الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف بين الشرق والغرب

دياري صالح مجيد

2011 / 2 / 8
التربية والتعليم والبحث العلمي


لم اشا يوما في ان اكون من بين اولئك الذين ينظرون الى الحياة نظرة مادية مطلقة بقدر ما كنت من اولئك الحالمين دوما على ضفاف الرومانسية وانهارها الخالدة الجريان . لم اشا يوما في ان اعيش مع ذاتي كل هذا الصراع لابوح به على الورق , لانني كنت اريد له ان يبقى صراعا في الفكر يعترك في الروح ويعصر ايامي وما تبقى فيها من امل بقادم افضل وبحلم كاذب لا ياتي لانه مستحيل يصعب بلوغه مما وصلت بنا الاماني وسارت بنا الاقدار .

بالامس كنت اظن بان حصول المرء على شهادة عليا مثل الدكتوراه ستضعه في مكانة مرموقة يستحقها في عالم البشر !!! , وبالامس القريب ظننت بان من ينشر كتابا من احدى اهم مراكز الابحاث في العالم العربي , سيحظى بمكانة لائقة في عالم المفكرين والمبدعين !! لكن ماذا بعد ان تحققت كل هذه الامنيات ؟ . ماذا بعد ان اثبتت لذاتي وللاخرين بان امثالي يستطيع النهوض من ركام الفقر والفاقة ليثبت بانه موجود بين البشر ؟ .

تبددت احلام تلو احلام وتلاشت جراح لتخلفها جراح اعمق ومضت ايام لتتلوها ايام اقسى واتعس والعمر يمضي تشيخ السنون وتذبل الاوراق وتتساقط القناعات شيئا فشيئا , فلا الغد الذي انتظرناها طويلا قد اتى مُرحبا بنا , ولا المستقبل يبرق لنا بامل مغاير , فايامنا كما بالامس كانت ولا تزال مليئة بالا امل او بالامل الكاذب .
كل يوم يمر تتعز فيه القناعة بان المال يصنع ما فشل الامل في صناعته , فلا فكر ولا فلسفة تنهض وترفع صاحبها بلا اموال ومن يقول بغير ذلك فهو كاذب وواهم حتى النخاع .

صادفتني في الاشهر القليلة الماضية تجربة السفر الى خارج العراق لدراسة اضافية لما بعد الدكتوراه , وبدات القصة بالتحول نحو عمق جديد وفهم مغاير للبحث العلمي ولمكانة الباحث في دنيا العلم . لا انفي ان سنوات العذاب التي عشت في العراق قد اسهمت في صناعة شخصيتي الاكاديمية بصرامة عالية اتبعت فيها ادق معايير الاكتفاء الذاتي في العمل والدراسة لبناء انسان مغاير عما اختطته له الظروف القاسية من اقدار , وقد نجحت في هذا , لكنه نجاح مرحلي لان الحياة دائما ما تتفق مع صناع القرار السياسي على امثالي في الرجوع الى المربع الاول .

على اية حال وجدت ان المفكر في الغرب لا يحمل ذات الهموم التي نحملها هنا , ليس لانه قدم من او يعيش في بلدان اخرى , بل لان من يصنع القرار السياسي يدرك بحق حجم المعاناة التي تعرض لها هذا الاكاديمي وذاك المثقف للارتقاء بذاته وللسير في هذا الطريق الطويل , لذا توفر له العديد من الخيارات التي تقوده الى الابداع والى التفرغ الكامل للبحث العلمي والتفكير الخلاق , فلا خدمات تعسة تؤرق ايامه ولا مرتب رمزي يسحق احلامه في الحصول على مسكن لائق به وبعائلته ولا غيرها من المنغصات التي تحرم امثالنا من الوصول الى ذات المستوى والى ذات التاثير الذي يمارسه البحث العلمي في تطوير الشعوب .

لو تتبعنا حجم الاختلافات بيننا وبين الباحثين والمثقفين في الغرب لعرفنا لماذا يختار المثقف في اوطاننا العزلة او الاعتزال المبكر ولماذا لا يرى في النهاية ان ما قام به يستحق كل هذا العناء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - غاية صعبة الادراك
خميس السبهاني ( 2011 / 2 / 8 - 13:01 )
اتفق تماما مع الكاتب بان المثقف في بلداننا طالما يحس بالظلم والجور,وحسرة تعترك في دواخله الى درجة لا يستطيع ان يبوح بما يجول في خاطره ,خشية مما قد يلاقيه من سوء خصوصا وان كانت هذه الكلمات لا تتناغم مع مسامع من لا يفهمها وهو متحكم بامر قائلها!!! وتزداد هذه المراره عندما يرا الفرق الشاسع بين المثقف في البلاد الديمقراطية الحق ,وبيننا نحن (الديمقراطيون الجدد) !!!! . ولكن اخي الفاضل الدكتور دياري اخشى ان لا ياتي الغد الذي تنتظر . والتغير الذي تنشد في حال المثقف في المشرق كما اصطلحت انت ,ما دام من يتحكم في امر المثقف من لا يعلم ما هي الثقافه ومن هو المثقف !! والله المستعان

اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة