الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس الفلسفة الماركسية

نعيم إيليا

2011 / 2 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1- مقدمة.
هل يتأتى لنا أن نسلّم بأنّ ما يدعى بالفلسفة الماركسية، ليس أكثر من تجميع لشذور الفكر الإنساني منذ أن بدأ هذا الفكر انطلاقته المذهلة الرحبة في بلاد الإغريق؟ إنّ الجواب بنعم عن هذا السؤال لن يكون صعباً على المحقق الباحث في "كراسات الفلسفة" الماركسية التي تزدحم بقضايا فكرية ليس بينها قضية واحدة وحيدة إلا وهي مقتطفة من شجرة المعرفة الإنسانية التي أنبتتها عقول الفلاسفة السابقين (واللاحقين) على مرّ القرون.
وربّ سائل يسأل: فإذا لم يكن للماركسية فضل في إبداع فكر فلسفي خاصّ بها، فأين يتجلّى فضلها إذاً، وقد أقرّ بهذا الفضل ملايين من الناس في جميع أصقاع الدنيا؟
للإجابة على هذا الاستفسار، لا بدّ قبل ذلك من تذكر القضية الفلسفية الأولى التي احتضنتها الماركسية بقوة، والتي هي – كما صرّح لينين – القضية الأصل التي تنهمر بسائر القضايا الفرعية والجزئية؛ إنها قضية العلاقة بين المادة والوعي؛ كي يكون هذا شاهداً على الماركسية أنها ليست فلسفة مبتدِعة كما جاء في الاستهلال. وقد عبّر ماركس عن هذه القضية بقوالب لغوية متعددة، منها قوله في مؤلفه (نقد الاقتصاد السياسي): "
Es ist nicht das Bewusstsein der Menschen, das ihr Sein, sondern umgekehrt ihr Gesellschaftliches Sein, das ihr Bewusstsein bestimmt"
أي ليس وعي الإنسان هو الذي يحدِّد وجوده، بل هو الوجود الاجتماعي الذي يحدد وعي الإنسان.
ومن ذلك أيضاً قول لينين:
" Die Materie ist. . . . die objektive Realität Empfindungen gegeben Mann in seinem, eine Realität, die kopiert wird fotografiert und reflektiert durch unsere Empfindungen. "
أي أنّ المادة هي الواقع الموضوعي المعطى للإنسان في وجوده، والذي يتمثل وينعكس على مرآة حواسه.
حيث يستنتج من قول كليهما: أن المادة هي أصل كلّ شيء، وأنّ وجود الإنسان خاضع لها مرتبط بها أوثق ارتباط. كما أنها هي التي تكوّن وترسم ملامح وعيه وإدراكه.
فإذا استُذكِرت هذه القضية الجدلية، وعُلم – والماركسية تعترف بهذا ولا تنكره- أنها قضية متداولة بين الفلاسفة قبل الماركسية بأزمان بعيدة؛ وليست مبتكرة أبدعها ماركس وإنغلز أو تلامذتهما إبداعاً لم يسبقوا إليه – يكفي هنا أن نستحضر رأي الفيلسوف اليوناني (إبيكور) في مادية العالم، وأن نستحضر من جانب آخر نظريات تأثير العالم الخارجي الموضوعي في حواس الإنسان لدى جون لوك ودافيد هيوم ومن قبلهما أرسطو وتلامذته كالفارابي الذي كتب في رسالته (الجمع بين رأيي الحكيمين) مؤكداً دور الإحساس في اكتساب المعرفة وتكوين العقل: " وقد بيّن أرسطو في كتاب (البرهان) أن من فقد حسّاً ما فقد علماً ما. فالمعارف إنما تحصل في النفس بطريق الحسِّ.." رغم أنّ الفارابي كان يعتقد باحتواء النفس على المعرفة في أصل تكوينها -، فلن يبقى من بعد الاستذكار إلا أن يُجاب السائلُ بأن فضل الماركسية إنما يردّ إلى أمرين:
1- أنها اختارت فأحسنت الاختيار من ثمرات الفكر الإنساني، وكل ذلك على ضوء العلوم الحديثة.
2- أنها أوّل فلسفة مادية توظّف مبادئَ الفلسفة العقلانية ذات الطابع التأملي، في حياة الناس الاجتماعية، على غرار الداروينية الحديثة التي تسخّر الحقائق العلمية البيولوجية التي اكتشفها تشارلز داروين على حياة الجماعات البشرية وعلى الأفراد. ولعلّ هذا التوظيف أن يكون أحد أهمّ وأخطر مآثرها إطلاقاً.
إنّ هذا التقييم للفلسفة الماركسية يشهد ظاهرُه على تماسكها وصحتها. بيد أنّ شكوكاً محرجة ما تلبث أن تطفو على سطح الذهن عند التحرِّي عن حقيقة تماسكها، ومقدار صحة مبادئها الفلسفية، ولا سيما تلك التي أُقحِمت في مجال تاريخ المجتمعات الإنسانية، وتلك التي تلبّست ألواناً من التعبير شفّت عن تناقض وضعف، وهي حقائق ومبادئ ستعرض في أحاديث قادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة