الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البدوي والوطن

متعب عالي القرني

2011 / 2 / 23
المجتمع المدني


حتى نفهم علاقة البدوي بالوطن علينا أن ننظر في مقارنة بسيطة بين دولة تقوم على الحضارة والاهتمام بأمر الوطنية وبين دولة تعيش على النظام القبلي تهتم بأمور أخرى بعيدة عن الوطن! أما الدولة الأخيرة (دولة النظام القبلي) فغالب أفرادها لا يعي أهمية الوطن، وذلك لأن الولاء الوطني يضيع مقارنة مع ولائات أخرى يجدها القبليون أكثر أهمية وأجدر بالاهتمام، فولاء القبلي في المرحلة الأولى لنسله ونسبه، بمعنى أنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالولاء الإنساني لا الوطني، فتجده في كل مصعد ومنحدر يردد اسم ابوه ومآثر قبيلته ومفاخر عائلته وحروبها وحينما يسأل عن أصوله الأولى، يقول أنا من بني فلان وبني علان، ولا يذكر أصله ومنشأ ولادته، فلا يعيد نفسه لوطنه ومسقط رأسه بل لقبيلته، (لاحظ في الدول الأخرى البعيدة عن القبلية أو الأقل اهتماماً بالقبائل كمصر مثلاً تكون إجابة الفرد الأولى على سؤال ما هي أصولك؟ من مصر أو من الالكسندرية!، بينما الخليجي المهتم بالقبائل كثيراً يبتدر السائل بإجابة كأنا من بني فلان، رغبة في أن يسمع كلمة والنعم!)

فأهم ما يملك هذا القبلي أن يرى شيخه ورئيس قبيلته في سعادة ورغد وأن يرى جميع من حوله في صحة وسلامة وبهذا يكتمل لديه ولائه الإنساني، ورغم أن البعض يلاحظ أن القبلي يحب دياره حباً جماً وعشقاً مفرطا، فنجد على سبيل المثال أن أغلب القبليين ينصرفون عن مقرات أعمالهم في إجازات الإسبوع متجهين إلى ديارهم بدعوى حبهم وتعلقهم بأوطانهم! إلا أن الحقيقة أن ذلك الحب لم يكن وليد المكان والوطن بقدر ما هو نتاج عن حب الإنسان الشاغل لتلك الديار على وجه الخصوص، وقد أشار لذلك الشاعر القبلي المجنون قيس بن الملوح سابقاً في إحد أبياته حين أنشد:

أمرُ على الديار ديار ليلى … أقبلُ ذا الجدارَ وذا الجدار
وما حبُّ الديار شغفن قلبي … ولكن حبّ من سكن الديار

فيتضح من القصيدة أن حب الديار والمنطقة التي يزورها ويمر عليها المجنون ليست الدافع لشغفه بها، إنما الدافع حب من سكن تلك الديار، وهذا حال القبليين اليوم فلو أن الإنسان القبلي يعيش مع أهله واسرته وقبيلته في أرض أخرى غير الأولى، سيرى أن الأرض الأخرى أفضل وأجمل وأروع من الأولى التي تعتبر وطنه الأصلي.

إضف إلى الولاء الإنساني الولاء الحيواني والنباتي، فتجده يهتم بماشيته وإبله ويساوم عليها ويحاذر من بيع أفضلها، بل ويدفع الغالي والرخيص من إجل اقتناء ناقة من سلالة معينة وأسرة عريقة، وداع تمسكها بها هو الاستفادة من ظهورها ولحومها، وحتى يتحقق ولائه الحيواني كاملاً، نجده شديد القرب من الولاء النباتي، فتجده يحافظ على الزراعة والنخيل ويسير مسافات شاسعة بحثاً عن الكلأ والعشب ويوليه كل اهتمام كونه يمثل الغذاء والطعام لأنعامه ومواشيه.أما الولاء الوطني الذي ليس لها علاقة بالولاءات الإنسانية والحيوانية والنباتية فلا يثير له القبلي أدنى إهتمام، فالقبلي سيسكت إن سُلبت دياره متى ما وجد أن ولاءاته الأخرى متوفرة (اسرته وحيواناته ومزارعه).

وبتأمل بسيط في حال البدو والقبائل الرحل منذ القدم سنجد أن السمة الطاغية على حالهم هي الهجرة والتنقل طيلة السنة من منطقة إلى منطقة، فليس لهم وطن يقلهم ويأويهم، فالأرض التي لم يتوفر فيها الطعام يهجروها ويدعوها ولا يسعوا لتوفير بيئتها المناسبة وتهيئتها مرة أخرى حتى ولو كانت تلك الأرض هي مهد وموطن أولادهم وأجدادهم السابقين، فالأهم من كل ذلك الرحيل بحثاً عن أرض أخرى يتوفر فيها الكلأ والعشب بحيث ينصبون خيامهم حولها وينسون كل ما يمت لهم بصلة بالأرض السابقة، وبهذا يكون الوطن لديهم أقله أهمية من كل النواحي الحياتية الأخرى، وبهذا استمر حال البدوي والقبلي على التبجيل الإنساني للشيوخ ورجالات القبيلة والحيواني بمزايين الإبل وبيع الأغنام والنباتي بحب المزارع وحصادها والنخيل وتمورها بعيداً كل البعد عن الولاء الوطني الذي هو أغلى ما ينبغي أن يعتني بها الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب العلوم السياسية بفرنسا يتظاهرون دعمًا لغزة


.. علي بركة: في الاتفاق الذي وافقنا عليه لا يوجد أي شرط أو قيود




.. خليل الحية: حققنا في هذا الاتفاق أهداف وقف إطلاق النار وعودة


.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو




.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع