الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القيادة الثورية والقيادة الفكرية

نهلة الجمزاوي

2011 / 2 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكتابة في ظل هالة التفاؤل بالنصر ، لها وقع غريب لم نعتده بعد ، بل أننا قد نقف عاجزين أمام الحروف التي اعتادت أن تأخذ مكاناتها في خاصرة الفكرة التي لم تغادر معاني الإحباط والأسى ورثي الحال منذ أمد بعيد ...ذاك الحال من التردي على جميع الصعد الحياتية الذي خيم على الحياة العربية برمتها حتى بات أمل الخلاص منه أمر بعيد المنال ...
الحديث في ظل فرح الإنتصار الذي بدأت تحققه الشعوب العربية فعلا قد يبدو مربكا أمام مسؤولية دقة التعبير وسلامة الكلمة ..وقد يحتاج هذا الى المزيد من التأني والتدقيق لا سيما أن الصورة لم تنجل جيدا حتى نتمكن من سدادة الرؤية وصحة التحليل. الوقوف على المشهد انطلاقا من فرحة النصر المباغتة التي داهمت قلوبنا وعقولنا وغمرتنا بالدهشة يجب ألا يقصينا عن تلمس بعض الحقائق لنواجه أنفسنا بماهية وحقيقة النصر المتحقق.
وإذا كان علينا أن نتحلى بأخلاقيات المثقف العضوي الذي عبّر عنه المفكر الإيطالي المناضل "غرامشي " بأن ننأى عن دور المنظّر القابع في برجه العالي لنوظف الثقافة في معالجة تفاصيل الشأن الإجتماعي للناس في كل المحطات ، فهل كان للمثقف العضوي دورا في تلك الثورات التي غمرتنا سعادة ودهشة .
لا أستطيع إخفاء تشاؤمي من نتائج ثورة شعبية نبيلة شجاعة كثورتي تونس ومصر ولا أنكر أن هذا انجاز هائل مدهش لم نتوقعه لا سيما أنه مبادرة شبابية تنم عن أمل كبير بجيل يحمل مشعل التحرير للإنسان على وجه الكرة الأرضية جمعاء . إلا أن توجسي يكمن في ثورة شعبية مطلبية لم تسبقها ثورة فكرية متنورة تطالب بنبذ الظلم الواقع على العقل العربي وحصره في أطر غيبية ثابتة غير قابلة للمراجعة والنقد والتحليل ..
الشعارات البراقة الجميلة والمشروعة التي حملتها جماهير الثورة الشعبية في تونس ومصر حول الحرية والخبز والأمن كلها تصب في أطر تحسين الوضع المعيشي للإنسان العربي . لكني لأ أخفي حزني أنها لم ترفع شعار المطالبة بحرية الفكر كحق إنساني وكضمانة لإحداث تغيير حقيقي يقلب وجه المنطقة وينتقل بها الى سدّة الحضارة الحقيقية التي لا رجعة عنها مهما تغيرت الظروف السياسية في المكان . الإنقلاب الفكري التحرري هو ما نحتاجه فعلا ليتخلص الوطن العربي من موقعه المسمى بشعوب العالم الثالث أو الدول النامية والتي تحمل دلالة تصنيفية تضعنا في ذيل الحضارة والتطور .
لم أر شعارا واحدا يطالب بإلغاء العقوبات المترتبة على حرية التفكير والتعبير والتي لا زالت تودي بالمفكر الى السجن أو حتى الموت.
نحن بحاجة ماسّة الى حركة تنوير شاملة ، كتلك التي حملها رواد الفكر العربي الحديث منذ بدايات القرن التاسع عشر كرفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وفرح انطون وسلامة موسى وغيرهم الكثير الكثير ممن ساهمت أفكارهم
في تحقيق نقلة نوعية في تاريخ مصر على وجه الخصوص، حيث شهدت تطورا ملحوظا في جميع شؤونها وعلى رأسها الثقافة والأب والفن والحريات العامة. كما جوبهت حركتهم تلك بحركات ظلامية منظمة ومدروسة لتحديد وتحجيم أثر تلك الحركة على المجتمع حتى لا تحمل طابع ثورة فكرية لها أن تحدث تغييرا جذريا حقيقيا في المنطقة كما فعلت الثورة الفرنسية في تغير وجه أوروبا الحضاري جمعاء .
أكاد أجزم أن أمريكا لم تكن لتتورع عن تحريك أسطولها السادس لو أن ثوراتنا هذه على أهميتها تشكل خطرا حقيقيا يمكن له أن يغير وجه المكان ليسلبها سيطرتها على المنطقة ولم يكن خطاب الرئيس الأمريكي بهذا القدر من الحنان على الشعوب العربية لو أن الثورة الشعبية متكئة على ثورة فكرية تنويرية قادرة على نقل الوطن العربي الى مكانة الدول الحضارية العظمى .
مدعاة التشاؤم أن ثورتنا تتم في ظروف مغايرة تجاوزتها أوروبا وأمريكيا وبقية الشعوب المتحضرة منذ زمن بعيد ، فهي تتم في ظروف تخلف حضاري لازالت ترزح فوق عقولنا ، فثمة هوة عظيمة تقع بين القيادة الثورية والقيادة
الفكرية لا بدّ من ترميمها ليصبح التمرد منهجا شاملا يمكننا من الإنطلاق اللانهائي من التخلف نحو فضاءات الحضارة .
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي


.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية




.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا