الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكاليفالا في يومها الوطني

جمال الخرسان

2011 / 2 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الكاليفالا في يومها الوطني

لانه كان طبيبا وحيدا لقرابة الاربعة الاف شخص لذلك كان لزاما على الشاعر الفنلندي الياس لونّرت ( 1802 ـ 1884) ان يبقى مترحلا بين القرى والارياف والمدن الفنلندية لتأدية ما عليه من مهمة انسانية تجاه المحتاجين للرعاية الطبية من ابناء بلده، كان يجول الغابات عبر وسائط نقل مختلفة واحيانا سيرا على الاقدام لمسافات طويلة في ليالي الشتاء القطبية الطويلة جدا بين تلال مخيفة من الثلج والصقيع.
وبينما هو كذلك يتنقل من قرية الى اخرى ومن بيت الى اخر اخذ يسترق السمع لهمسات الامهات والاباء وهم يسلّون ابنائهم، في سكون الليل كان لونّرت يصغي بحواسه الخمسة لمقطوعة شعرية من هذه الجدة ولخرافة واسطورة من ذلك الاب الكبير.. ادرك وهو الشاعر المرهف والمتخصص ايضا في علم الفولكور انه امام مهمة ادبية انسانية من نوع آخر حتمت عليه تجميع وتدوين وتقديم ذلك التراث الفنلندي المتوارث ابا عن جد منذ ايام فنلندا الوثنية حينما كان الفنلنديون يعبدون كبير الاله اوكّو، موروث شكل نواة حقيقية فيما بعد لتاسيس هوية ثقافية خاصة لهذا الشعب الصغير، ادرك لونّرت ان المهمة الجديدة اكثر اهمية من الطب رغم حاجة الناس الانية اليه. وهكذا فجمع لونرت ما حصل عليه من اشعار شعبية وتراتيل وترانيم نتيجة تراحاله الذي استغرق اكثر من عشر سنوات واضاف له شيئا قليلا مستوحى مما سمع، قدم جميع ذلك بشكل فني متقن ملحمة تحت عنوان الكاليفالا عام 1835. وقد تضمنت قرابة الثلاثة وعشرين الف بيتا موزعة على خمسين انشودة وقصيدة شعبية.

جاءت الكاليفالا في خضم ارهاصات تشكّل الهوية الفنلندية التي كانت مشتتة بين غرب سويدي وشرق روسي، كان الشعب الفنلندي حينها خرج للتو من ثنايا الاحتلال السويدي الذي استمر لاكثر من ستمائة عام ابتداءا من القرن الحادي عشر حتى عام 1809 حيث بدأت بعد ذلك التاريخ مرحلة الاحتلال الروسي الذي بقي حتى عام 1917. فكانت لغة المخاطبات الرسمية هي الروسية فيما كانت السويدية لغة العلوم والنخبة وفي هذه المعادلة الصعبة كانت ولادة الملحمة التي حفظت الاف المفردات اللغوية الفنلندية من الضياع بحيث كانت الكاليفالا اشبه بالقاموس اللغوي في تلك الفترة، كما انها الاثر الاكثر تاثيرا في الهوية الثقافية والسياسية للامة الفنلندية، معظم التماثيل المنتشرة في فنلندا مستلهمة من مضامين تلك الملحمة، الكثير من الروايات الفنلندية الشهيرة قديما وحديثا هي الاخرى مستقاة منها وكذلك العديد من الالوان الادبية الاخرى، الموسيقار الفنلندي الاشهر سيبيليوس لديه مقطوعات كثيرة مستوحاة من الملحمة، اضف لذلك ان البنك الفنلندي المعروف جدا سامبو والذي تاسس عام 1887 مستوحى من الالة الاسطورية التي تجلب المال والذهب وفقا لما جاء في الكاليفالا.

اجواء الملحمة تدور حول نزاع بين مملكتين على امتلاك آلة اسطورية ساحرة تحقق كل الاماني وتجلب المال من حيث لا يعلم احد انها سامبو الطاحونة السحرية التي جلبها او صعنها بطل الاسطورة الحداد ايلمارينن كمهر الى سيدة الشمال البوهيولا لكي تهبه ابنتها التي يحبها كثيرا.

منذ العام 1920 اصبح الثامن والعشرون من شباط يوما وطنيا يحتفى فيه سنويا بالثقافة الفنلندية على شرف ملحمة الكاليفالا تقديرا لاهميتها وتاثيرها على مجمل الثقافة الفنلندية. ويتميز الاحتفاء بيوم الكاليفالا والثقافة الفنلندية في هذا العام عن الاعوام السابقة لان مدينة توركو الفنلندية تتقاسم مع العاصمة الاستونية تالين لقب عاصمة الاتحاد الاوربي الثقافية لعام 2011.
ترجمت الملحمة إلى قرابة الخمسين لغة من بينها اللغة العربية في ثلاث ترجمات: للبناني سحبان احمد مروة، والمصري محمود مهدي عبد الله، والسورية روز مخلوف.



جمال الخرسان
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على وقع التصعيد في رفح.. هل استفز نتنياهو مصر ودول الخليج؟ |


.. انهيار شبكة الكهرباء في عدن نظرا لانعدام الوقود وسط غليان شع




.. مدارس وجمعيات للحفاظ على فن -المالوف- في مدينة عنابة الجزائر


.. الجيش الإسرائيلي يحشد قواته على أطراف رفح تمهيدا لعملية واسع




.. مدفعية جيش الاحتلال توسع استهدافاتها في مدينة رفح جنوب قطاع