الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر أمي، مصر أبويا

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2011 / 2 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أخيرا ً طفح الكيل بما فيه من قيح ٍ ودم ٍ وقيء. بلغ السيل الذبى ووصلت الأمور إلى نقطة اللاعــودة. وصل الطغيان إلى حائط حدود الفيزياء. فأنت تستطيع أن تضغط الماء أو الزيت في مكبس ٍ مصمم ٍ ومبرمج ٍ خصيصا ً لتحمل الضغوط العالية لكنك إذا تجاوزت الحد الموصوف واستهترت بقوانين الفيزياء الأزلية الخالــدة فستحصل حكما ً على رد الفعل المناســـب واللائق بتراكم ما صنعت يداك. للفيزياء حدود وللجغرافيا حدود وللتاريخ حدود! ويبدو أن الــسادة الحكام العرب لا يجيدون فهم الفيزياء ولا قراءة التاريخ ولا الجغرافيا. علما ً بأن هذه القراءة، وللإنصاف أقول، ليست بالأمر السهل اليسير كون هذه القوانين تتغير وتتبدل تطبيقاتها وعلاقاتها المتبادلـــة فيما بينها. إذا ً فالفهم ليس بالأمر اليسير المتاح وربما يكون صعبا ً عـلى المختصيــــن فما بالك بأناس متسلقين وصلوا إلى مناصبهم بفضل توازنات دولية وسمات شخصية ساديــَّة سمحت لهم بالتحكم برقاب العباد ومصائر البلاد. وأذكر هنا مثالا ً عن أحد هؤلاء القادة العرب – الحكام – العسكريين الأشاوس الذي وصف لجريدة أجنبية حالة التقدم والرقي الاقتصادي في بلاده من خلال العدد الكبير لسيارات الأجرة التي تركض لاهثة ً في شوارع عاصمته وعدد العيادات الخاصــــة للأطباء!؟ لقد وصل الشارع المصري لحدود الفيزياء والجغرافيا والتاريخ فانفجر ألوانا ً عجائبية تابعناها جميعا ً وبمنتهى اللهفة والحب والفخار على شاشات التلفزة الصغيرة. لقد أثبتت هذه الثورة الجميلة، عطرة الأنفاس والممارســــة، بأن أمـــة العرب موجودة بعد أن أصبح الجميع يشكك بذلك. ومن هنا بدأنا نرى نهوض مثقفين ومفكرين يقولون بالقوميـــة الفينيقية والسومرية والآشورية والفرعونية وسوى ذلك الكثير. لقد أثبتت انتفاضة الشارع المصري أنك تستطيع أن تكون واحدا ً من أي من هذه الانتماءات الصغيرة لكنك في النهاية مربوطٌ بقيود من حرية وكرامــــة مع باقي الوطن العربي. وإلا... فكيف نفسر انتفاضات الدومينو في أشباه الدول العربية التي كتب عنها وراقبها بكثير من الدهشة كل فطاحل أجهزة مخابرات العالم الغربي والشرقي. نعم أيها السادة... القومية العربية موجودة وباقية رغما ًعن كل محاولات البرتودولار لطمسها منذ ما يزيد على قرن كامل الآن. الأمر الثاني الذي ظهر على سطح الأحداث بفضل انفجار الجـَـمَال ِ المصري هذا هو أن المشكلة العرقية الدينية في مصر، ومن خلالها في كل العالم العربي، ليست سوى تنين ورقي خلقه وصممه الحاكم العربي الجائر وفقا ً لأبسط المبادئ المكيافيلية المعروفــــة. فالأمر سواء في لبنان وسوريا ومصر والجزائر والعراق إلخ... يكفي أن ينهض الشعب مناديا ً بحقوق المواطنة الحقيقية حتى يزول كل هذا الغبش القاتل الحاجب للرؤية. وإذا أردت أن تعرف أكثر عن تطبيق ورؤية نظام مبارك للمشكلة الطائفية فما عليك إلا أن تشاهد الفيلم السينمائي حسن ومرقص الذي صاغته وكتبته أيادي أجهزة الأمن المصرية ومثل أدواره الرئيسة عادل إمام و عمر الشريف. إن الطائفية في أشباه الدول العربية الحالية عـَرَض ٌ وليست مرض. عـَرَضٌ لمرض ِ زوال مبدأ المواطنـــــة الحقة والعدالة الاجتماعية. عـَـرَض ٌ لدول ٍ تدعي أنها تنتمي لهذا الفكر الديني أو ذاك، مع احترامي لكل الأديان، وتمارس العكس تماما ً من خلال أحكامها العرفية والمدنية الجائرة. ربما كان هذا الكلام مقبولا ً أيام العثمانيين لكنه بات اليوم ممجوجا ً وكريها ً وقبيحا ً ونتنا ً. لقد نادى الشارع المصري بالدولــــة المدنية والتهبت حناجر المصريين جميعا ً مسلمين ومسيحيين صارخة بصوت مدو ٍ واحد أنها تريد الدولة المدنية التي تقف على مسافة واحدة من الجميع. دولة ٌ ينتمي إليها الجميع لأنها للجميع دون استثناء أو تفرقة على أساس من عرق أو دين. لقد وصل فارس الخوري، في لحظة من لحظات سوريا المشرفة، إلى منصب رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب لا بل إنه كان مسؤولا ً عـن أملاك الوقف الإسلامي ولم يجد الشارع السوري أي غضاضة في ذلك لأن مشروع الدولـــة يومها كان مختلفا ً عما هو عليه في يومنا المقيت هذا. لقد أثبتت مصر اليوم أنها أم ٌ للجميع. لحسن ومينا، لجورج وخديجة. الجميع نزل للشارع وهتف وخاطر بأعز ما يملك ابتغاء َ وجه ِ الحريــــة. أما الأمر الثالث الذي لابد من التوقف عنده فهو موقف مملكة الشر العربية السعوديـــة. مازال حكام هذه المملكة الكريهون، وأنا هنا لا أعني بأي حال من الأحوال الشعب المسلم العربي السعودي، مخلصون لمبدأ خيانة عروبتهم وإسلامهم مصممون على أن يكونوا عملاء للأجنبي حماة ً لمصالحه. وشواهد التاريخ على ذلك أكثر من أن تعد وتحصى بدء ً من خيانتهم للقضية الفلسطينية مرورا ً بالقنبلة الرهيبة التي ابتكروها بمساعدة مخابرات الإنكليز والمتمثلة بالتيار الوهابي الإسلامي الذي شوه وجه الإسلام ومنعه من اللحاق بركب الحضارة والمدنية والعلم ووصولا ً إلى موقفهم من الحكام المستبدين العرب من أمثال بن علي ومبارك وسواهما. لقد كانت ثورة تونس البوعزيزي بمثابة الصاعـــق الصغير الذي فجر الثورة المصرية العظيمة. أمـــا الانفجار الأكبر فسيحصل حتما ً عندما تتحرر السعودية ويتحرر الإسلام من آل سعود الذين هم، برأيي المتواضع طبعا ً، أصل محور الشر وأساس تخلف العرب المسلمين في القرن العشرين لما لهم من قوة مالية وإيديولوجية مدمرة. تضيق المساحات البيضاء بــوصف ماحدث في مصر. لقد مر العرب في بدايات القرن العشرين بمرحلة ما عرف فيما بعد بالنهضة العربية وموسم معارك الاستقلال التي انتهت، وللأسف، إلى ولادة أشباه دول غير مستقلة بالمعنى الحقيقي للكلمة وتابعة لنفس القوى والمصالح التي عانت من عـُـسفها الأمرّين. أما اليوم فالمعركة مختلفة. إنها معركة الاستقلال الحقيقي. معركة التخلص من الحكم الوطني الجائر والمتاجرة باسم الشعب الطيب العريق. إنها معركة الشعب الذي استفاق ورفض قيود التخلف والفقر والجهل. إنها معركة الاستقلال عن الحكم الوطني الكاذب الجائر المجرم واستبداله بحكم وطني حقيقي شفاف يمثل الجميع ويدافع عن الجميع.
ألف تحية لمصر الخالدة، أم الدنيا، مصر الأم البهيـــــة، مصر الشيخ إمام وأحمد عرابي، مصر العرب. وألف تحية لأرواح الشباب التي لجأت لباريها مـُعطرة ً برائحة الكرامــــة والحرية. سقوط مبارك ليس النهاية... إنها مجرد بدايــــة ٍ لنهاية طغيان الحاكم العربي العميل المزيف.
تحيا مصر، أم العرب، أم الدنيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب