الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل مصرية .. الآن بدأت الثورة!

فادي عرودكي

2011 / 2 / 16
المجتمع المدني


أرجأت كتابة مقالي هذا لبعد أيام من تنحي الديكتاتور مبارك وسقوط نظامه المستبد حتى أتجنب الكتابة بالعاطفة، فالحدثُ جللٌ لم يصدّقه العقل، ومع مخالطةِ ابتهاج نفسٍ لدموعِ مقلتين لطالما حلمتا بحرية الإنسان العربي على أرضه العربية، كان من الصعوبة بمكان أن يطغى صوت العقل. لذا، آثرتُ التريث إلى حين يمكنني أن أسطر هنا ما يمكن أن يهمّ القارئ، فكانت هذه الرسائل:
رسالتي الأولى هي لأحرار مصر. أود أن أحيي الشعب المصري العظيم على صنع هذه الثورة المباركة. أحييه على تقديمه للإنسانية ثورة سوف يخلّدها التاريخ بحروف من ذهب في أشرف فصوله. سوف يخلّد التاريخ هذه الثورة السلمية الحضارية والتي بقيت لآخر لحظة متشبّثة بمطالبها المحقة والعادلة الدائرة في فلك استعادة الحقوق الإنسانية وما تتضمنه من حريات بديهية للشعب المصري الأبيّ. سوف يأتي يوم يتمّ فيه تدريس هذه الثورة في الكتب المدرسية والجامعية، وسوف يشار إليها كثورة غيّرت شكل مصر والمنطقة بل والعالم كله إلى الأفضل. خالدة هذه الثورة، ولن نحتاج بعد اليوم إلى أن نستشهد بالثورة الفرنسية أو الأميركية، فيكفينا فخرا أن نستشهد بالثورة المصرية. أحيي المصريين على إزاحتهم لديكتاتور متجبّر وطاغية من طواغي العصر الحديث، قد أعثى في مصر وغيرها فسادا كبيرا، ولكن الله يمهل ولا يهمل .. ودولة الظلم ساعة، ولكن دولة الحق ألف ساعة، وعلى الباغي تدور الدوائر.
ومن قبل ثوار مصر الأحرار، أوجه رسالتي الثانية لثوار تونس الذين أعادوا الروح للجسد العربي الذي اعتقدنا لوهلة أنه قد فارق الحياة. تحية للبوعزيزي – أسأل الله له المغفرة والرحمة – والذي أضرم في جسده نارا أشعل بها ثورة الحرية في أرجاء أرض العروبة كافة. تحية لأحرار تونس الذين ذكّرونا بالمثل الذي قول: كل شيء في الديكتاتورية على ما يرام، إلا آخر ربع ساعة ... ويبدو أن آخر ربع ساعة في الديكتاتوريات العربية قد حلّت. تحية لثوار تونس الذين ذكّرونا أن الشعب أقوى من كل قوة، وأنه إذا أراد الحياة فسوف يستجيب القدر.
رسالتي الثالثة هي للشعوب العربية وهي من شقين: أما الشق الأول فهو فيما يتعلق بأسباب ثورتي مصر وتونس. تصرّ الأنظمة العربية وقياداتها على أن المصريين والتونسيين قد ثاروا على نظام "العملاء والخونة"، فأسقط المصريون نظام كامب ديفيد على سبيل المثال، وأسقط التونسيون نظام بن علي المتعامل مع أميركا وفرنسا. وهي مغالطة كبيرة جدا يتم ترديدها وترديدها وترديدها (سيرا على مبدأ وزير هتلر للبروباغاندا جوزيف جوبلز في الكذب) حتى أن الزعماء العرب أنفسهم بدأوا يصدّقون هذه الأكذوبة العجيبة! إن الدافع الرئيسي لثورتي تونس ومصر ما كان اعتراضا على سياسة خارجية لنظاميهما، بل كان المطالبة بالحرية والحقوق الإنسانية في وجه نظامين استبداديين يحكمهما حزب أوحد لعقود وعقود على رأسيهما حاكم حكم تونس 23 عاما وحاكم حكم مصر 30 عاما. هي انتفاضة بوجه أنظمة المخابرات والأجهزة الأمنية. هي انتفاضة بوجه حرية مغيّبة ووسائل إعلام تهتف باسم القائد وعبقريته وحكمته وبطولاته وحزبه وابنه وزوجته وكلبته .. وحتى نعاله. ثورتا مصر وتونس قامتا لهذه الأسباب، وهي نفس الأسباب المتوفرة بغالبية الدول العربية ومنها تلك التي تتدعي أنظمتها أن ثورة مصر قامت على كامب ديفيد .. لا يا سيدي، بل هي قامت على انعدام الحرية، فكفى كذبا. لم يطالب ثائر واحد في مصر بإسقاط معاهدة كامب ديفيد أثناء التظاهرات بينما طالبوا جميعا بالحرية والديمقراطية، فكفى كذبا! أما الشق الثاني من الرسالة، فيا أيها العرب، تعلموا من ثورتي مصر وتونس، واعلموا أن إرادة الشعب فوق كل إرادة، وأنكم إن طالبتم بالحرية فلا بد أنكم آخذوها .. فالأنظمة الآن ترتعد، وإن لم يكن الآن يا جموع العرب، فمتى؟!
