الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظلامية والتخلف في العالم العربي تراجعا خطوة إلى الوراء

منعم زيدان صويص

2011 / 2 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سيحكم التاريخ، إن عاجلا أو آجلا، على أن ما حدث في تونس وما يحدث في مصر هو تحول تاريخي بكل المقاييس في تفكير الشعوب العربية. فلأول مرة منذ وقت طويل لا يكون المطالبون بالتغيير خريجو مدارس أصولية من الذين ضربت غشاوة على أدمغتهم بحيث لم يروا ولم يفكروا بأي شيء سوى ما تعلموه منذ الطفولة علي أيدي الجهلة والمتخلفين. إن أبطال الانتفاضتين التونسية والمصرية هم الجيل الجديد، شبان وشابات، الذي ليس له علاقة بالجهل والتجهيل؛ هم جيل الإنترنت المطلع على التقدم العالمي والتطور العقلي والتكنولوجي، الجيل الطموح الذي يمتلك من الثقة بالنفس ما يؤهله أن يصل إلى ما وصل إليه العالم المتقدم: "نحنا عايزين مصر تصير مثل الأمم المتقدمة؛ نحن لسنا أقل منهم،" كما قال احد المحتجين في ميدان التحرير. إنه الجيل الذي لا يغمض عينيه للنور ولا يستطيع النور أن يكشف عوراته لأنه ليست له عورات.

لأول مرة في التاريخ الحديث نرى المتزمتين القديمين يتراجعون ويبرز أناس، من هؤلاء المتزمتين أنفسهم، يتكلمون بطريقة مختلفة. وصل زعيم حزب النهضة من المنفى إلى تونس وإذا به يقول أشياء لم نعهدها منه أو من أمثاله من قبل. لقد قال للصحفيين عند وصوله: "أنا لست خميني." وقال الناطق باسمه أن الغنوشي "يدرك جيدا أنه لن يترشح لأي انتخابات ولن يترشح لأي منصب سياسي". وقال محمد حبشي أحد أعضاء حركته: "نحن لا نريد دولة إسلامية، نريد دولة ديمقراطية."

يخيل الي أن قادة الحركات الدينية الغيبية في العالم العربي قد اكتشفت أنها لا تصلح لحكم أي دولة في العالم في عصر التقدم والتكنولوجيا. في تونس كان موقفهم واضحا كما أسلفنا. أما في مصر فكانوا مترددين ولم يكونوا راغبين أن يتزعموا الانتفاضة المصرية ، كما كان يتوقع الكثيرون، لأن هكذا امتحان سيكشفهم. وكانوا على وشك الاختفاء من الساحة، وأخيرا رأوا انه من المفيد لهم أن يؤيدوا الشباب المستنيرين من دون أن يدٌعوا أنهم قادتهم. والآن لا نراهم يتصدرون الحركات السياسية لا في اليمن ولا في الأردن ولا حتى في العراق، ولو أن يوسف القرضاوي، من خلال قناة الجزيرة، يحاول أن يصبغ الانتفاضة المصرية بلون ديني.

أما النظام الإيراني المتخلف وأتباعه في حزب الله فقد حاولوا أن يظهروا أن الشباب المصريين قد تبنوا آراءهم وأنهم عما قريب سيعلنون تحالفا معهم. غير أنهم لم يبالغوا في تأييدهم لهذه الثورة الشبابية لأنهم مُحرجون من حليفهم النظام السوري الذي يضغط على شباب سوريا الثائرين ويوجه إعلامه ليرفع مستوى تعظيم هذا الإعلام لرأس النظام. فقد بث موقع شام برس الالكتروني قبل أيام تقريرا عن "مسيرة سيارات حاشدة جابت شوارع العاصمة تحمل الأعلام السورية وصور الرئيس بشار الأسد،" واقتبس التقرير ما وصفه برسالة نصية يقول فيها كاتبها: "الشعوب تحرق نفسها لتغيير رئيسها ونحن نحرق العالم وأنفسنا وأولادنا ليبقى قائدنا الأسد .. لا تراجع ولا استسلام، معك يا قائد الوطن، معك يا سيد العزة والكرامة والحرية، وأرجو من كل أحبتي تعميم الرسالة ليرى أعداء الوطن محبة أهل الوطن لسيد الوطن." وذكرني هذا بتصريح أدلى به قبل سنوات وزير الإعلام السوري الذي عبر عن فخره بأن تصريحات الإعلاميين السوريين والمثقفين وكل الطيف الشعبي على أي موضوع، سياسي أو غير سياسي، دائما متطابقة.

وحتى يحرف محور إيران- سوريا- حزب الله انتباه الشعوب العربية عن السبب المباشر للثورتين التونسية والمصرية، وهو إعطاء الشعوب العربية الديمقراطية الشاملة -- وهو شي معدوم تماما في إيران وسوريا والضاحية الجنوبية من بيروت وجنوب لبنان -- فإنهم يحاولون أن يدافعوا بطريقة ملتوية عن حكمهم الشمولي و منع الناس حتى من التفكير بالاعتراض عليهم، وأن يخدعوا الشعب العربي، بالإدعاء أن ما حصل في تونس ومصر هو فقط رد فعل لعلاقة النظامين بإسرائيل وعدم إخلاصهما للقضية الفلسطينية، وليس لتحقيق الحرية والديمقراطية. وهذا الكلام يحول ما حصل إلى انقلابات عسكرية مثل الانقلابات السورية في الخمسينات والستينات. ولا ندري ماذا أفادت إيران وسوريا القضية الفلسطينية أو حتى سوريا نفسها -- هل زحزحوا إسرائيل من الجولان -- وماذا أفادت حروب حزب الله لبنان والشعب الفلسطيني؟ لقد أدت هذه الحروب إلى تدمير لبنان ولم تُفد الشعب الفلسطيني على الإطلاق بل كرست انقسامه وأدت إلى بروز حزب الله كقوة عسكريه تكرس انقسام اللبنانيين. إن الحرية والديمقراطية بين الشعوب العربية حتما ستؤثر على إسرائيل ولكن هذا ليس المكسب الوحيد. إن الحرية والديمقراطية والتنوير هي السبب في أي مكسب قادم، ومن المؤكد أن رعب إسرائيل سيكون مضاعفا لو استطاع الشعب السوري أن يكون حرا وديمقراطيا ويزيل حكامه كما فعل التوانسة والمصريون. أما في إيران فيكتفي النظام الظلامي ببناء مفاعلات نووية ليهدد بها دول الخليج ويؤسس إمبراطورية فارسية جديدة ويعطي إسرائيل الذريعة لتبطش بالشعب الفلسطيني وتقول للغرب أن إيران تهددها، بينما تستشري الأمية والفقر في جميع أنحاء بلاد فارس.

لقد أشبعنا حكامُنا كذبا وهم يوهموننا أنهم يدافعون عن الشعب الفلسطيني وقضيته، متخذين من القضية الفلسطينية مسوغا ليبقوا في على كراسيهم. فقد كان صدام حسين دائما يختم خطاباته الفارغة بعبارة "تعيش فلسطين حرة عربية من البحر إلى النهر." فمند منتصف القرن العشرين ونحن نرى الحاكم بعد الآخر يكذب علينا بالإدعاء انه سيحرر لنا فلسطين، وآخر هؤلاء الحكام هو أحمدي نجاد الذي الحق أكبر الضرر بالفلسطينيين وقضيتهم وخاصة بعدما قال انه سيمحو إسرائيل من الخارطة، وكان هذا التهديد، الذي يذكرنا بالمثل العربي القديم، إياك أعني واسمعي يا جارة، السبب في مضاعفة قوة إسرائيل وتأييد العالم لها بطريقه غير مسبوقة. إن الأسلوب الذي يتبعه الشباب في تونس ومصر قد جعل نيتانياهو وليبرمان يرتعدان من الخوف ولكن بدون أن يقدم هؤلاء الشباب للغرب أي حجة مقنعة لتأييد إسرائيل بشكل عملي لأن الحرية والديمقراطية والتنوير ليست تهما توجه للشعوب.

كنا دائما نتطلع إلى اليوم الذي نجد فيه الأجيال العربية تستفيد من التفكير الحر وتكنولوجيا الغرب المتقدمة وتستخدمها في تنوير الشعوب لكي تتعلم كيف تكتشف زيف حكامها. لقد جاء هذا اليوم، وها هي الأجيال المستنيرة تطرد الجهل من أدمغة الشعوب وتنير الطريق لهم فقد أعلن هؤلاء الثوريون الحقيقيون أن الرجوع إلى الخلف أصبح مستحيلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah