الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة المواطنة..كعقد اجتماعي جديد..

جمال الهنداوي

2011 / 2 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


علنا لا نأتي بجديد حين القول ان الاعلان عن نتائج استفتاء جنوب السودان لم تشكل اي نوع من المفاجأة لدى المراقبين لا من حيث النتيجة ولا النسبة لعتمادا على كون الجنوب منفصل فعليا عن الشمال ولا وجود على الارض للحكومة المركزية لا سياسياً ولا أمنياً ولا عسكرياً..والانفصال وتكوين الدولة المستقلة كان شعارا اصبح من بديهيات العمل السياسي الجنوبي ولفترات سابقة جدا لمرحلة اتفاقيات السلام التي ادت الى الانفصال..
ولكن هذا لا يمنع الاشارة الى مسؤولية سياسات حكومة البشير في ترسيخ مفهوم الانفصال لدي الجنوبيين والتمهيد له حتي اصبح واقعاً وهدفا مركزيا ساهمت الادارة الاحادية الضيقة الافق للازمة في تنميته من المطالبة بنوع من الحكم الذاتي وبعض الخصوصية في اطار الوطن الواحد، الى تطور زاخم للكونفيدرالية ثم الانفصال فالاستقلال..
ولن يكون من الصعب علينا الاشارة الى عامل فرض الشريعة الاسلامية كاطار للحكم وأسلمة كل المحاور التفاعلية في البلاد كسبب رئيس في تحديد المسار الاحادي الجهة والمستقيم وغير قابل للمراجعة الذي اتخذته القيادات الجنوبية المتمثلة بالحركة الشعبية لتحرير السودان..بل والشعب الجنوبي باغلبيته الكاسحة المعبر عنها في الاستفتاء تجاه الانفصال و الاستقلال عن السودان..
ولا يمكننا ان نعد اصرار البشير على مشروع تطبيق الشريعة في الشمال معتمدا على الاغلبية الاسلامية الواضحة ومتجاهلا حد التكفير للقوى العلمانية والليبرالية الداعية الى دولة مدنية حديثة..الا كنوع من القراءة الخاطئة المأساوية للمعطيات التي ادت الى هذه النتيجة..والتي تهدد بتكرار هذه العملية في مناطق اخرى من السودان..
ان انفصال الجنوب السوداني..وان كان ضمن ممارسة شرعية متفق عليها لحق تقرير المصير..فانه يشكل رسالة تحذير بالغة الوضوح الى جميع الانظمة التي تتحكم سياساتها بنظرات احادية مرهونة بانتماءات فئوية ضيقة في ادارة العلاقة بين مكوناتها القومية.. متغاضية عن مسؤولية هذه السياسة في اذكاء التوترات الدينية والقوميةالتي تهدد استقرارها السياسي والاجتماعي..وتشكل تحديات خطيرة وأزمات بنيوية..ترهق كاهل الجميع، وتدخلهم في أتون مآزق كارثية..وقد تؤدي الى نوع من الانفجارات غير المسيطر عليها للهويات الفرعية والفئوية مما يجعل النسيج الاجتماعي مهدداً بحروب وصراعات مذهبية وطائفية وقومية وجهوية..
ومن الواضح ان الواقع السياسي العربي المعاش ملئ بالتحديات الخطيرة..التي تهدد الاستقرار والسلم الاهلي لكثير من دوله ومجتمعاته..ومرشحة لتطورات قد تطال الجميع وتدخل المنطقة في اتون نزاعات لا يمكن وصفها الا بالعبثية..تستنزف قوى المجتمع وتضعفه.. وتعمّق الهوة وتنأى بالمسافات ما بين جميع الأطراف والمكونات الاصيلة التي تشكل الفسيفساء الوطني ..ولن نكون مجانبين كثيرا للصواب لو احلنا جميع هذه المشاكل الى عامل غياب علاقة المواطنة بين مكونات وفعاليات المجتمع الواحد وتغييب الهوية الوطنية الجامعة واستبدالها بتغليب هويات فرعية متبناة من قبل النظام ومحاولة تعميمها على المجتمع..
فحينما تتراجع قيم المواطنة في العلاقات بين مكونات المجتمع، تزداد فرص التوترات الداخلية..والى هذا يمكننا ان نعزو جل المآزق البنيوية الخطيرة المترتبة على فرض احادي فوقي قاهر للخيارات السياسية والثقافية للمجموع..وتجاهل اليات المشروع الوطني والذي يستهدف استيعاب أطياف المجتمع ..مما يحتم ادخال البلد في تناقضات واسئلة تتعلق بالهوية والانتماء قد تهدد استقراره السياسي والامني..
كما إن نزعات الاقصاء والاستئصال والتهميش وفرض تعميم قسري لمتبنيات النظام السياسية والايديولوجية ..لا تقدم اي حلول قد تفضي إلى معالجة التقاطعات والاختناقات المجتمعية.. بل قد توفر لها المزيد من المبررات والمسوغات..
ويمكننا ايضا ان نقول ان الانتفضات الشعبية الاخيرة في المنطقة والحراك السياسي المصاحب لها قد وضع جميع دول المنطقة امام خيارات محددة بقسوة..وهي اما الدفع المعاند المكابر باتجاه المزيد من التداعي والتآكل من خلال تبني سياسات الامر الواقع المسند بتوجهات النظام ورؤاه..او اتباع اسلوب الاصلاح والتنمية عن طريق الحوار الوطني الجامع الشامل لجميع أطياف المجتمع ومكوناته والهادف الى دمجها في الحياة السياسية العامة.. وانشاء الدولة الوطنية المنفتحة المتفاعلة المستوعبة للجميع،؛ بحيث لا يشعر أحد بالاقصاء اوالاستبعاد.. دولة العدل والمساواة لجميع المواطنين بصرف النظر عن الدين أو المذهب أو القومية ..الدولة التي تعلي من قيم المواطنة باعتبارها العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين جميع الأطراف..
فالمواطنة هي الهوية الجامعة..وهي الركن الذي يحتمي به الجميع ..وهي التي تمنع ان تتغول فئة او طيف من المجتمع على الآخر..وهي التي تساوي الجميع من حيث الحقوق والواجبات..وهي الحل للكثير من التناقضات المجتمعية التي من الممكن ان تطرأ على العلاقة بين مكونات البلد الواحد..واخيرا.. فدولة المواطنة هي بالتأكيد المنظومة الذي قد لا يرغب 99% من ابناء طيف واسع واصيل من المجتمع في الانفصال عنها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 163-An-Nisa


.. السياسي اليميني جوردان بارديلا: سأحظر الإخوان في فرنسا إذا و




.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف


.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله




.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446