رسالتي الرابعة هي لشعبنا المصري الحبيب البطل. نجحت ثورتكم، وحققتكم مطلبكم الأول وهو تنحي الديكتاتور. ولكن الثورة لم تنتهِ بعد، بل بدأت الآن. ولا يعني هذا أبدا الاستمرار في التظاهر والاعتصام، فهذا شكل واحد من أشكال عديدة للثورة. بل هذا يعني أنكم مقبلون على مرحلة هامة جدا يتم فيها بناء أسس الوطن، أو عهد الجمهورية الثانية لمصر كما يصلح تسميتها، وما تتضمنه من حرية وديمقراطية ودستور عصري منصف ومؤسسات وطنية تعددية ومجتمع أهلي متمدن. والثورة أثبتت أنكم قادرون على ذلك، لذا فليأخذ الجيش فرصته، وليسهر الشعب مراقبا ثورته مساهما في بناء مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كلٌّ في موقعه، حتى تستعيد دورها العروبي والإقليمي الذي تستحقه، كأم للعرب وأم للدنيا. وليستمر الشعب في مطالبه المحقة مفسحا للجيش العربي في مصر فرصة تحقيقها، والجيش أعلم بأن هذه الثورة شرعيتها الوحيدة هي الشعب المصري، وأن الجيش يستمد شرعية حكمه من الشعب، وأن لا خيار لديه سوى تنفيذ مطالب الثورة وإلا فقد شرعية حكمه .. ويبدو حتى لحظة كتابة هذه السطور أن الجيش العربي في مصر يدرك هذه الحقيقة تماما ويسير بخطى ثابتة نحو تحقيق مطالب الثوار في تأسيس مجتمع مدني تعددي حرّ، وتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة ديمقراطيا في إطار نظام حكم برلماني ينتج عن دستور معدّل يعتمده الشعب وانتخابات تعددية نزيهة شاملة.
رسالتي الخامسة هي بخصوص الرئيس المخلوع مبارك. لقد نال هذا المتجبّر من الذل ما يستحقّه، وهل من المصادفة أن يتنحى عقب سنتين بالتمام تقريبا بعد حرب غزة الدامية التي شارك بها بشكل أو بآخر؟ وهل يردّ المولى دعوة مظلومة رفعت يديها لباريها مصلية لإحقاق عدالة السماء؟ سأعترف هنا ودون تردد، لقد رفعت يدي - وكثير من العرب والمسلمين - قبل عامين وتضرعنا إلى الله قائلين: "اللهم أرنا يوما أَسْوَدًا في مبارك" .. ولا يَرُدّ الله دعوة مظلوم. أما الآن وقد خُلِع من منصبه، وتجرع مرارة الذل، وفي ظل صحته المتدهورة ومرض السرطان الخبيث المصاب به، فأتمنى من الأخوة المصريين أن يصفحوا عنه وأن تتكفّل الدولة المصرية بعلاجه على نفقتها، بشرط إعادة كامل ثروته إلى خزائن الدولة المصرية، ومنع مبارك وعائلته من الدرجة الأولى من التدخل في الحياة السياسية. إن العفو من شيم الرجال، ويقول المثل: ارحموا عزيز قوم ذل.
رسالتي الأخيرة هي تعقيب على الحكم الصادر بخصوص المدوِّنة الشابة طل الملوحي (والتي اعتقلت عندما كان عمرها ثمانية عشر عاما ولم تكمل بعد الثانوية العامة). تم الحكم على هذه الفتاة البريئة بالسجن خمسة أعوام بتهمة إفشائها معلومات سرية عن سورية لدولة أجنبية (الولايات المتحدة). وأنا حقيقة أستغرب وبشدة طريقة التعامل هذه مع المواطن السوري، ففي الوقت الذي تقوم به جميع الدول العربية بالإفراج عن معتقلين أو توسيع هامش الحرية من ضمن حزمة خطوات إصلاحية، نرى في سورية تلفيق تهمة – لا تصلح حتى لمشهد سينمائي! – لمدوّنة في محاكمة جائرة تجعل المواطن يتساءل إن كانت سورية تقع على كوكب الأرض أم في كوكب آخر غير متصل بأحداث كوكبنا هذا ولا تنطبق عليه القوانين الإنسانية التي تنطبق على البشر في كوكبنا! لدي تساؤل واحد، وإن أُجيب عليه بشكل مقنع سوف أصمت إلى الأبد: كيف يمكن لفتاة عمرها 18 عاما أن تفشي معلومات سرية لدولة أجنبية؟ هذا مستحيل إلا في حالتين: إما أن تشغل هذه الفتاة منصبا حساسا يخوّلها الاطّلاع على معلومات سرية .. أو أن يكون هناك من يشغل منصبا حساسا قد أطلعها على معلومات سرية حتى تفشيها!! فالرجاء إعلام المواطن السوري بالمنصب الذي شغلته طل الملوحي عندما كانت في الثانوية العامة، أو إعلامه بالمسؤولين السوريين الذين تآمروا معها على سورية ... ولكن حقا: إن لم تستحِ، فاصنع ما شئت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا