الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل رأى الوقت خرافاً مثلنا؟!

سامي جاسم آل خليفة

2011 / 2 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ترددت كثيرا في الكتابة حول الأحداث التي جرت وتجري في تونس ومصر إيمانا مني أنها تتطلب الوقوف على مجرياتها وردود الأفعال تجاهها ومتابعة سيرها وتأثيرها على الآخرين وهذا من شأنه الخروج بتقييم موضوعي لتلك الأحداث بعيدا عن التصفيق والتهليل والانحياز لهذا أو ذاك.

إن لحظة التغيير التي شهدتها تونس الخضراء لا يعني بشكل أو آخر أن أصفق بجنون وهستيريا وألغي عقلي كما فعل كثير من أصحاب الأقلام كما أن هذه اللحظة لا ترقى إلى نعتها بالثورة التونسية بقدر ما يمكن وصفها بأنها صحوة نائم اصطدم بواقعه بعد سبات دام طويلا ولم يجد بو عزيزي -كأول من نهض من فراشه في سوق الخضار- إلا أن يحرق نفسه لعل السلطة ترأف به وظني أنه لم يكن يتمنى أكثر من ذلك غير أن الحظ والسعد وقف بجانبه بعد أن خلد للراحة الأبدية ووجد نفسه بطلا تونسيا ورمزا للقومية العربية الثائرة فتخلي بن علي عن السلطة لم يكن إلا قراءة خاطئة لما يحدث في الشارع التونسي وكان بإمكانه أن يستمر في السلطة ويجهض أي تحرك لجنين الشعب فالجيش معه لا ضده على غرار باقي الحكومات وسيجد من يصفق له ويعاونه من الأجهزة الأمنية والسلطة والشعب تماما كما يحدث الآن في مصر واليمن لكنه رأى أقرب الطرق للخلاص وتفهم ماذا يريد الشارع فاختار الرحيل على إراقة الدماء وتدمير المؤسسات المدنية وجلب القوى الخارجية كما فعل الطاغية صدام حسين وهو بهذا يستحق الثناء وإن كان ظاهر هذا الخلاص حرصه على نفسه وعائلته.

أعلم أني بهذا الرأي أجلب لنفسي الجعجعة من فئة القطيع غير أنني رأيت أن أشخص الأمور كما أجدها في أرض الواقع وأبتعد عن رقص الشارع وهز الأوساط السياسية فأنا شخصيا لا أعول كثيراً على تحركات الشارع العربي تجاه حكوماتهم - على الرغم من إيماني بأحقية التغيير وتقرير المصير – ما دامت تلك التحركات ترفع شعار الخبز فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وسرعان ما يُكسر رغيف الخبز ويتناثر على أقرب مائدة طعام لحاكم جديد يجدد عهد من سبقه ويسير على خطاه.

وعلى هذا فإني أخالف من يقول إن صحوة الشعب التونسي ثورة كرامة ويعلل ذلك بأن الجائع لا يثور لكني أؤكد مقابل ذلك أن القطيع التونسي قطيع يمالق الحكام ويقف مع الطواغيت شأنه في ذلك شأن باقي القطعان العربية التي بكت وما تزال المقبور صدام حسين وتتمنى عودة حزب البعث وها هي اليوم تصفق للتغيير في تونس وتشجع ثورة الفول المصري وهي نفسها قبل سنوات هاجمت النهضة العراقية ووصفتها بحكم الروافض الشيعة ضد أهل السنة بل وقفت تلك القطعان مع حكوماتهم ضد العراق الجديد وأرسلت المسوخ الشيطانية المفخخة لقتل أهلنا العراقيين في المساجد والحسينيات والكنائس ولم نجد من هذه القطعان المتملقة التي تجوب الشوارع وتطالب بالتغيير غير النعوت اللغوية لديكتاتور فاق في سطوته زين العابدين بن علي فخرجوا منددين بتلك الثورة ووسموا طاغية العراق بالمجاهد والشهيد والبطل لا لشيء غير الانتصار للطائفية والمذهبية ولم يكترثوا للدماء التي أريقت على يديه والأبرياء الذين دفنوا وهم أحياء طيلة حكم البعث في العراق ثم لم يكتفوا بذلك بل شوهوا تلك النهضة بأنها من صنع الأمريكيين متناسين التضحيات التي قدمها الشعب العراقي لنيل حريته وكرامته التي مسها حزب صدام وأعوانه إضافة إلى الإعلام الأسود الذي تجاهل تلك الدماء الشريفة وأهمل توثيقها لأكثر من ثلاثين سنة وهو اليوم يتسابق بمختلف فئاته لنقل أحداث الطعمية والفول المصري ويسلي نفسه بحشود القات اليمني.

إن ما قام به التونسيون وما يقوم به المصريون واليمنيون الآن لا يزن مقدار حبة شعير أمام تضحيات العراقيين ومواجهتهم لحكم البعث ومع هذا كله لم يجدوا إلا التهميش والإقصاء والتغافل من قطيع الخراف العربية وتقديس الذئب وأعوانه حتى بعد موته وعليهم أن يقفوا مجتمعين في قطيع واحد ضد التمدد الصفوي القادم للعراق لحماية البوابة العربية.

أتحير من حال هؤلاء المتظاهرين الذين خرجوا على ولي أمرهم يطالبون بخلعه وهم من تعلم ومازالوا يتعلمون في مدارسهم ومساجدهم أن ((من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) وتزيد حيرتي حينما أسمع أحد الملتحين في شارع الحبيب بورقيبة وآخر في شارع البستان يندد بسطوة ولي أمره ويتناسى ما تعلمه من شيوخ السلاطين حينما سألهم وأجابوه (( تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)) إن موروث القوم يوجب السمع والطاعة لولي الأمر وعليه فإن الدهشة تأسرني حينما أجد فلول القطيع تملأ الشوارع تطالب ولي أمرها بإصلاحات سياسية وبتحسين الوضع الاقتصادي وأنا أطالبهم بما ألزموا به أنفسهم وتعلموه في المدارس تجاه ولي أمرهم ((اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم)) ولهذا فإن صحوة الشعب التونسي والمصري وإن رأى بعضنا نجاحها سيعقبها سبات طويل وغفلة متكررة قبل أن تصحو مرة أخرى على حاكم جديد لأن المشكلة تكمن في أننا قطيع نرجع إلى المرعى وننسى أن الذئب أكل منا خرافا كثيرة و وجوباً علينا أن ننام ونغفل عن حكامنا فتراثنا الذي تعلمناه في مدارسنا ومساجدنا يقول القاتل والمقتول في النار فالحاكم يهم بقتلنا ونحن نهم بقتله وستظل المعادلة وفق ذلك مستحيلة الحل حتى نصفي كثيراً من تراثنا ونغلق قنوات الظلام والقطيعة ونقص لحى التكفير والبغض ونساهم في إحلال السلم واحترام الإنسان فالحرية والديمقراطية للمسيحي كما هي للمسلم وللشيعي كما هي للسني لا أن تعطى فئة وتحرم أخرى كما هو حال دولنا العربية.

باعتقادي أن معظم الشعوب العربية تعيش سياسة طفولية تغلب عليها الفوضى وعدم الانضباط وهي بهذا نسخ مكررة من بعضها لأن الحكومات واحدة يمارس عليها القهر والتسلط وتراه قمة النعيم مادام الخبز سيد المائدة وبالتالي فهي شعوب مسيسة تُحكم بالعصا وتدار بالفتوى وهي في قسم كبير منها أشبه بقطيع الخراف تنعم بالأكل والشرب وتلتذ بالشهوة والجنس وتأخذ من الملتحين هداها وبهذه النتيجة أطالب تلك الشعوب أن تثور على فكرها أولا قبل أن تثور على حكامها فليست المشكلة في الحاكم بل مشكلتنا في الموروث الذي جعل السلطان ظل الله في أرضه وجعل الحاكم إمام زمانه تلزم بيعته و أوجب طاعة ولي الأمر وإن كان فاسقا مادام ولي الأمر يرفع شعار الإسلام ويغذي الجائع واللهفان ويقاضي بأحكام شريح ويقتل بسيف الحجاج في نهج ديني متوارث صاغر عن كابر استلهمنا من خلاله الاستسلام والخنوع منذ أول استبداد للسلطة في التأريخ الإسلامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أمة غبية و غيبية
جيفري عبدو ( 2011 / 2 / 6 - 19:18 )
ليست المشكلة في الحاكم بل مشكلتنا في الموروث الذي جعل السلطان ظل الله في أرضه وجعل الحاكم إمام زمانه تلزم بيعته و أوجب طاعة ولي الأمر وإن كان فاسقا مادام ولي الأمر يرفع شعار الإسلام ويغذي الجائع واللهفان ويقاضي بأحكام شريح ويقتل بسيف الحجاج في نهج ديني متوارث صاغر عن كابر استلهمنا من خلاله الاستسلام والخنوع منذ أول استبداد للسلطة في التأريخ الإسلامي
صدقت يا أخا العرب نحن لا زلنا نعيش بعقلية القرن السابع الميلادي في القرن الواحد و العشرين نحن المسلمين أمةغبية و غيبية


2 - كل المبادي تنتحر عندما تجوع البطون
سرسبيندار السندي ( 2011 / 2 / 6 - 22:21 )
بداية تحياتي لك يا عزيزي سامي جاسم أل خليفة !؟
أولا : دعني أشكرك على اللوحة الجميلة والصادقة التي رسمها قلمك ... وكإبن للعراق أستطيع أن أقول إن سبب علتنا هو ( أن كل المبادي تنتحر عندما تجون البطون ) وهذا متأتي ليس من صدق العاطفة بل من سذاجتها وضحالتها في نفوسنا ... والتي تشبه موج البحر الذي لاينطح إلا الصخر والحجر !؟
ثانيا : كما أن الكثير منا لا يعشق من البحر إلا صخبه وتلاطم أمواجه وتمايل سفنه وقواربه ... ومثل هؤلاء بالحقيقة لا ينعشون إلا ذات مريضة يستحيل شفائها ولهذا تراهم يبكون بالحقيقة لايبكون على سادتهم وقادتهم بقدر ما يبكون على أنفسهم ... وهنا يصدق قول السيد المسيح للواتي كن ينحن عليه ( يا بنات أوراشليم لاتبكين على بل أبكين على أنفسكن ) ولهذا تراهم لا يبحثون عن الحرية لعقولهم ونفوسهم بقدر ما تراهم يبحثون عن رغيف الخبز لبطونهم ... ولازالو لم يتعضو من قول السيد المسيح ( ليس بالخبز وحده يحيا ألإنسان ... ) سلام


3 - ثورة الفول!!؟
حسنى عرفى ( 2011 / 2 / 7 - 12:32 )
لا اعرف لماذاأختزلت الشعب المصرى ولم تجد له علامه او اشاره او تاريخ
الا الفول والطعميه وثورة الشباب بثورة الفول!!؟ألانك فقط من ال خليفه تسمح لنفسك بأهانة الشعوب؟ألانك تعيش فى قصر وتنعم بريع النفط الذى طلع تحت مؤخراتكم فجأه وفى غفله حتى من الخالق تنعت الشعوب؟
اعرف قدرك جيدا ايها البدوى ولا تتطاول على اسيادك...


4 - رد الكاتب
سامي جاسم آل خليفة ( 2011 / 2 / 8 - 23:06 )

أشكر الأخ جيفري والأخ السندي والأخ حسني والشكر موصول لكل من قرأ المقال
الأخ حسني أؤكد لك يا أخي أني لا أسكن القصور ولست من العائلة الحاكمة كما تظن لكنها تداخل ألقاب لا أكثر بل أفيدك أني ساكن بشقة بسيطة جدا تسترني وأملك القناعة إضافة أنني لست بدويا مع احترامي للجميع وأعرف قدري جيدا يا أخي الفاضل وكن على ثقة أن كل من يملك فكرا لامانع عندي أن يكون سيدا أو أن تكونوا أسيادا شريطة أن يكون الفكر راقيا ويصب في مصلحة الإنسانية بأجمعها
أما بخصوص أني لا أحترم ما تسمونه ثورة فاتهامك لي من باب التسرع فالمقال كغيره من المقالات الأخرى لو كنت متابعا لما أكتبه تنقد الفكر لأني أراه أساس ما نحن فيه من بلاء ومشاكل وأحقاد وقتل وطالبت أن يثور الناس على الموروث والفكر الذي يتدارسونه وينقلونه من جيل إلى آخر حتى ينعموا بالخلاص والسلام أما استخدام الفول والطعمية في المقال إنما هو رمز لهشاشة التفكير عند القوم وكان حريا بهم أن يثوروا على أفكارهم المسمومة
تحياااتي للجميع


5 - عزيزي
فهد الرشيدي ( 2011 / 3 / 2 - 11:55 )
الأخ سامي آل خليفة .. المحترم
من دون أي ديباجة أُحبُ أن أقول لك:
بأنك كثيراً ما تختزل الوقائع والأحداث النمُعاشة في بوتقة الطائفية المقيتة ! ولا أعلم إن كُنتَ متأثراً بواقعك المؤلم جراء ما تتعرضون له كطائفة إسلامية -كريمة طبعاً- من حُكوماتكم وحُكامكم من تمييز ظهر فاضِحُه مؤخراً ، أم أن القدر منحكم إياه بعد طول معاناة مع تلك الدكتاتوريات ( فلا بُد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر ) ؛ فقط وفقط أود أن أهمُس في إذنك اليمنى لأقول لك: بأننا نشهد عصور تلاشي الطائفية ونعيش قيام عصور الإنسانية بتجرّد . :)
دمت ودام قلمك .

اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا