الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب العربي يقود ديناميات التغيير والحرية

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 2 / 10
المجتمع المدني


أذكر أني قلت ذات مرة في مقال نشر قبل عشر سنوات يتحدث عن "الشباب وطموح وطن" أن الشباب في الوطن العربي هم عصب الحياة ووقودها، وليس صحيحا كما يقال أن النفط عصب الحياة الصناعية، لان النفط سينتهي يوما بعد أن كان وبالا على الشعوب العربية وانجازاتها، فأخذت الدول العربية النفطية تسّخر كل طاقاتها النفطية لخدمة العالم الآخر، فيما وقفت عاجزة عن الاستثمار في شعبها وشبابها، خاصة تلك الدول التي لا تملك ثروات النفط، لكنها أيضا لم تملك رؤية منهجية واعية بخطورة ترك جيل الشباب الواعي والمثقف حكرا على البطالة والإجرام والإرهاب، فكانوا أحيانا قنبلة موقوتة تنفجر بلا ميعاد في حضن الأمة العربية، وتارة طاقة مهدورة تُستهلك في الغرب، وتارة ثالثة طاقات مكبوتة عاجزة عن الفعل بحكم القمع والاستبداد والظلم.
فكيف يمكن للشباب العربي أن يفجر طاقاته ويبدع وسط أجواء مكبلة لحرية التفكير والاعتقاد والتصور، فيما مجتمعاتنا ما زالت قاصر عن التمييز بين الشرع الواجب تطبيقه بموجب القران والسنة، وبين الاجتهادات التي قد تختلف عليها الآراء، فأغرقت الأنظمة الشباب العربي بوهم العقاب والثواب، والطاعة العمياء، دون أن تحرص على خلق الإبداع والتميّز ومعرفة أبسط حقوق الطبيعة الإنسانية، وتناسى علماء السلطان الجائر ممن يرهبون الشباب باسم الدين، أن لا قيمة تذكر للإنسان إن لم يملك حرية الرأي والتفكير، وان أساس السلطان هو مخافة الله، وأساس الحكم هو العدل.
وحينما يفقد الشباب العربي قيمة الحرية وابسط حقوقه الإنسانية، يصبح مجرد وقود للأنظمة العربية الفاسدة التي قضت على أحلامه بوهم السلطة والاستبداد وأمن البلاد والعباد، وجلدت طموح الشباب بحجة قلة الحيلة ووهن الواقع، فيما تعيش نخب حاكمة في طفرة من الثروة والسلطة والاستبداد، فأصبح اغلب الشباب العربي، كالعبيد في خدمة سيده الحاكم، لا يملك سوى الطاعة والسمع لولي الأمر، حتى لو كان ظالما وفاسدا وقاهرا، كيف لا وهو المنزّل بأحكام الدين والشرع، ويمثل هالة إلهية، لدى بعض الشعوب العربية، فهو من المحرمات، كالدين، لا يجب نقده أو التطاول عليه!! فأصبح الشباب العربي أشبه بأعجاز نخل خاوية، ومجرد رقم في زمن التكنولوجيا الرقمية، وقيمته فيما تثبت وثائق الدولة، لا بكرامته كانسان ولد حر وسيموت حرا!! فأي سلطة تلك التي تستعبد الشباب، إن خلقهم رب العالمين أحرارا؟
سقت ما سبق لأصل إلى نتيجة حتمية منطقية لتفسر ثورة الشباب العربي التي قادت ديناميات التغيير وزلزلت أركان الأنظمة الفاسدة، فثورة شباب تونس، ما كانت لتنطلق لولا أن بلغ السيل الزبى، ووصلوا لمرحلة فقدوا فيهما قيمتهم الإنسانية وكرامتهم المهدورة في ظل حاكم جائر وسلطان فاسد، سخّر كل إمكانيات بلده للقهر والتسلط على رقاب الشباب، فأصبح لديهم مفهوم الحياة والموت سيان، فإما أن يعيشوا بكرامة وإما أن يموتوا شهداء للحرية، فشباب تونس قاد ثورة شعبية تكونت ملامحها بالصدفة، لم يقف خلفها حزب أو تنظيم أو دعم خارجي، بل طوفان شبابي وجد نفسه في لحظة تاريخية ينفجر كقنبلة موقوتة في وجه الظلم ليغير مجرى التاريخ في بلده، ويغير الصورة النمطية عن الشباب العربي، الموصوفة لدى الأخر، سواء الحاكم المستبد أو الغرب المستعمر، بالموات والاستسلام والضعف والهوان، فنجحت الثورة لأنها بدأت من جيل الشباب وامتدت، طولا وعرضا، لكل فئات المجتمع، رجالا وكهولا، ووصلت لمبتغاها في خاتمة المطاف وخلعت الرئيس التونسي بن علي الذي أخر ما نطق به قبل الهروب "الآن فهمتكم" ولكن بعد فوات الأوان، فالثورة هدمت أركان النظام المتسلط الفاسد، بعد أن فهم متأخرا أن الشباب يصنع التاريخ ويقود دينامية التغيير.
عدوى التغيير وجدلية الثورة الشبابية انتقلت دون سابق إنذار إلى مصر قلب الأمة العربية النابض، انتقلت دون أن يعي النظام المصري أن الشباب المصري يملك إرادة التغيير وطموح الانتفاضة على الغضب والقهر، فلم يكن احد يتوقع من كل أركان ومؤسسات الدولة البوليسية في مصر، أن شباب مصر سينتفض يوما ضده أو يحاول، مجرد محاولة، مقاومة القهر والفساد والتسلط ويتحكم بديناميات التغيير والحرية، لاسيما وان عقود طويلة من قتل طموح الشباب والذل واهانة كرامة الإنسان المصري، وإرهابه بالقوة الأمنية، خلقت إنسان عاجز عن فعل أي شي سوى الولاء والطاعة، فثقافة الشعب المصري انه مسالم لأبعد الحدود تجاه الظلم والتغيير، فهو يفضل حاكم جائر على "فوضى خلاقة" تغيّر الواقع، فضلا عن ذلك، فالمواطن المصري ووفق موروثه الشعبي، مستسلم لقدره مهما كان، وقانع بمن يحكمه، حتى لو كان أكثر ظلما من النظام الحالي، فطالما ألِف المصريون منذ عهد الفراعنة، مرورا بالدويلات الطائفية والعهد التركي، وانتهاء بجيل ثورة 23 يوليو العسكري، "الإله فرعون" و"المنقذ" و"الزعيم الأوحد" و"القائد الملهم" و"المخلِّص" والرئيس الذي يفتدوه "بالروح والدم" ، ولطالما ألفوا –أيضا- الطاغية لآلاف السنين فلم يعد احد منهم يجد غضاضة ولا حرجاً في الحديث عن "إيجابياته" وما فعله من أجلهم من عظيم الأعمال، فاحدهم يقول بمليء فمه على شاشات التلفزة "ده أبونا ولا يجوز اهانته بهذا الشكل ده اللي حارب في أكتوبر والشباب ما بفهموش حاجة.." ولا أجد فعلاً ردّاً على هذا الأبله أبلغ من قول السيد المسيح "ماذا يفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه".
بيد أن جيل التغيير وشباب ثورة مصر الشعبية التي دخلت في أسبوعها الثالث، زلزل الأرض تحت أقدام النظام الفاسد، وأراد أن يرسم التاريخ من جديد بريشة الشباب الثائر، ليغير الصورة النمطية عن شعب مصر بأنه يرضى بالذل والهوان والاهانة، فجيل الشباب المصري ينتفض لأول مرة في تاريخه منذ ثمانية آلاف سنة، ليعلن للعالم أجمع أن عهد الفراعنة قد انتهى، وحان وقت الحساب والمحاكمة لكل من ذلّ الشعب المصري طوال العقود الماضية، وأهان آدميته واستهان بقدرته على كبح جماح الظلم والاستعباد والاستبداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال




.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة