الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البعد الميتافيزيقي للأرق

ابراهيم هيبة

2011 / 2 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يتربص البؤس بالإنسان في كل مكان، إنه يلاحقه حتى إلى سريره. الساعة الواحدة ليلا، أراني أتقلب على هذا الجانب حينا ثم أتقلب على الجانب الثاني حينا آخر: لا أشعر بأي ارتياح. ما الذي يجري؟ إنني لا أستطيع أن أنام. ما من فقدان يرعب الإنسان ويؤثر فيه مثل فقدانه القدرة على النوم. إنه يرمي بالفرد خارج المجرى الطبيعي للأشياء. كل الأحياء نائمون إلا أنت، كل البشر ينعمون بغيبوبة النوم فيما أنت تراقب التحرك البطيء للثواني والدقائق.
زمن الأرق زمن صعب: إنه الوضع الذي تجد فيه نفسك في عزلة مطلقة، لا وجود لشيء حقيقي إلا أنت والعدم. تقضي يوما بطوله وعرضه في مصارعة تفاهات الحياة اليومية، وعندما تأوي إلى فراشك ليلا تكتشف بأنه لا يرحب بك؛ تحاول التصالح معه بشتى الوسائل لكن لا شيء يجدي: لقد أصبح فراشك عدوك، إنه لم يعد حتى فراشا- إنه بساط من الأشواك.
ما هو الأرق؟ إنه الشعور الماحق بإطلاقية الوعي والزمن. يذهب المرء إلى فراشه في المساء، وعندما يغادره في الصباح يلاحظ بأن شيئا لم يتغير. إنه لم يتخلص ولو بمقدار ذرة من متاعبه وهمومه، لقد كانت ليلته استمرارا لعذابات نهاره. والحق أنه لا وجود إلا لجنة واحدة على هذه الأرض: النوم. اعتبر هذا الأخير غيبوبة مخلِّصة. إنه يحررنا من الوعي الدائم بحضور الذات وحضور العالم. النوم استراحة أونطولوجية ترمم الشروخ التي تحدثها مفاعيل الزمن في ثنايا الروح وجنبات القلب؛ ولولا هذه الاستراحة، التي هي أيضا شكل من أشكال النسيان، لكانت أدمغتنا قد أصيبت بالتقيح من جراء الوعي المستمر. بالنسبة إلي، في كل مرة تحاصرني الحياة وتضيق بي السبل لا أعود أرغب إلا في شيء واحد: الغرق في بحر من النوم العميق.
كل شخص أرِق هو فيلسوف رغما عنه. ففي كل مرة يهجرني فيها النوم اقضي الليل بتمامه في مراجعة كل القيم. الصمت المطلق الذي يطبق على الكون في الليالي البيضاء يخلق مناخا ميتافيزيقيا مثاليا للدخول في حوار حقيقي مع الأشياء، حتى الفلسفة، في لحظات كهذه، تنقسم إلى نمطين: الفلسفة التجريدية التي تملأ الكراسات الجامعية والفلسفة الحية التي تبدأ مع منتصف الليل.
ما يمكن أن يعانيه الإنسان المؤمن جراء الأرق هو دائما وأبدا اقل حدة مما يمكنه أن يتكبده غير المؤمن. الشخص الأول يتحمل التجربة لأنه ليس وحيدا- إنه برفقة الله. لكن الشخص الثاني ملزم بالتحلي بالكثير من الجَلَد ورباطة الجأش؛ فكونه محاصرا بين الاقتناع بفراغ الأرض والاقتناع بفراغ السماء يجعل التجربة التي يمر بها أشبه بعبور الجحيم على انفراد.
في الواقع، لا تخلو تجربة الأرق من بعض الإيحاءات الدينية؛ فكلما وجد المرء نفسه منفيا خارج الصيرورة الكونية إلا وأمسى في حاجة ماسة إلى التحاور مع طرف ما. ولا يملأ وظيفة التحاور هاته إلا الله. لكن الله الذي ينبثق من جوف خواء الأرق لا يتمظهر كموضوع إيمان بل كحد أونطولوجي. إنه النقطة التي تتوقف عندها كل قوانا الإدراكية؛ ونحن نعرف، على ما علمتنا التجارب، بأنه هناك دائما نقطة نهاية أو حد؛ ذلك أنه ليس من السهل على الإنسان النظر إلى العدم المطلق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - واقع صعب
ماجدي ماجد ( 2011 / 3 / 1 - 14:05 )
منذ ستة اعوام مطلق !! كنت مثالا بها للزوج الصالح ... حظي العاثر جعلني ارتبط بانسانه عكس كل الصفات التي احبها ... ورغم ذلك تحملت ... وشاءت ساعة الصفر وانفصلنا ... لم اكن ارغب بذلك ... لكن هذا ما حدث ..

منذ ستة اعوام ... بدأت اعرف الناس والمجتمع، كنت قبلها لا اكترث برأي الاخرين بشخصي، ليس غرورا، وانما ثقة لم تصل حد الكبرياء.

الا ان بعد الطلاق .. اضطررت للتواصل الاجتماعي متأملا أن تسفر تلك التواصلات والمجاملات المرعبة لاشخاص لو كنت بوضعي السليم لما اعطيتهم حجما اكبر من حجمهم الحقيقي وبكل ادب واحترام لان ذلك طبعي.

خلالها تلك السنوات (وما زالت) عرفت المجتمع والناس، وعلمت كم اننا في غابة، الكل يريد ان ينهش القطعة الطرية الطازجة، والاغرب ان الفرق بين الغابة وحياتنا اننا نعطي مبررات لهمجيتنا.

انام واصحى ... وبدات اشعر بالملل من كثر ما انام واصحى لانه شيئا جديدا لم يحدث. ماذا عساني افعل .... العمر يمشي، والشكل يتغير، والقوة تضعف ... والامل هو هو لم يتغير ولم يتبدل ...

لا انكر، ان اليأس والإحباط اصبح صديقي المقرب.

اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة