الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا عجز عن القيام بالثورة شباب عشرات الالاف من المساجد في عالمنا العربي وقام بها شباب الفايس بوك؟

الطيب طهوري

2011 / 2 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1- لأن خطاب المسجد خطاب وعظي إرشادي إصلاحي ، يفصل غالبا بين سلوك الفرد ومجمل الظروف التي يعيش فيها وتؤثر قيه وعليه..يدعوالناس إلى الابتتعاد عن الرشوة فتزداد انتشارا..يقول لهم: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) فيزدادون تبذيرا..ينهاهم عن الغش قائلا: من غشنا فليس منان، فيفتحون دكاكينهم ويغشون..يقول لهم : آيات المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أمهل وإذا اؤتمن خان، فيتضاعف كذبهم ويغيب احترامهم للوعود أكثر وتزداد خياناتهم للوقت والعمل ، ولبعضهم البعض.. وهكذا..لا يسأل أبدا: لماذا يحدث من الناس دائما عكس ما أدعوهم إليه..؟
2- لأنه خطاب إلقائي لا مجال فيه بالمرة لطرح الأسئلة وإبداء الرأي والمناقشة والاعتراض..
3- لأنه خطاب يحيل إلى الماضي ..يجتر بصورة مستمرة ما يراه ويعتقده من امجاد فيه ..ويدعو الناس إلى اتباع أصحاب تلك الأمجاد الذين يقدمهم بصورة مثالية مطلقة تظهرهم وكانهم ملائكة، لا بشرا يخطئون ويصيبون..
4- لأنه خطاب مبني في الأساس على فكرة القضاء والقدر بمفهومها السلبي السائد في عقول الناس ، والتي تجعلهم وكأنهم لا مسؤولية لهم على أفعالهم ، ولا مسؤولية لمستغليهم في ذلك الاستغلال.. هكذا يتكلم الناس عندنا وبلغة العجز التام : نوكَّل عليهم ربي..
5- لأنه خطاب يكثر من لغة التخويف – في الغالب – من نار جهنم وعذاب القبر ، ويعتبر التدين الشكلي المفرط هو وسيلة اتقاء ذلك العذاب..
6- لأنه خطاب يعادي في جوهره كل قيم الحداثة والعقلانية وينفر الناس منها ويدعو على اصحابها بالهلاك والخسران المبين..
7- لأنه خطاب يكثر من الدعاء المفرط ، بما يعنيه ذلك من غرس لروح الاتكالية في نفوس الناس وتقليص لفاعليتهم في الحياة ولتحمل مسؤولياتهم فيها ، وبما يؤدي إليه من تنفيس لهم مما يعانونه من إحباطات ناتجة عن محاصرة المشاكل اليومية لهم وانغلاق أبواب المستقبل أمامهم ...إلخ..
8- يهتم سباب المساجد بإقامة حلقات الذكر التنفيسية بما تعنيه من تعلق كبير بالاخرة وامل عريض في الدخول إلى جنتها والتمتع بما فيها من متع حسية مغرية : انهار من خمر لذة للشاربين - غلمان مولدون – كواعب اترابا – فواكه متنوعة – راحة تامة ...وفي مقابل ذلك يهملون بشكل تام حلقات النقاش التي تطرح قضايا مجتمعاتهم المحلية والبشرية وما فيها من ظواهر ، وهو ما لا يساعد بالمرة في تطوير عقولهم وتحسين مداركهم وارتقاء وعيهم بما يجعلهم اكثر شعورا بمسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم ..تكفينا الإشارة في هذا الإطار إلى ما يلاحظ من تراكم للأوساخ في الكثير من احيائنا الشعبية دون ان يكلف أولئك الشباب انفسهم عناء القيام بحملات تنظيفية ، أو التفكير فيها حتى ، وهو ما يبرز مدى سلبيتهم ولا مبالاتهم .. وقس على ذلك الكثير من الظواهر السلبية التي تنخر مجتمعاتنا ، دون ان تثير فيهم أي شعور بمسؤولياتهم تجاهها..
إن خطابا بالمواصفات التي وضحنا وممارسة كالتي مثلنا لها لا يمكن ان تؤدي إلا إلى ترسيخ ظاهرة القطيعية ( من القطيع ) الاجتماعية التي تتميز بالتشابه التام تقريبا في التفكير والسلوك والتصور والموقف ..ولا شك ان مجتمعا بهكذا مواصفات لا يمكن ان يدرك اهمية الديمقراطية أو يفكر فيها حتى ، كما لا يمكنه تصور المستقبل الذي يريده إلا في الماضي..
خطاب المسجد راهنيا خطاب ماض لا خطاب مسقبل..خطاب جماعة طيعة مطيعة لا خطاب ذات فردية متفتحة على الاخر وحرة التفكير..خطاب إتباع لا خطاب إبداع..
ومستقبل المجتمعات يبنى بالإبداع ..بالحرية الفردية..بالاندماج في قضايا المجتمع بروح مسؤولة ووعي مدرك.. بتامل تجارب مختلف الشعوب والاستفادة منها..لا بالهروب من الواقع واللامبالاة بما يجري فيه واعتبار تجارب الآخرين المغايرين والمختلفين وفلسفاتهم المتنوعة وإبداعاتهم الفنية ونظمهم السياسية رجسا من عمل الشيطان يجب تجنبه والعمل على إبعاد الناس عنه.. ولا عجب بعد كل الذي ذكرت أن نرى مكتبات مساجدنا تخلو تمام الخلو من الكتب غير الدينية..
غني عن البيان إذن القول بأن هذا الخطاب لا يؤدي إلى شيء سوى تأبيد بقاء الأوضاع على حالها، وهو ما يخدم بعمق أنظمة الاستبداد ويرسخها ، بل ويؤبد استمرارها..
أولم يقل الكواكبي : أقلُّ ما يؤثّره الاستبداد في أخلاق الناس، أنَّه يرغم حتى الأخيار منهم على إلفة الرّياء والنفاق ولبئس السيّئتان، وإنه يعين الأشرار على إجراء غيّ نفوسهم آمنين من كلِّ تبعة ولو أدبية، فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح، لأنَّ أكثر أعمال الأشرار تبقى مستورة، يلقي عليها الاستبداد رداء خوف الناس من تبعة الشهادة على ذي شرّ وعقبى ذكر الفاجر بما فيه. ولهذا، شاعت بين الأسراء قواعد كثيرة باطلة كقولهم: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وقولهم: البلاء موكولٌ بالمنطق. وقد تغالى وعّاظهم في سدِّ أفواههم حتى جعلوا لهم أمثال هذه الأقوال من الحِكَم النبوية، وكم هجوا لهم الهجو والغيبة بلا قيد، فهم يقرؤون: لا يحبُّ اللهُ الجهر بالسّوء من القول ويغفلون بقية الآية، وهي: إلاّ من ظُلِم..
أولم يقل أيضا: أما أسير الاستبداد، فيعيش خاملاً خامداً ضائع القصد، حائراً لا يدري كيف يميت ساعاته وأوقاته ويدرج أيامه وأعوامه، كأنَّه حريصٌ على بلوغ أجله ليستتر تحت التراب.
أولم يقل اخيرا لا آخرا: الاستبداد يُضطرُّ النّاس إلى استباحة الكذب والتحيُّل والخداع والنِّفاق والتذلل. وإلى مراغمة الحسِّ وإماتة النفس ونبذ الجدّ وترك العمل، إلى آخره..
هكذا إذن يصير الخطاب المسجدي في راهن اليوم والاستبداد صنوين ، يساهم الأول في خدمة الثاني بما يكونه من عقول مفصولة عن واقعها ولا مبالية بما يحدث فيه وعاجزة تمام العجز عن تتنظيم نفسها بما يجعلها قادرة على الفعل الإيجابي المؤثر...إلخ..ويساهم الثاني في خدمة الأول بما يعمقه من يأس في نفوس الناس وعجز في عقولهم وهو ما يدفعهم أكثر إلى الهروب إلى المسجد وممارسة التدين الشكلي المفرط..و..
هكذا نبقى ندور في حلقة مفرغة تضيِّق علينا خناقها باستمرار..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الزناتي علال
أطيع الله والرسول... وأولي الأمر منكم ( 2011 / 2 / 27 - 06:47 )
أشكرك جزيل الشكر على هذا المقال التنويري. أريد، إذا سمحتم، أن أضيف نظرة من زاوية أخرى تفسر عجز شباب المساجد على الثورة وهي أن الإسلام وما جاء به فهو دائما لصالح الحاكم لأن الرسول كان حاكماً. فلن تجد آية واحدة في القرآن تدعو إلى ثورة المحكوم على الحاكم. كلها تدعو إلى العبودية وإطاعة ولي الأمر. المفكر السيد أحمد القبانجي في محاضرته -ثورة الحسين- أعطى تفسيراً دقيقا على هده الطاعة حيث قال: الثورة لم تكن دينية لأنه لا يوجد في القران أي نص يدعو إلى الثورة على الظالم بل على العكس هناك آيات عديدة تدعو إلى إطاعة أولي الأمر، لدرجة إن العديد من الغزاة اسلموا بعد سيطرتهم على الأمة الإسلامية، فهولاكو مثلا قد اسلم لأنه وجد في الإسلام تسهيلا لمهمة قيادته لمجتمع إسلامي، فالطاعة في الإسلام مجانية لا تكلف الخليفة أي شيء، والدليل على ذلك ظهور العديد من الخلفاء الظالمين دون أن يثور عليهم احد.

اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran