الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دع ملايين الزهور تتفتح .. ولكن

صادق البصري

2011 / 2 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا كان الخوف مرضا تسعى قوى الظلام والدكتاتورية لانتشاره بين طبقات المجتمع تسليما لوصايتها عليه ،فأن الشجاعة أيضا معدية ،فرجل شجاع واحد يستطيع أن يطرد الخوف من قلوب الملايين ،ولكن هذا الشجاع قد تعلق صورته في الساحات وفي الميادين وعلى شاشات الفضائيات ،وقد تعلق جثته أو يقتل غيلة وترمى جثته في مكب للنفايات ومطاردة باقي أهله ،لأنه تطاول وابتدع أمرا خالف فيه مسلمات الأمة ، ومسلمات الأمة عندنا هي عبارة عن الخنوع بشتى صوره ، والصبر (صبران صبر عن ما تحب وصبر عما تكره) حتى الممات، والسكوت كأنك اخرس والانتظار، والقبول بكل إشكال القمع والرضوخ لسلطة الدكتاتوراو رجل الدين بوصفه امتداد للسلطة الإلهية مسنودا بقوالب ومقولات أكل الدهر عليها وبال ، ومن تلك الأقوال التي مازالت تردد على السن رجال الدين في صلاة الجمعة كخطب تبدأ ب عباد الله اسمعوا وعو(حاكم ظلوم ولا فتنة تدوم )(كما تكونوا يولى عليكم)(الظالم سيفي انتقم به وانتقم منه)(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)..الخ وهكذا تجد أنهم يستخدمون السجع والطباق والجناس في اللغة للسهولة في حفظ القالب وترسيخه في أذهان الأجيال جيل بعد جيل،والحقيقة هي أن حتى الحكام الدكتاتوريين في منطقتنا كانوا ومازالوا يستمدون سلطتهم من رجل الدين والمؤسسة الدينية ،تلك التي تزين للدكتاتور إعماله وتضفي على أفعاله الشرعيةالالهية ، وتأمر الناس بإطاعته بوصفه من أولي الأمر في كل الأحوال..

إن الثورة في مفهومها الحي تجسيد بارع للنضال وتتويج له في حد الذروة ،ولكن العقل لايستطيع ضمان انتصاره سياسيا إلا عن طريق اختيار النظام السياسي المعبر الحقيقي عن تطلعات الناس تعبيرا كاملا ،وهذا الاختيار لايمكن دفعه بواسطة التمني أو الحدس والجلوس جلوس المتفرج الخدر،وترك من يستغل تضحيات الشعوب وأمتطاء الموجة على ظهور الثائرين ،واستنساخ تجارب سابقة عقيمة ظاهرها مطالب حقوق الشعب وباطنها التأسيس لدولة الخلافة أو دولة الكهنوت والإمامة ، ومثال تلك (الدول اوالخلافات) تكون عادة معمرة أبدية ولا تزعزعها ثورات العالم ، لأنها ببساطة حاكميات الله على أرضه والثورة عليها من وجهة نظر السلطة الدينية مروق وزندقة وهرطقة وجحود والحاد وخروج عن الملة ، بحجة إن الشعب عاد إلى دينه وعقيدته ، وارتضى بالشريعة حكما ، والديمقراطية حسب تعريفهم لها هي حكم الأغلبية العددية للمذاهب والطوائف وأهم هدف تسعى له تلك الأغلبية هو تطبيق الشريعة!؟ ..
إذن نحن السلطة المفوضة بلسان الشعب وسوانا ممن يخالفنا خونة وعملاء للأجنبي غايتهم تدمير مقدسات الشعب ، ومثل هذا السيناريو تكرر في قمع الثورة الخضراء في إيران أبان تزوير انتخاباتها الأخيرة هناك ، ويتكرر في العراق أيضا والمطية للأسف الديمقراطية .

لنعترف أن الأحزاب قد فشلت في التعبير عن مصالح الطبقات الفقيرة في دول ماثلة أمامنا منها على سبيل المثال مصر ، العراق حيث أضحت تلك الأحزاب واجهات لدكاكين بضاعتها منتهية الصلاحية ولا تصلح ومفاهيم الجيل الجديد ، جيل عصر التكنولوجيا والثورة المعلوماتية ، وما تبق من تلك البضاعة ليس سوى أسماء لشخصيات مهنتها محاباة السلطة ، أي سلطة كانت والفوز بفتات المكاسب لأزلامها ،فإذا كان الأمر كذلك فلابد من وجود طاقات تنويرية تستطيع التعبير عن مصالح المضطهدون ،ولاشك إن تلك التجربة على مدى التاريخ أصبحت ظاهرة لها تأثيرها الواسع في عالم القرن الحادي والعشرين عصر الثورة المعلوماتية الهائل ،لابد من الاعتراف بتلك الطاقات والأخذ بيدها والتحالف معها ومناصرتها ،أي إن التحالف قد يصل إلى تبني فكر جديد تحتاجه المرحلة ،وركن الأفكار القديمة الغير مجدية أصلا مع جيل لقن كره كل ماهو حزبي من أفكار وأيدلوجيا واتجه بعضه بكل حواسه للميثيولوجيا مُستغلا من أحزاب الدين السياسي، والبعض الأخر يتسول مفاهيم التنوير ليتبناها دون أن يكون حزبيا ،كل ذلك يعني إن باستطاعة قوى سياسية علمانية تبني المفهوم الثوري التنويري وتسعى إلى بلورته على ارض الواقع بوصفه الملاذ المعبر عن تطلعات من ستتسبب أو سببت المثيولوجيا وأحزابها باضطهاده والتضييق على حرياته وسلب حقوقه ، تبعا لقوانينها وأساليبها القمعية ..

ومن ذلك نستنتج إن ما لحق باليسار من نكسات ماهو إلا واقع أملته المرحلة وحري به أن يعترف للمراجعة والدرس ، فما لم يتخذ اليسار مسارات جديدة للنضال ضد الرجعية الجديدة المتمثلة بأحزاب الدين السياسي والعشائرية والبرجوازية الناهضة وطفيلياتها ،سيبقى هذا اليسار عبارة عن حكايات قديمة في أرشيف ذاكرة الأجداد لاوقت للأجيال سماعها .

الأحزاب كيانات قد تتعرض إلى أمراض عديدة تعطل مسيرتها عن تأدية مهامها وأهدافها ، وهذا أمر جد وارد والتجارب التاريخية والحديثة ماثلة أمامنا لاحزاب عانت الأمراض وماتت وأخرى تحتضر وأخرى مرضت وشفيت ، وان تكون قيادة حزب معين مصابة بمرض فأن خط سير الحزب يتعرض إلى تقاطع والتواءات واضطراب ، فهل يعني ذلك أن الحزب إذا مرض أو أن قيادته مريضة يستوجب توقف الحياة أو تعطل عجلة الزمن !؟ بالتأكيد لا لان التاريخ لايحتوي غير الحركة المتصلة أي انه لايعرف الوقفات ، ولهذا لابد من أن تختار الطبقات المضطهدة أداة سياسية تنويرية متعافية ، ولابد أن تولد طلائع سياسية تتكفل المسؤولية وتتشكل في ضوءها تنظيمات تسترشد بالأيدلوجية العلمية ، وعلى أساسها تنطلق نحو تحقيق أهدافها ،إن الأحزاب العلمانية التي استلمت السلطة في أماكن عديدة من العالم إنما وصلت إلى وضعها هذا بما بذلته من مجهود هائل ومعارك طبقية صارمة وبتعميق النضال المرير ، وبالالتحام مع الجماهير في طريق الثورة ، وهذا هو الطريق الأوحد الذي يجب أن تقتدي به بقية أحزاب اليسار ،لا بالتباهي وراء الشعارات والمصطلحات والانعزال والتقوقع ، بل بدراسة الواقع ومتطلبات التغيير وبالتالي فان حاجة الناس الملحة للثورة هي التي تمحضه ثقتها فيما إذا قدم للتغيير أفكار جديدة ومفيدة ..

وان شعار الخالد ماو- دع مائة زهرة تتفتح - يجب أن لايقف في حدود الأدب والفنون ، وإنما يكون شعار الشباب في ثوراتهم ، ولكي تتعدد أدوات تنويرية أخرى للثورة تخوض مباريات التغيير من اجل تحقيق مطالب الشعوب الحقيقية والتي من اجلها ثارت وقدمت التضحيات على مذبحها ، ولكن ليس أية شعارات خيالية أخرى تكرس النكوص وتفتح الباب من جديد للعبودية والدكتاتورية ببرقع جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال