أو شخصية أخرى مفاجئة للشعب ومقبولة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، بعد إجراء انتخابات رئاسية جديدة هذا العام .
ما سبق يدفعنا لإثارة سؤال جدلي هام: هل يرضى الشعب المصري برحيل الرئيس مبارك وبقاء النظام بهياكله العنكبوتية وبقاء الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم؟! أم أن الرحيل يجب أن يشمل الاثنان: الرئيس والنظام؟ خاصة وان سقف مطالب المظاهرات الشعبية اليوم هو رحيل النظام بأسره وليس استقالة الحكومة أو إجراء إصلاحات دستورية وسياسية شكلية .
وهل التغييرات الحالية التي أجراها الرئيس مبارك هي تغيرات الربع ساعة الأخيرة في عمر النظام برمته، خاصة بعد فوات الأوان وسوء اختيار الوقت السياسي المناسب للتغيير؟
والسؤال الآخر: هل تخلت الولايات المتحدة وحلفاء النظام المصري عن الرئيس مبارك وزمرته ودفعته للإعلان عن نائب له تمهيدا لترك السلطة والرحيل وتسليم المهمة لشخصية أمنية – سياسية مقبولة لدى واشنطن وتل أبيب؟
أم أن الأمر مجرد "لعبة سياسية" جديد لتهيئة المسرح المصري الداخلي لتطورات مفاجئة يعلن عنها النظام بمجرد هدوء المظاهرات الشعبية؟
وهل هذا يعني أن الرئيس مبارك سيضطر للحج مبكرا هذا العام ليلتحق بنظيره التونسي بن علي ؟؟
على أية حال، فليس من السهل أن نتوقع رحيل الرئيس مبارك والتخلي عن السلطة بهذه البساطة، حتى لو عيّن نائبين له وهرب نجليه خارج البلاد، وشكل حكومة جديدة، فثمة خيوط وأوراق سياسية عديدة ما زالت أمام النظام والرئيس مبارك قبل إعلان الاستقالة واعتزال الحياة السياسية.
لننتظر ونرى تطور مجريات الأحداث السريعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل فقدت الشاهمة العربية؟
هاني الحديد ( 2011 / 1 / 30 - 15:11 )
ليست المفاجئة بالثورة الشعبية بل المفاجئة بثورة البلطجية ..؟ وهل اكثر منها مفاجئة ؟ عندما يستعين من يصف نفسه بحامي الحمى وحامي الشعب والوطن بالبطيجة واللصوص ويكون زعيمهم بالسر والان بالعلن ماذا سيقول للأمم ؟؟
الشعب الذي يحتمي بالقيادة كيف له ان يصدق ان اؤلائك الذين يدعون بأنهم حماة الوطن والشعب هم من ييسرقون بيوتهم وينهبون امواهم ويدبون الرعب بين اطفالهم ونسائهم هذا آخر ما كنا نتوقعه من القيادات اين الإنسانية اين الوطنية .. ؟ حتى وان وصل الامر لأنفاضة الشعب ,فهل يصل الأمر لتوجيه رجال الشرطة السرية لنهب وسلب الوطن والمواطن ..؟ اليسوا هم من انتخبوكم اليسوا هم من هتفوا لكم..؟؟؟
المواطن العربي الشريف لا يصبر على الظلم وان طال الزمن لأن الشهامة العربية لن تندثر ..؟

اخر الافلام

.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل


.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل




.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق


.. -غوغل مابس- قد يكون خطرا عليك.. الأمم المتحدة تحذر: عطل إعدا




.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي