الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني في العراق

رائدة الغرباوي

2011 / 2 / 27
المجتمع المدني


بعد سقوط النظام في العراق قبل اكثر من سبع سنوات مباشرة سمعنا عن تأسيس احزاب وجمعيات لاعد لها ولاحصر واستبشرنا خيرا بأول لبنة لبناء المجتمع المدني ولكن بتحفظ ومراقبة ما سيجري والقلق هنا من دخول الديمقراطية بشكل مفاجئ بعد القهر وعدم المشاركة في الحياة السياسية ولا في بناء المجتمع ودون التدرج فيهما ربما يشكل اساسا لديمقراطية غير سليمة وحرية فوضوية بلا خارطة ولاحدود وانتظرنا وضوح الصورة فأن اي نجاح يقاس بمدى وضوح نتائجه وثماره على ارض الواقع ولكن لم يطول الوقت حتى تتكشف الصورة عن انه من المفروض ان تكون منظمات المجتمع المدني في خدمة الفرد لكن الحقيقة كشفت بأن بعض الافراد طوعوا المجتمع المدني لخدمة اغراضهم السياسية او هيمنتهم الفكرية والثقافية او لتعزيز موقف حزب او لنشر افكار طائفية واستفزازية وغيرها . ان تجربة المجتمع المدني العراقي التي تشكلت بعد عام 2003 مازالت غير ناضجة وغير فاعلة في المجالات التي بها ماعدا المنظمات ذات الطابع الديني والمذهبي التي تحقق نجاح بالآستفادة من حالة اليأس والاحباط التي يمر بها الشعب العراقي بسبب عدم لمس تغيير فعلي في حياة الناس فقد دخل المجتمع المدني دائرة التجاذب بين الاطراف المتصارعة وتوظيفه لخدمة مصالح فئوية جهوية لها علاقة مباشرة بالدولة والسلطة السياسية وسبب هذا كله لم نلمس نمو او تطور للمجتمع المدني في العراق سوى تطورات سلبية اضرت بالمفهوم العام له لذلك ولكي يكتمل هيكل العلاقة بين المجتمعي والسياسي وبخاصة ماينطبق على واقع مجتمعنا ومسارات الحدث السياسي بعد انهيار النظام الشمولي وسقوط الدولة الديكتاتورية فلابد من تفحص الافكار التي من شأنها ردم الهوة وتقريب المفاهيم بما يتناسب والوضع الجديد في العراق والتي ترتبط ببعض المكونات المستحدثة وفي المقدمة منها ما يخص المجتمع المدني الذي يعد واحدا من اهم المقاييس الحساسة ذات العلاقة الوشيجة بالمشروع الديمقراطي الحداثي الذي يجري وضع حجر الاساس له .
لايمكن تحقيق الديمقراطية السياسية في مجتمع ما لم تصير منظمات المجتمع المدني ديمقراطية باعتبارها البنية التحتية للديمقراطية في المجتمع بما تضمه من احزاب ونقابات وتعاونيات وجمعيات اهلية وروابط ومنظمات انسانية وشبابية ..الخ حيث توفر هذه المؤسسات في حياتها الداخلية فرصة كبيرة لتربية ملايين المواطنين ديمقراطيا وتدريبهم عمليا لآكتساب الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية في المجتمع الاكبر بما تنتجه لعضويتها من مجالات واسعة للممارسة والتربية الديمقراطية اضافة الى ان الادارة السلمية للصراع والمنافسة هي جوهر مفهوم المجتمع المدني .
يمر العراق حاليا بعمليتين مترابطتين وهما : بناء اسس المجتمع المدني و التحول نحو الديمقرتطية والصلة بينهما قوية وهما اقرب ان تكونا عملية واحدة من حيث الجوهر الا ان هناك مخاطر وتحديات كثيرة تواجه هاتين العمليتين بسبب ظروف العراق الامنية وبروز نزاعات من نوع جديد في العراق بسبب تعميق النزعة الطائفية والمذهبية والقومية والاثنية وغيرها ....وبالنظر الى ان تجربة الديمقراطية والمجتمع المدني حديثة العهد في العراق فهي تمر بمشاكل عديدة تجعل المواطن لايتفاعل معها وذلك لوجود خلط لدى شريحة كبيرة من العراقيين بين منظمات المجتمع المدني وبين الدولة فبسبب استبداد الدولة لعقود طويلة ترسخت في ذهن المواطن ان اي منظمة او هيئة هي من الدولة والى الدولة لذلك فقدت الجماهير ثقتها بهذه المنظمات خاصة مع وجود بعض الدلالات على صدق مايظنون كما ان بعض الجماهير لم تستعد شعورها بجدوى المشاركة وجدوى التضحيات ولم تلاحظ انعكاس ثمار العملية على الرفاه والحرية .كما ان الفساد الاداري الذي استشرى في المجتمع كان سببا في فقدان ثقة الجماهير لانه زعزع الاسس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ايضا بخلق فوارق طبقية وليدة الساعة والظرف . كما ان شعور المواطن بالاحباط نتيجة عدم تكريس الممارسات الحقوقية والقانونية التي تمنع اشكال التعدي على حقوق المواطنين الفردية والجماعية ففي نظر المواطن ان كانت الدولة لاتستطيع عمل شئ رغم امتلاكها السلطات وكل المقومات لفرض القانون وحماية المواطنين ولهذا السبب قد سطحت فكرة المجتمع المدني وخفضت واختزلت الى جمعيات غير حكومية تهتم بقضايا جزئية وتسعى للحصول على التمويل والتدريب والتشبيك مع الجمعيات المشابهة مما يجعل مركز الحركة الاجتماعية خارج المجتمع ويوجه النشاط الاجتماعي داخل الحقل السياسي الوطني وينتج تصورا قطاعيا للاصلاح الديمقراطي المطلوب ويفضي الى جعل القوى المحلية استطالات لقوى خارجية تتكمل هذه الاخيرة بأعالتها والانفاق عليها وتمويلها بغية افسادها حسب قابليتها لذلك على نحو مايجري في العديد من البلدان .كما ان عدم تأكيد العاملين في منظمات المجتمع المدني على استقلالية هذه المنظمات لذلك فقدت ثقة الفرد العراقي بحقيقة اهدافها فلم تكن بالوضوح المطلوب حول اعادة انتاج الثقافة والسياسة بالمجتمع باعتبارهما بعدين اساسيين في الحياة الاجتماعية كما ان انفصال منظمات المجتمع المدني في العراق عن مثيلاتها في المجتمع المدني العالمي وعدم وجود تواصل مستمر بالاخص مع الجمعيات التي تدعو للسلام وتناهض الحرب والعنف والارهاب .
كما ان انحراف هذه المنظمات عن هدف الاصلاح الديمقراطي واعتماد نهج نقدي لكل المبادرات وابراز دورها في محاولات الهيمنة الثقافية واحتواء وانغلاق .كما ان هذه المنظمات لم تؤثر في عملية اصلاح المنظومة التربوية او اقتراح مشاريع وتصورات بديلة وذلك لعدم تطوير استراتيجيتها فقد ابتعدت هذه المنظمات عن نشر ثقافة حقوق الانسان والمشاركة الديمقراطية وتكديس نشاطاتها غالبا في تعزيز الطائفية لدى الاوساط الرسمية والشعبية . وبسبب فقدانها الشفافية والمساءلة وعدم التداول لم يحصل القائمين عليها على الفرص المناسبة للتدريب والتطوير والتنشئة على قيم العدالة وحقوق الانسان ,والاهم من هذا انها لم تقوم بتفعيل الحوار بين مكونات الشعب العراقي من اجل بناء عراق جديد على اساس ديمقراطي يضم كافة المكونات بل عززت الشعور بالفردية والعشائرية والطائفية وبذلك فقدت مصداقيتها لدى كافة الشعب لذلك لم تشارك في تحسين اوضاع الفرد ماعدا بعض الحالات الفردية التي قدمت فيها خدمات بسيطة ولحالات غير جماعية مثل علاج بعض الافراد الذي من المفروض ان يكون مجانا وعلى عاتق الدولة . كما ان اغلب هذه المنظمات وان تقدم خدمات فهي ذا طابع سياسي تبغي الحصول من وراء تلك الخدمات على مطامع سياسية او هيمنة ثقافية تكبل الفرد العراقي اكثر واكثر بجعله مديونا لجهة ما . وهذا ما يعطي تصور بأن العاملين في هذه المنظمات ما هم سوى عاملين لدى بعض الجهات الخارجية او الداخلية التي تريد التحكم بالمجتمع عن طريق منظمات المجتمع المدني بالتاثير على افكار الناس الذين كانوا سابقا لم يخطوا لهم نهجا معينا في الفكر الانساني فهم ارض بكر وعقول خام يمكن تشكيله كما تريد المنظمة وذلك بعدم طرح خيارات عدة امام الجمهور بل توجههم حسب ما تقتضيه اهدافها واستغلال ظروف المجتمع الصعبة للمساومات الغير عادلة لبث افكار قوى متضاربة ومتنافسة وهذا ما يزيد الوضع تفاقما وكل الذي ذكرته انفا جاء بسبب دخول الديمقراطية والمجتمع المدني فجأة الى المجتمع الذي لم يهيأ لها ولم يتم التدرج والتثقيف لذلك والحديث هنا ليس عن عموم الشعب العراقي بل عن شريحة كبيرة في المجتمع عانت ولفترة طويلة من التهميش ولم تحصل على التعليم الكافي لحماية نفسها من هيمنة البعض ثقافيا وفكريا عليها وهذا يخلق لدي تصور بأن المواطن العراقي الذي باع اثاثه في العهد السابق لكي يوفر قوت يومه ولم يتبقى لديه شيئا ليبيعه في العهد الحديث سوى فكره من اجل الحصول على مادة استهلاكية او علاج طفل مريض وهذه اسوء صورة للاستغلال لانها تجر الفرد من الديمقراطية والانفتاح على العالم الى عضو في هيئة او منظمة تكرس وتعبئ للطائفية وتفكيك المجتمع بدلا من جمع الطوائف تحت خيمة الديمقراطية في بلد واحد ليشعر كل فرد بان له قيمة محفوظة وصوته ذا فاعلية بل على العكس من ذلك قد جرتهم من حياة الواقع المتطلب للتغيير الى الحسينيات والمساجد ومقرات الاحزاب والمنظمات وغيرها التي انشات لنفسها قوة تحميها بنفسها بسبب فقدان الامن واليأس والاحباط .
ان المجتمع المدني يجب ان يشغل السياسيين والمعنيين بشؤون المجتمع بنفس الدرجة التي يعنى بها رجال الاقتصاد ورجال القانون . ان كلمتي المجتمع المدني تشيران الى مكانة المؤسسة الانسانية غير المقهورة كما تشيران الى مجموعة من الشبكات ذات العلاقة المتداخلة يتم تكوينها من اجل سد الفجوة بين الاسرة من جهة وبين العقيدة والاهتمامات الفوقية والايديولوجية من جهة اخرى ومما يسوغ الاهتمام بتنمية ثقافة ومؤسسات المجتمع المدني هو تفكك الهياكل السياسية القديمة والذي يهدر في الوقت نفسه الروابط الاسرية والقبلية تحت وطأة حركة التمدن السريعة من ناحية واستحقاقات المجتمع الديمقراطي والفرد الحر من الناحية الاخرى وهذا ما يجعل التعويض عن هذه الهياكل والروابط بهياكل خصبة لقيام نشاط اقتصادي يدعم المؤسسات الكبرى او المشاريع التجارية الاسرية الصغيرة على السواء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا


.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف




.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا


.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة




.. هيئة التدريس بمخيم جباليا تنظم فعالية للمطالبة بعودة التعليم