الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسقاط نظام المحاصصة الطائفيّة العرقيّة الحزبيّة هو الهدف الأوّل والأخير للشعب العراقيّ

سلام عبود

2011 / 2 / 28
المجتمع المدني


خلال الأيام القليلة الماضية التي رافقت ثورة الشعوب العربية ضد جلاديها وطغاتها المتنوعين، انفرد العراق عن خلق الله جميعا بميزتين خاصتين، راحتا تتكرّران يوميا على لسان الجميع صغارا وكبارا، يسارا ويمينا، هما: اختلاف الواقع العراقي عن غيره، واعتبار التغيير السياسي خطا أحمر لا يجوز النطق به.
ومن عجائب الواقع العراقي الخاصة جدا أن الجميع بدا راضيا عن هذين الشرطين المميزين، الشاذين إنسانيا، الى حد أن بعض المتظاهرين والنواب والمعارضين والعسكرين والحزبيين واللاحزبيين والمثقفين والأميين اعتبروهما دليلا على حسن النيات، وعلى الأصالة "المميزة"والطاعة واحترام القوانين. أي اعتبروهما، من دون خجل، دليلا على العبودية الدائمة، المعترف بها رسميا وعلنا، شعبيا وحكوميا.
لقد بدأ الأمر بالحديث عن أن العراق دولة ديموقراطية منتخبة، كما لو أن الانتخاب كنز الكنوز الفريد في نظر السياسيين الأميين، وهذا شأن أعجب من عجيب. كيف يكون حكم العائلة الاقطاعية ديموقراطيا! كيف يكون الطائفي والعرقي ديموقراطيا! كيف يكون الحزبي الذي يتقاسم وطنا ممزقا ديموقراطيا! وكيف يكون حكم مبنيّ على صيغة معادية لفكرة المواطنة ديموقراطيا! وكيف يكون حكم مؤسس على التقاسم الفاسد للسلطة والقوة والثروة ديموقراطيا! كيف تكون حكومة الميليشيات المسلحة حزبيا وحكوميا، والجنود المقنّعين، ديموقراطية؟ هذه أمور لا تدخل إلا في عقل جاهل، أحمق، من نمط الحكام العراقيين والمطبّلين لهم.
عسكري نكرة، من طراز حسين كامل والكيمياوي، رفعه بعض الإعلاميين التافهين الى منزلة القعقاع الجديد، اسمه قاسم عطا، يحدد، بوقاحة لا متناهية من على شاشات التلفزيون، للعلماء والمفكرين والأكاديميين والمهندسين والأطباء والحقوقيين والفنانين ما هو ممنوع وما هو غير ممنوع سياسيا وحقوقيا ودستوريا. سياسيون جهلة يعتقدون أن نظامهم سيصلح لو صلحت الخدمات، وأنه سيكون أفضل من نظام صدام وزين العابدين، الذي تفوق عليهم في الجانب الخدمي. هذا نظام إجتماعي أكثر من تافه.
شذاذ آفاق يرصدون حركة المواطن الأعزل من شرفات العمارات ولا يحسنون رصد الإرهاب والفساد بالمهارة والشطارة نفسها هم صناع الإرهاب والفساد الحقيقيون، وهم المجرمون الأكثر خطورة على مستقبل هذا الشعب.
العراقي كغيره من البشر يحتاج الى كرامة والى مواطنة والى حقوق مدنية دستورية، لا الى محاصصة طائفية عرقية أو حزبية. إن نظاما يقوم على هذه العناصر الثلاثة الفاسدة هو المصدر الأساسي للارهاب والفساد والطغيان وسوء الإدارة والسرقة العلنية، سواء جاء على دبابة أميركية أو بانتخابات أو عن طريق الحزب الواحد، سواء كان رئيسه مالكيا أو علاوّيا أو بارزانيا أو طالبانيا أو صداميا أو حسني مبارك أو بن علي. هذا نظام لا يختلف في جوهره عن نظام قرضاي في أفغانستان، بل أجزم فأقول إنه أسوأ منه بملايين المرات من حيث المحتوى، لأن نظام قرضاي "المنتخب ديموقراطيا" أيضا يقوم على توازن عشائري، صوري وطنيا، مسنود من قوات الاحتلال، بينما يقوم نظام الحكم الفاسد لدينا على مزيج من أسوأ عناصر التركيب الاجتماعي تخلفا ووضاعة في التاريخ البشري كله: الطائفية السياسية، والنزعة العرقية، ونزعة التقاسم الحزبي، وفقدان الانتماء الوطني، وفقدان الكرامة البشرية، وغياب الحقوق الدستورية.
إن العراقي ، كما يدعي الوضعاء من السياسيين والمثقفين، مختلف عن غيره من البشر، ولا يحتاج الى إصلاح سياسي، وإن سقف أحلامه تقتصر على إصلاح الشؤون البلدية والخدمية، وتنحصر فيها، وإذا تجاوز ذلك عُدّ مجرما من قبل الفاسدين الفاسقين المتخلفين. إن العراقي مثل المصري والتونسي لا يقبل ولا يستحق أقل من الكرامة، والمواطنة، والحكم الدستوري المدني الحقيقي، التي ستقود كلها مجتمعة الى إصلاح الفساد السياسي أولا، ثم القضاء على الفساد الخدمي تاليا.
إن من يستصغر المواطن العراقي ويضعه في معادلة احتقارية إذلالية واستعبادية: الإصلاح الخدمي، إنما هو أرعن وسفيه لا يفهم قوانين المجتمع، ولا يفهم أن الشعب العراقي يستحق أكثر من هذا، وأنه أحد أكثر الشعوب معاناة وحاجة الى التغيير، وليس أقلها علما وتحضرا وتمدنا. إن الحل الوحيد لأزمة الواقع لا تكمن في الخدمات، ولا حتى في من يقفون خلف نظام الخدمات الفاسد، سواء في الإدارات المحلية أو في الدوائر العليا للسلطة فحسب، التي يجب أن تسقط غير مأسوف عليها، بل تكمن في تغيير بنية النظام والتركيب الاجتماعي القائم، الذي قاد الى نشوء هذا الخليط السياسي كله، تكمن في بنية النظام المجتمعي المختل والمشوه، الذي جمع في داخله شرور النظم السابقة كلها وأضاف اليها ميزاته الجديدة الفريدة حقا: الاحتلال والطائفية والنزعة العرقية، والفساد المالي والسياسي والقانوني باعتبارها منظومة حكومية رسمية، مميزة جدا، وخاصة جدا، لم يعرفها مجتمع آخر من قبل، بهذه الكثافة والقوة والعفونة.
إن من يستصغر الشعب العراقي، ومن يجعل هذا الشعب المبتلى بالطغاة مختلفا وأقل منزلة من غيره من الشعوب هو جلاد جديد، لكنه جلاد منحط ومتخلف. فالبعث الصدامي الذي أمسك بخناق السلطة، لم يكن يرفض مبدأ التغيير السياسي من منطلق استصغار المواطن والوطن، بل على العكس، كان يفعل ذلك تحت شعارات كاذبة هي شعارات الحروب العظيمة والعراق العظيم من أجل الاستئثار بالسلطة. واليوم تحل علينا طغمة من الحكام التافهين الذين يستأثرون بالسلطة ويتقاسمون ويتحاصصون الوطن أيضا، ولكن تحت شعارات وضيعة ومخجلة أخلاقيا وإنسانيا.
إن المجتمع العراقي هو أحوج من المجتمع التونسي والمصري الى دولة مدنية عصرية ترفض التحاصص الطائفي العرقي الحزبي، وتعلي مبدأ الكرامة والمواطنة والحق الدستوري.
إن المواطن العراقي لن يقبل إلا بدولة يحقّ فيها للعربي أن يكون رئيسا للجمهورية ووزيرا للخارجية، وللسني أن يكون محافظا للنجف، والشيعي محافظا للأنبار، ولكل عراقي أن يكون محافظا لكركوك، ويحق فيها للمسيحي والمندائي والتركماني والكردي والسني والشيعي أن يكون رئيسا - عادلا وعارفا وآدميا - للوزراء.
أنتم لا تبنون وطنا، وإنما تبنون حاوية قمامة سياسية، أيها السياسيون الجهلة!
أيها العراقي: ارفض أن تكون أقل من الآخرين، فأنت لست أقل منهم منزلة وكرامة ومواطنة وإنسانية، إنما حكامك هم الأكثر وضاعة وفسادا وجهلا.
صن مواطنتك وكرامتك وحقك المدني الدستوري!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العراق بخير
عباس فاضل ( 2011 / 2 / 28 - 12:46 )
العراق بخير يا سيدي طالما توجد اقلام شريفة مثل قلمك لم يدنسه مال العمالة . احترامي


2 - غير دقيق
مواطن عراقى ( 2011 / 2 / 28 - 13:02 )
انت تقول لا ديمقراطيه فى وجود مليشيات ولا ديمقراطيه مع محاصصه ولا ديمقراطيه --الخ ومن قال أن العراق ديمقراطى بل العراق ألأن هو هكذا-طائفى وقومى وعشائرى وأمى ومتخلف--واستغرب من قولك -يجب اسقاط النظام- عن أى نظام تتحدث ولا توجد دوله فى العراق ولا حكومه ولا دستور ولا سلطه بل اليوم سلطه للمالكى وسلطه للصدر على كل شوارع مدينة الثوره وسلطه للكورد وسلطه لأهل الرمادى وسلطه نجفيه على الموصل وسلطة الديوانيه لا رقيب ولا حسيب--الخ لذلك سيدى الفاضل نرجوا ان تحللوا عراقنا المنهك المشوه المنكسر المرتد كما موجود على ألأرض وليس ما ترغبون وتأملون وتطمحون--نحن شعب ملاينه تقدس الفرد وملاينه تذهب الى مرقد صاحبه مات من آلاف السنين بل نحن شعب اكثر تخلفا حتى من الصومال وشكرا للحوار المتمدن الذى يسمح لنا بالتعبير عن أرائنا دون قمع


3 - الأمل
مواطن عراقي ( 2011 / 3 / 1 - 10:01 )
أنا أتفق مع ماذهب إلية المواطن العراقي في تعليقه ووصفه للواقع العراقي وتمزق العراق بين سلطات مع الأسف جماهيرية . وإلا من أين يستمد الحاكم سطوته !! حتى القذافي الذي تداعت سلطة وتشرذمت يخرج علينا من يهتف بحرقة أنه القائد المنقذ وهوياتي بعد الله ومن ثم الوطن (ليبيا) !! . المستفدون وجماهيرهم شرذموا العراق عن قصد أوبغير قصد . مصيبتنا في العراق الذي جرب كل الأيديولوجيات كلها بكل شعاراتها وإنحيازاتها للفقراء وما أن تصل إلى السلطة بدم ويضحية الفقراء حتى تتمكن بالمال والجاه والسلطة من رقاب من أتى بهم وتعمل على إحترابهم وشرذمتهم بحتكار المال والسلطة !! لم ينبت على وجه العراق مشروعا حقيقيا ينقذ الناس من كل تلك الشعارات وقد هدرت مئآت الترليونات مشروعا واحدا !!قرى الطين تترى من شماله إلى جنوبه والشعب لايعرف مع الأسف غير الإحتقان من أجل شعارات يسارية واخرى يسارية قومية وهكذا إلى أن وصلنا إلى شعارات المظلومية !! وأراضي متنازع عليها في دولة إتحادية !! وكلمات السياب مازالت تنذر بالجوع!!
ترى هل هناك أمل في أن يكون علي شلش وزيرا للثقافة!!!! واصحاب المشاريع الوطنيةلهم متسع لإنقاذ البلد ؟ هل من مجيب ؟؟؟؟


4 - الأمل
مواطن عراقي ( 2011 / 3 / 1 - 10:04 )
أنا أتفق مع ماذهب إلية المواطن العراقي في تعليقه ووصفه للواقع العراقي وتمزق العراق بين سلطات مع الأسف جماهيرية . وإلا من أين يستمد الحاكم سطوته !! حتى القذافي الذي تداعت سلطة وتشرذمت يخرج علينا من يهتف بحرقة أنه القائد المنقذ وهوياتي بعد الله ومن ثم الوطن (ليبيا) !! . المستفدون وجماهيرهم شرذموا العراق عن قصد أوبغير قصد . مصيبتنا في العراق الذي جرب كل الأيديولوجيات كلها بكل شعاراتها وإنحيازاتها للفقراء وما أن تصل إلى السلطة بدم ويضحية الفقراء حتى تتمكن بالمال والجاه والسلطة من رقاب من أتى بهم وتعمل على إحترابهم وشرذمتهم بحتكار المال والسلطة !! لم ينبت على وجه العراق مشروعا حقيقيا ينقذ الناس من كل تلك الشعارات وقد هدرت مئآت الترليونات مشروعا واحدا لم نجد!!قرى الطين تترى من شماله إلى جنوبه والشعب لايعرف مع الأسف غير الإحتقان من أجل شعارات يسارية واخرى يسارية قومية وهكذا إلى أن وصلنا إلى شجعارات المظلومية !! وأراضي متنازع عليها في دولة إتحادية !! وكلمات السياب مازالت تنذر بالجوع!!
ترى هل هناك أمل في أن يكون علي شلش وزيرا للثقافة!!!! واصحاب المشاريع الوطنيةلهم متسع لإنقاذ البلد ؟ هل من مجيب


5 - الحل الوحيد
مجيد اميدي ( 2011 / 3 / 1 - 22:06 )
احترم كل هذه التعليقات.لملذا النخب السياسية العراقية لايأخذون قرارا جريئا عقلانيا بنظام الفيدرالي ويشكلون يعض الاقاليم وكل اقليم لديه برلمانه وهذه الاقاليم يقررون زعمائهم شيعيا اوسنيااوكرديا اوعربيا اومسيحيا اوتركمانيا واموال العراق يقسمون حسب التعداد السكاني لهذه الاقاليم وهناك برلمان عراقي موحد في بغداد مثل سوسرا وهناك كثير من الامثلة وليس هناك مشاكل في هذه الدول لا الطائفية ولاالقومية .لان هذه الشعوب لديهم نخب سياسية وطنيين ومخلصين ولايزايدون على حساب شعوبهم من اجل مصالحهم الشخصية والحزبية مئلما في العراق.وهناك بعض العراقيين القوميين ضد هذه الرأي لان العراق يزدهر والشعب يعيش بحقوقهم الوطنية .اليس هذه الحالة افضل من قتل,نهب ,سلب وهدر اموال الشعب.

اخر الافلام

.. هل عدلت الأمم المتحدة حصيلة قتلى الحرب في غزة؟ • فرانس 24 /


.. ليبيا: الجنائية الدولية تقترب من إنهاء تحقيقاتها في جرائم حر




.. العالم الليلة | إسرائيل توسع عملياتها في رفح.. و-الأونروا- ت


.. العالم الليلة | ردود فعل ساخرة حول دعوة نصر الله فتح البحر أ




.. -الأونروا-: 450 ألف شخص نزحوا قسرا من رفح.. والشوارع خالية م