الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بجس الحرية .. ليبيا

ماهر علي دسوقي

2011 / 2 / 22
المجتمع المدني


إعلم ان في التاريخ علمٌ ومعلم، لمن اراد الإتعاظ، فاولئك الذين سبروا غوره ووقفوا على طبائع الشعوب وتحلو بمعيار الحكمة والبصيرة، واسقطوا من حساباتهم إستمراء خضوع العامة، وجدوا انفسهم يدركون معاني ثورات المضطهدين وبأسهم في مواجهة الطغاة.

فعندما تتشظى المفاهيم الأساس، وتستعبد النفوس وتغتصب العقول وتُفسد مناخات الحرية، وتتعدد مظاهر الاضطهاد، وتُحشر البلاد والعباد بين فكي الفساد والإستبداد من جهة ولقمة العيش غير الكريمة من جهة ثانية .. فانها الثورة قادمة لا محالة ..

الحرية تلك الكلمة السحرية التي ما ان تتفاعل بين صفوف الشعب حتى تقلب المِجَن على رأس المتشبثين بالحكم الفاسد ، وتحول حياتهم من نعيم مسروق الى جحيم عاتٍ.. مع ان اكثر ثورات الحرية فرادةً تلك التي تُنفذ حكم الارادة الشعبية في الطغاة والمجرمين، فتعيد الحقوق الى اصحابها والبلاد الى مجد حضورها، وعمق تاريخها الوضاء ..

هي شرارة الثورة الاولى اذاً التي ما ان تبدأ حتى تندلع النيران في الحطام المتآكل وبقايا العروش، وتتمدد الى الاتجاهات كافة وتفعل في لهيبها وإرتداداتها ما لم يفعله "زلزال" من قبل، فتذهب بالعروش وسلاطينها الى غير رجعة..

فالقول.. قول الشعب وجموع المقهورين هنا .. وسيدة المكان هي الارادة، لا اداة قمع النظام.. وسيد المشهد بلا منازع هو الشعب الذي اكتوى بظلم الطغاة وارهاب زبانيته..

وبدخول الحراك العام يتبدل الحال على عكس ما كان او على ما ألفه النظام، فرياح نار الثورة تأتي على هشيم الاستبداد وبقايا الفساد .. الذي اكل الدهر عليه وتغوط المره تلو الاخرى.. فبانت سَوءَته وقبحت معالمه وملامحه .. ويصبح التغيير بدّاً مطلقاً..

في البدء يتكسر حاجز الخوف والتردد والارتياب وتتدفق مشاعر العامة لتزيل الجُدر والحواجز ومتبقيات أنفاس نجسة ، ليُشَرع بعد ذلك بنفض الغبار والعفن عن الكواهل .. فالانطلاق الى اعادة التنظيم ، ورحاب الحرية الواعدة .. فيسقط حَجرٌ واحتجازٌ طال أمَدَه او لربما قصر، فيزال تزوير الوعي حول "الحقوق السياسية او المدنية" التي خطها الزعيم الملهم او القائد المبجل، او سيف الله ، او ظل الله على الارض او ما شابه من تسميات لحشر الشعب في عباءة القائد ونظامه ، فالحاكم هنا حامي الحمى والشعب والوطن وثرواته والخروج عليه يعني الخروج على القيم والقوانين والاعراف ولربما الخروج على "الله" .

هي لحظة انفجار الفعل وعودة الوعي .. ليتلمس الشعب المعاني الحقيقية للحقوق السياسية والحريات العامة ، التي لا تكاد دوله من دول الاستبداد العربي تتحدث عنها وتشبعها نقاشاً وهمياً، وكل نظام على طريقة "شيخة الحاكم" ، على ان المقصود بالحقوق والحريات السياسية العامة ، وفق ما اتفق على ذلك فقهاء السياسة والقانون، من اهل التنوير والعزم ، هو ان يكون الشعب مصدراً للسلطات وصاحب السيادة العليا في شؤون ادارة البلاد، سواء عن طريق الاختيار المباشر للحاكم، او عبر مراقبته والضغط عليه والتأثير في اتخاذ القرار .. او محاسبته وصولاً الى عزله ان اقتضت الظروف العامة ذلك ، اضافة الى الانتخابات النيابية الدورية وغيرها من ادوات المشاركة الشعبية عدا عن حرية الاعلام وفصل السلطات وتشكيل الاحزاب، والقضاء النظيف، وتطبيق العدالة الاجتماعية على ارض الواقع.

ومما لا شك فيه ان خير النظم هي تلك التي تُبنى على الاعتراف وتقوم طواعية على احترام كرامة المواطن في عيشه، ولقمة اسرته، وعمله ونشاطه الاجتماعي والسياسي ..الخ، فهذه الحقوق والحريات على اتساعها كُلٌ غير قابل للإجتزاء ..

وفي الشأن العربي، تتعدد مظاهر القمع والقهر والذل والاستبداد واللصوصية، على اختلاف اوجهها والوانها، فأصبحت "مدارس" حقيقية لكل طغاة العالم، رغم ان بدايات هذه الطغم الفاسدة لاقت الدعم والتأييد من قبل الامبريالية الامريكية ومثيلاتها الكونية، فتأصلت بفعل الحماية الخارجية، ألا انها تجاوزت اسيادها في القهر والتعليق على اعواد المشانق، والصعق بالكهرباء وصولاً الى اذابة الكثير من المناضلين بالاحماض الكاوية فتمثل قادة تلك الانظمة جنون العظمة بكل فاشيتة .

وما يحدث هذه الايام في البحرين واليمن وليبيا، وتحديداً الأخيرة، لا يمكن تصوره في اعتى الكوابيس فالطائرات الحربية والدبابات والآليات الثقيلة تفتك بالمواطنين العزل، لا لشيء الا لإبقاء الطاغية على رأس "اللانظام" الذي صنعه و/أو ابتكره .. مأفون يدعى "بالقذافي".. ولعله في ذلك يريد ان يسترجع بعضاً من فاشية موسوليني والحجاج ويزيد بن معاوية وهولاكو ودراكون اليونان ..

إنها الثورة على حقيقتها جلية وأنه الاستبداد على أذمِّ وجوهه في ليبيا .. الشعب في حالة اصطفاف قل نظيرها، دخل المنازلة بإرادته وحسب .. رافعاً شعاره "الكرامة للوطن والموت للمجرمين" في حين حشد اللانظام من المرتزقة والانكشارية و المماليك والعصابات ما لا يوصف لقتل المدنيين الأبرياء في ظل تآمر دولي على الشعب لإبقاء مصالحهم النفطية متدفقة .. ففي الوقت الذي سارعت الولايات المتحدة لخلع كلاب حراستها في تونس ومصر صاغرة لإرادة الشعب لتمرير مخططها الخاص والجاهز هناك، ما زالت غير آبهة بما يجري في الجوار .. طالما لم تعد خطتها الإجهاضية لثورة احفاد عمر المختار ..

وسواء تدخلت قوى الاستكبار والاستعمار الدولي لصالح مصالحها ام لم تتدخل فيبدو ان الشعب الليبي أخذ قراره في المضي قدماً نحو الحرية والانعتاق من براثن العبودية والاستعمار فإرادة الشعوب اقوى من واشنطن وغيرها رغم الدمار والتدمير والقتل .. معيداً للأذهان قول ذاك الشيخ الكوبي الذي انتصر على البحر العاتي واسماك القرش بعد ان عاد منهكاً محطماً من رحله تمرده على من استصغر شأنه قائلاً: قد أبدو محطماً نزفاً مدمراً.. لكنني ابداً لم أهزم.. فالمناضل قد يدمر ولكنه لا يهزم..
هذه ثورة ستنبجس عنها عيون حرية كثيرة .. فترقبوا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاجرام متاصل
جميلة الجزائرية ( 2011 / 2 / 23 - 06:23 )
ان تدمير الحجاج ومن قبلة يزيد للكعبة بالمنجنيق والنار واستباحة يثرب ومكة بكل ما فيها اجرام خلص وذات الامر ينسحب على الكثير ين من الخلفاء والسلاطين فماذا عن من سمى نفسة بالسفاح وهكذا الى اخر الاسماء
اخ ماهر تحيية للك


2 - الشيخ والبحر
ايمن النوبى ( 2011 / 2 / 23 - 06:29 )
كتاباتك فيها مقارنات مميزة وصور من الواقع والتاريخ اخ ماهر


3 - عيون الحرية الدافقة
ناهدة المصرى ( 2011 / 2 / 23 - 06:37 )
نعم انها فاتحة خيرررر رغم القتل والهمجية


4 - ترقبوووااا
ابراهيم نصر ( 2011 / 2 / 23 - 06:44 )
همجية الصهاينة واتباع امريكا واحدة وكذللك اصحاب التاريخ المزيف ان لليبيا ما لها بعد هذة الثورة العظيمة رغم كافة مظاهر التدمير
النصر للشعوب


5 - الدمار لا يعنى الهزيمة
فاطمة معمر ( 2011 / 2 / 23 - 07:07 )
ما اجمل رواية الشيخ وا لبحر وما اروع التشبية


6 - الحرية للجزائر
جميلة الجزائرية ( 2011 / 2 / 23 - 07:13 )
الحرية الحرية الحررريةللجزائر

اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر