الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب المصري ينتصر ويصنع التغيير

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 2 / 12
المجتمع المدني


نقطة وسطر جديد .. وفي صفحة ناصعة البياض كتب الشعب المصري تاريخا جديدا لبلاده وبدأ العالم بأسره يناظر ما أنجزه الشعب الصابر بعد ثمانية عشر يوما من الثورة الشعبية المصرية التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، فكانت ثورته بذلك إيذانا بتغيير وجه الشرق الأوسط عامة والمنطقة العربية خاصة، وقلنا سابقا أن إرادة الشعب المصري بالتغيير كانت اقوي من كل جبروت وسطوة النظام البوليسي فلم تفلح كل محاولات إجهاض الثورة من تغيير قناعة الشعب المصري والشباب تحديدا بالتهدئة أو فض التظاهر وإنهاء الثورة، فامتلكوا إرادة صلبة وعناد من حديد واجهوا به عناد الرئيس الذي قال عن نفسه قبل أسابيع قليلة انه "دكتوراه في العناد" !! فمنطق التاريخ يحكم بالنهاية لصالح الشعب الذي اثبت أن لا قوة يمكن أن تقف بوجهه مادام يملك رغبة حديدية للتغيير، وها هو ينتصر على عناد الرئيس ونظامه البائد .
لن ينسى العالم كله خاصة الشعب المصري تاريخ 11/2/2011م الذي غير فيه مجرى تاريخ بلاده وفرض إرادته واجبر الرئيس السابق حسني مبارك على التنحي بل والسقوط وزلزلت كل أركان النظام وتسليم السلطات وإدارة البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، هو يوم فاصل في تاريخ مصر الحديث بل وربما يوم تاريخي للمصريين منذ ثمانية آلاف سنة، حينما ثاروا ضد الظلم والقهر والذل لأول مرة في تاريخهم ليختاروا رئيسهم القادم ويصنعوا تاريخ نظامهم السياسي الجديد .
نعم سقط نظام مبارك الظالم وسقطت معه كل أركان النظام الفاسد ودخل الشعب المصري التاريخ من أوسع أبوابه حينما قاد البلاد بإراداته واجبر كل من حكموه خلال ثلاثة عقود على التسليم والسقوط في هاوية الشعب الساحقة، فتنفس الشعب المصري اليوم نسائم الحرية والإرادة، وصنع لنفسه ولبلاده عهد جديد سيكون أساسه نظام سياسي ديمقراطي وحرية شعبية ستفرض نفسها على كل مؤسسات الوطن، سيكون المواطن المصري منذ اليوم هو محور اهتمام صناع القرار القادم، وسيغير الشعب المصري تحالفات بلاده مع دول العالم بدء من العلاقات المصرية (العربية ولإسرائيلية والأمريكية)، وستعود مصر لثقلها ودورها القومي المعهود، فهذا التغيير لن يصيب شؤون مصر الداخلية وحسب بل والخارجية أيضا.
وفي أقل من شهرين، يحتفل العالم العربي بسقوط طاغيتين: الأول الرئيس المخلوع بن علي الذي حكم تونس لأكثر من عقدين بالنار والحديد والفساد والظلم، والثاني الرئيس المخلوع مبارك الذي حكم مصر لأكثر من ثلاثة عقود بالنظام البوليسي القمعي وبالفساد والذل والعار محليا وخارجيا!! وبعد السقوط خرج الشعب المصري بأسره هاتفا "الشعب أسقط النظام"، بعد أن كان يهتف قبل ساعات قليلة "الشعب يريد إسقاط النظام".
فتحرر الشعب المصري من الطغيان وحرر معه الشعوب العربية التي خرجت في كل العواصم العربية تحتفل بالانجاز التاريخي المفصلي للشعب المصري وتهتف معه "رفعتم رأس الأمة العربية وأعدتم لها الكرامة بعد عقود طويلة من الاستبداد والذل" وذلك ليس بعجيب أو غريب لان مصر قلب الأمة العربي النابض واكبر دولها وصاحبة الكلمة الأولى في قضايا المنطقة، ومن يحكمها يحكم معها عمليا 350 مليون عربي، فان هانت هان العالم العربي، كما كان العرب في عهد مبارك من ذل وضعف وهوان وتآمر، وان رفعت هامتها صوب السماء وكانت قوة لا تستهان، صعد معها كل العرب والشعوب، فكانت امة عربية واحدة مؤثرة وفاعلة في النظام الإقليمي والدولي، تمام كما كانت في فترات منصرمة من تاريخ مصر المعاصر.
الآن تبدأ مرحلة إعادة البناء والتعمير بعد انتهاء مرحلة الثورة والتغيير، تبدأ مرحلة جديدة من بناء مؤسسات الدولة الدستورية وإرساء قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والاهم وضع دستور حر عصري جديد للبلاد يوضح كل معالم النظام السياسي المصري الجديد ويحدد شكل ونموذج العلاقة بين سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتكون الأمة -فعلا لا قولا- هي مصدر تلك السلطات، فيختار الشعب بانتخاب ديمقراطي نزيه وشفاف رئيس جمهوريته ومجلسه التشريعي، وان تُشكّل الحكومة عبر حزب الأغلبية في البرلمان، وان يكون منصب رئيس الجمهورية مقيد الصلاحيات ومسئول مسؤولية كاملة أمام مجلس النواب الذي يمثل الشعب، فلا تزوير في استفتاءات رئاسية بعد اليوم ، ولا تزوير في انتخابات مجلس الشعب أو وتزوير لإرادة الشعب المصري بعد اليوم .
وتوقع كاتب هذه السطور في مقالاته السابقة المنشورة بخصوص ثورة مصر، بسقوط النظام وتنحي مبارك بعد ثلاثة أسابيع أو شهر على الأكثر، وان النظام سيبدأ بتقديم التنازلات تدريجيا لمحاولة كسب الرهان وإنهاء الثورة، وذكرت أن ذلك سيعتمد على مدى إصرار وإرادة الشعب المصري، وفعلا نجحت إرادة الشعب في إسقاط النظام بأكمله وليس الرئيس وحسب، رغم انه كان أمام الرئيس مبارك فرصة تاريخية منذ جمعة الغضب، ولم يستغلها جيدا، فلو أعلن وقتها عن تلك التنازلات كلها دفعة واحدة، واعتذر للشعب المصري عن الظلم والقهر وما تعرضوا له من عنف على أيدي امن الدولة، وأمر بتشكيل لجنة تحقيق لمعاقبة كل الفاسدين وإقالة الحكومة وتعيين نائب رئيس مشهود له بنظافة اليد والفكر الإصلاحي، غير عمر سليمان طبعا، لكانت الثورة شهدت مجرى آخر، وانتهت الأمور بسلام!!
لكن عناد الرئيس المخلوع وتفكيره بالحفاظ على كرسيه لا غير وعدم اهتمامه برغبات الشعب المصري الثائر واستهتاره باحتجاج الشعب وثورته حينما قال "خليهم يتسلوا شوية"!! كانت مقتل الرئيس ونظامه، فالقائد الذي يستهتر بإرادة شعبه وبقدرته على التغيير ولا يحترم مطالبه الشرعية بالتنحي، يسقط سقوطا مدويا ويصبح عبرة لكل من يعتقد متوهما أن الشعوب العربية ماتت وفقدت إرادة الثورة والتغيير.
الفرحة اليوم ليست للشعب المصري فقط بل لكل شعوب العالم العربي التي تضررت من سياسات نظام مبارك الذي قضى على دور مصر العربي لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، ففرحت الشعوب العربية، خاصة الشعب الفلسطيني في غزة، لا تقل عن فرحة الشعب المصري، لان الأهل في قطاع غزة أكثر من تضرروا من نظام مبارك الطاغي الذي تكفل بحماية امن إسرائيل على حساب الشعب العربي الفلسطيني، فحاصر أهل غزة ومنع عنهم الدواء والطعام والسلاح لمقاومة الاحتلال الصهيوني، وفرحة الشعوب العربية في العراق والخليج وسوريا والأردن، أيضا لا تقل فرحة عن فرحة الشعب المصري، لان سياسات النظام الإقليمي كانت سببا في تدمير العراق منذ عام 1990م، والأردن تأثر كثيرا بنظام مبارك الذي قدم فروض الولاء والطاعة لإسرائيل والولايات المتحدة على حساب امن ومصالح الأردن والعراق وسوريا ولبنان والسودان والصومال، ومشهد الفرحة العارمة التي طافت الشوارع العربية ما هي إلا دليل على مدى ارتباط الشعوب العربية يبعضها في أوقات الفرح والغضب، والمأساة والأمل، فكل الشعوب العربية اليوم عاشت حلم تحقيق الحرية من الماء إلى الماء، طمعا في تحقيق وحدة عربية واحدة، تعيد للأمة العربية مجدها العريق وكرامتها المهدورة بيد القيادات العربية الدكتاتورية الفاسدة.
مبروك للشعب المصري هذا الانجاز التاريخي ومبروك لشباب مصر هذا التغيير الذي سيغير وجه المنطقة ويفرض على دول المنطقة كلها أن تعيد النظر بسياستها من جديد، خاصة تلك الأنظمة العربية المستبدة، التي بدأت تتحسس اليوم مدى خطورة تقييد سطوتها الأمنية على شعوبها وانتهاك حقوقها الإنسانية وهتك محرمات حقوقها السياسية والقانونية والاجتماعية، فتجربة الثورة الشعبية المصرية، وتحديدا ثورة الشباب المصري، هي درس لكل حكام العرب لكل ظالم وفاسد وخانع، قمع شعبه وضرب بيد من حديد على إرادة وحريات وحقوق الشعوب العربية، هي درس قاس لكل زعيم عربي تصور يوما أن الشعوب ستبقى ساكنة خانعة ترضى بقدر وقضاء الطغيان، اليوم سيغير كل زعماء العرب والعالم استراتيجيهم وعلاقتهم بالشعوب، وسنرى قريبا تغيرات إصلاحية وحقوقية ومحاولة مصالحة بين سدة الحكم والشعوب حتى لا يتكرر مشهد الثورة الشعبية في مصر في بلدان أخرى، حتى لا ينضم دكتاتوري عربي أخر لقائمة الطغاة المخلوعين !! .
وحقا إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، فاستجاب القدر لإرادة الشعب المصري الذي صنع المستحيل الذي لم يتوقعه احد. ولا يسعنا في الختام سوى أن نقول الحمد الله على السلامة يا أم الدنيا وأم العرب وأم المصريين، الحمد الله على عودة مصر لخارطة العالم العربي من جديد لتقود دفة النظام العربي إلى موقعه الدولي حيثما كان، وان تتربع قلوب العرب كما كانت وان تعز الأمة العربية التي أذلها النظام البائد، فألف مبروك لشعب مصر وألف مبروك للأمة العربية والإسلامية هذا التحرر من الطغيان ولاستبداد، وننتظر أن نرى ثورات شعبية عربية بيضاء تحرر بلادنا العربية الأخرى من الظلم والدكتاتورية والفساد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #المشهد_اللبناني - سيليا خاطر: هذه أبرز الإرشادات لحماية الأ


.. ديلي ميل: تحقيق يكشف تورط خفر السواحل اليوناني بقتل عشرات ال




.. مؤسس نادي كرة قدم للمكفوفين في العراق يروي قصته بعدما فقد بص


.. عراقيون كلدان لاجئون في لبنان.. ما مصيرهم في ظل الظروف المعي




.. لدعم أوكرانيا وإعادة ذويهم.. عائلات الأسرى تتظاهر في كييف