الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طروحات محمد شحرور حول الكتاب والقرآن

محمد باسل الطائي

2011 / 3 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تستند طروحات الدكتور محمد شحرور التي سطرها في كتابه (الكتاب والقرآن) إلى جملة مصطلحية يبدو أنه تمكن من تمييزها من خلال تأمله في آيات القرآن وسوره. وبناءً على هذه الجملة الإصطلاحية يقيم الدكتور شحرور فهمه واستيعابه للإسلام عقيدة وشريعة.
يؤكد الدكتور شحرور إيمانه بالثوابت الأساسية للإسلام ويقر إيمانه بالوحي الذي نزل على محمد فيقر بالنبوة وبالرسالة لكنه يميز بينهما. كما يميز بين مصطلحي القرآن والكتاب ويجعل لكل منهما محتواه المختلف عن الآخر. فيجد أن "القرآن" اشتمل على الصورة الكونية وثوابت العقيدة فيما يجد أن مصطلح "الكتاب" إنما يشتمل على الأحكام. وفيما تكون آيات "القرآن" من المتشابهات فإن آيات "الكتاب" هي المُحكمات. والآيات المحكمات هن "أم الكتاب"، وهذا ما كان أكده القرآن أيضاً. كما يميز الدكتور شحرور بين مصطلحات أخرى وردت في التنزيل، فيميز بين الانزال والتنزيل ويجعل لذلك آلية يتصورها بهدف التمييز بين ما هو في علم الله وما هو في علم الناس. ويحاول الدكتور شحرور أن يعطي معاني جديدة لمصطلحات مثل "السبع المثاني" و "الفرقان" و"الكتب المكنون" ومصطلح "الجعل".
ويعتمد الدكتور شحرور جملة من شبه مسلمات أو مبادئ تؤلف عنده منهجاً بعضها يحاول إثباته وبعضها الآخر يأتي مصادرة على المطلوب. فهو مثلاً يرفض القول بترادف المفردات العربية فيأخذ بالقول أن لكل مفردة معناها ولكل سياق دلالته. وهذا الموقف كان ورد في مواقف اللغويين العرب القدامى. وهو يرفض أن يكون في القرآن ناسخ ومنسوخ، بل يجد أن ما يثبته النص الموحى والمدون في مصحف عثمان هو الصيغة النهائية له. وهذا كلام له ما يسنده من القرآن فضلاً عن كونه من مواقف بعض مفكري الإسلام وبعض المفسرين الذين سبقوا أيضاً. لكن الأكثر وضوحاً في الجدة هو اعتماده مبدأ (ثبات النص وحركة المحتوى) فهو في هذا يعطي نفسه حرية تفسير النص (ويسميه شحرور تأويل لأنه يخرج به عن التفسير الذي يمنحه المعنى المتداول للمفردات أحياناً) بما يتناسب وروح العصر وفق فهمه. وهاهنا نقف عند نهج خطير. ذلك أننا نكون أمام طريقين لا ثالث لهما: التفسير منطلقين من مبدأ أن (القرآن حمّال وجوه) ملتزمين بما تقدمه اللغة حقاً من معاني ودلالات المفردة، بما في ذلك السياق والحيثيات المتعلقة به، وهذا ما يقع في جهد الإجتهاد، وهو مقبول عموماً. والثاني هو التفسير بإزاحة معنى المفردات إلى معان أخر بحسب الهوى حتى لو تطلب ذلك إخراجها من دلالتها اللغوية المعروفة أو من سياقها بدعوى كون النص مطلقاً. وهذا مما يمكن أن يقود إلى تجديف وحكم بالهوى وتحريف للكلام عن مواضعه. ومن الملاحظ أن شحرور يسلك كلا الطريقين. وهذا ما يجعله يقع في المحظور. ومن أمثلة ذلك تفسيره الآية {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14] فهو يرى أن النساء هنا تعني الأشياء المنسأة أي المؤجلة ثم يصرف معنى المؤجلة إلى الجديدة حتى يصير المعنى عنده: زُين للناس حب الشهوات من الأشياء الجديدة. وهذا من العجب العُجاب. وفي هذا الفعل وأمثاله يكون الدكتور شحرور متبعا لطريقة حاخامات بني إسرائيل إذ حرفوا الكلم عن بعض مواضعه والأمثلة المعروفة عنهم عديدة. ولأجل تبرير إزاحة المعنى هنا يحتج الدكتور شحرور بعدم تناسب خلط النساء مع الخيل المسومة والأنعام. من جانب آخر فإن الدكتور شحرور يدعي بأنه يقاطع الآيات ببعضها ليستخرج المعنى الدقيق المقصود، وليته يصمد مع هذه القاعدة الجميلة الأصيلة في فهم القرآن. ولا أدري ما يكون احتجاجه إذ يقرأ الآية {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] فهاهنا خلط التنزيل بين الناس والدواب بل قدّم الدواب على الناس.
مثال آخر يحضرنا في طروحات شحرور ما جاء في كتاب الإسلام والإيمان فعلى الرغم من صحة ما يذهب اليه شحرور في تمييزه بين مصطلحي الإسلام والايمان كما وردنا في التنزيل الحكيم لكنه يقع في مشكلة التعارض مع جاء في أحاديث النبي عن أركان الإسلام وأركان الإيمان. وهذه مشكلة لا يقدم لها شحرور حلاً، فهو رغم نفيه أن تكون إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت أركاناً للإسلام، بل يجعلها أركانا للإيمان، فإنه يذكر أحاديث للنبي من البخاري ومسلم تناقض ما يذهب اليه دون أن يحل المشكل الظاهر هنا. وهذا ضعف في طرحه وأمر كان عليه أن لا يقع فيه دون بيان. وفي هذا الصدد فإن تعريف المسلمين عند شحرور يشمل كل من يؤمن بوجود إله دونما إعتبار لمضمون هذا الإيمان ولا لنوع الإله. وشحرور رغم إشارته إلى وحدانية الله في إيمان المسلم إلا أنه لا يؤكدها خاصة إذ نجد أنه يعتبر جميع النصارى مسلمين وجميع اليهود مسلمين ثم يقفز ليشمل بهذا المفهوم المجوس والبوذيين (ويحسبهم خطأً صابئة) والشيفية (لست أدري من هم). وهذا أمر غير مقبول ليس لأننا لا نقبل الآخر بل لأن تعويم (الإسلام) بهذه الصورة غير صحيح من زاوية شروط المصطلح نفسه. وإذا كان النصارى الموحدون أتباع عيسى عليه السلام وحوارييه مسلمين، وإذا كان أتباع موسى عليه السلام من أوائل الذين هادوا مسلمين، فإن هذا الخصوص لا يعمم إلا وفق شروط وهي أساساً الإيمان بوحدانية الله وتنزيهه.
ومثال آخر في هذا السياق إدعاؤه أن (الصلوة) المكتوبة في المصحف بالواو هي غير (الصلاة) المكتوبة بالألف. فهو يصنف الأولى على أنها الصلاة الطقسية بحركات القيام والركوع والسجود بينما يرى أن الثانية هي الدعاء دون الحركات الطقسية. وفي هذا ورطة. فإن تدقيق آي التنزيل ينفي هذا المذهب ومثال ذلك آية سورة التوبة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103] تنفي ما ذهب اليه شحرور لأنها مكتوبة بالواو ولو صح تشخيص شحرور للرسم لكانت جاءت بالألف لأن صلاة النبي هنا دعاء لهم. فضلاً عن أن إدعائه ذاك يورطه في مسألة وقفية الرسم العثماني لخط المصحف وهذه قضية شائكة. من جانب آخر فإن إدعاء شحرور أن الصلوة فرضت في المدينة غير صحيح لأنها بحسب الوقائع التاريخية المؤكدة فرضت بأوقاتها في مكة ليلة الإسراء. وإنما كان تغيير القبلة في المدينة.
أما في موضوع الزنا وتعريف الزانية والزاني فقد ذهب الدكتور شحرور مذهبا يسهل الأمر على الزناة ومرتكبي الفاحشة ويحول المجتمع الإسلامي إلى مجتمع لاتيني حتى ليكاد الجميع ينعمون بالمتعة الجنسية دون أي خوف من سلطة دينية أو دنيوية إلا أولئك الذين يريدون تحدي المجتمع بممارسة الجنس علناً مثلاً في ساحة المرجة بدمشق أو في ساحة التحرير ببغداد، فهؤلاء فقط عليهم أن يخافوا العقوبة. وفي هذا الإطار يضع الدكتور شحرور نفسه مشرّعاً فسمعنا منه مثلاً فتاوى تحل العلاقات الجنسية بين المرأة غير المتزوجة والرجل دون عقد نكاح ودون إذن الولي فهذه عنده تدخل في باب ملك اليمين. لقد إشطط الشحرور في اجتهاداته في هذه المسألة وسهل على نفسه الأمر ففسر كلمة مشرك ومشركة على أنها مشاركة في فراش الزوجية... وليته قال خيراً بكلمتين إثنتين وسكت: الأولى أن عقوبة الرجم ليست في القرآن وإنما هي جلد مائة وإن ما ورد من حديث لعمر بن الخطاب ضعيف المتن. والثانية أن ثبوت الزنا وإيقاع العقوبة يحتاج إلى شهود أربعة على الأقل. دونما ضرورة لذلك التفصيل الملفق.
إن كثيرا من طروحات شحرور ومنهجية النظر عنده في بعض جوانبها صالحة للتوظيف في سعي تجديدي للفكر الاسلامي، وربما صلحت لتكون رؤية عامة تجديدية. لكنها دون شك لن ترقى إلى تأسيس فقه اسلامي جديد متكامل يصلح العمل به ما لم ترتكز إلى أرضية فلسفية ورؤية كونية للعالم والانسان تشتق منها أصول الفقه الجديد. وهذه الإرضية يمكننا أن نجدها ربما في علم الكلام الجديد المتنور والمنطلق من دراسة التراث السابق للعمل على غربلته وتنقيته وتصفيته من شوائب الأزمنة الماضية وعسف السلطات والمنافع الضيقة وتخليته من العصبيات المذهبية والمماحكات المتعندة نصرة للمذهب والطائفة لا نصرة للحق. على أن أي كلام جديد لا يقوم على صورة عالمية (كونية) واضحة تتسق مع أصول العلوم الطبيعية المعاصرة سيكون محتملاً للخطأ المنهجي وبالتالي ربما أدى ذلك إلى التخبط والفشل. لقد احتوى التنزيل الحكيم هذه الرؤية في القرآن وقمنا في كتابنا دقيق الكلام: الرؤية الإسلامية لفلسفة الطبيعة بتأسيس الرؤية الكونية للعالم، وبقى بعد ذلك أن تؤسس الرؤية الكونية للإنسان. وهذا ما ينبغي تأسيسه من المصدر ذاته أي من التنزيل الحكيم بفهم جديد. وعندئذ تسهل عملية تأسيس أصول الفقه الجديد.
إن التمييز بين مصطلحات الوحي وإبراز معانيها الصحيحة والإلتفات إلى السياق وإرتباط المصطلح بالسياق لهو أمر جميل وعمل أصيل ومنطلق سليم لتحقيق فهم دقيق لنصوص الوحي وهو مما يؤكد دقة الوحي وصدقه. كما أن رفض الترادف لهو مبدأ صحيح يفتح آفاقنا على الفهم الدقيق للوحي ويوسع مداركنا. ومن جانب آخر فإن القول بمبدأ (ثبات النص وحركة المحتوى) لهو من أبرز سمات المنهج الجديد هذا كونه يفتح أما العقل آفاقاً واسعة يتمكن من خلالها السير مع الزمن. والنص القرآني هو كذلك حقاً وهذا هو الذي أوجب التشابه فكانت آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات. ولقد أصاب الشحرور في قوله أن الزمن يصدق القرآن على نحو أكبر كلما تأخر. ذلك لأن معارفنا في إزدياد وآفاقنا في اتساع وهذا ذاته هو في معنى الآية {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]. فالله سبحانه لم يضع المتشابهات في القرآن لكي يضل الناس ويورطهم كما يظن البعض. لكنه جعلها هكذا لأن النص نسبي وعليه أن يحتوي المطلق. فعندئذ لا يمكن أن يكون إلا متشابهاً. ومن هذا المنطلق وسعت آي القرآن في نصوصها كل الزمان وكل المكان. وإن رفض القول بوجود الناسخ والمنسوخ في المصحف الذي بين أيدينا الآن لهو قول صحيح يضع حداً للتلاعب في تفعيل بعض الآيات وتعطيل الأخرى. أقول هذا كله صحيح ومقبول. لكن الاجتهاد في تحريك المحتوى يجب أن يقوم على أصول صحيحة مستقلة عن هوى الأنفس ومتحررة بحق من الضغوط الظرفية وسلطان الدعاية والشهرة. فما يشتهيه الناس ليس دوما في صالحهم بالضرورة. وليس مسايرة الغرب المتقدم والمتسلط واجبة لتحريف مدلولات النص وتحريك المحتوى بما يناسب مطالب ديمقراطية جورج بوش وتحرر توني بلير. إن الإصلاح الديني المطلوب في الإسلام هو ما ينبغي أن يقوم على أسس صحيحة. ولطالما آمن الشحرور بالقرآن وبالكتاب وتفصيله وحياً نزل بلسان عربي مبين، ولطالما أقر بالنبوة والرسالة لمحمد بن عبدالله فعليه إذن أن يلتزم حدود التفسير بالسان العربي المبين لا أن يحرف الكلم عن بعض مواضعه ويذهب في القول مذاهب التخريب والتهريج. إذ أن حمل هذا المنهج وإعمامه تجعل تفسير نصوص الوحي كملاعب الصبية، وهذا أمر خطير. لا يقف عند هذا الحد بل لعله سيؤدي إلى المروق من الدين بالجملة أو حَجْر التجديد وخنق الأنفس الجادة الأصلية التي تسعى إلى تجديد فهم الدين. وعلى هذا وإنصافاً للشحرور أقول إنه قد جاء بلطائف من الكلام الأصيل، ونهج في جانب من عمله منهجاً الإبداع المستنير، إلا أنه خبط في بعض المواضع في الرؤية والمنهج خبط عشواء، فانحرف إلى ما لاتحمد عقباه.
إن التمييز الصحيح في صرف النصوص المتعلقة بالحوادث التي وقعت على عهد النبي ينبغي أن يتخذ منهجية صحيحة. وفي هذا الصدد نحتاج إلى آلية لتصريف النص من حيث ظرفيته وإطلاقه ومن حيث خصوصه وعموميته. ولا ينبغي التسرع في الأحكام كالقول بأن جميع ما ورد في سورة التوبة هو من القصص المحمدي. فماذا نعني بالقصص المحمدي وأين هي الحدود بين ما هو تاريخاني وما هو كتاب محكم؟ وإذا كانت غاية القصص الإعتبار، وهذا أمر صحيح، فهل لنا أن نكون متبعين في الاعتبار أم أن الاتباع هو واجب قضى ومضى مع أتباع الرسول من الصحابه؟
هذا التطور في الفكر الديني الذي تحصَّل عليه شحرور جاء، كما يقول هو، نتيجة لحراك فكري ونفسي ذاتي عاشه في أيرلندا الكاثوليكية الرأسمالية في الغرب وفي موسكو الشيوعية في الشرق، فضلاً عن تأملاته الشخصية في القرآن الذي اعتبره المرجع الصادق الرئيسي والوحيد للعقل المسلم. وهذا ما يكرره شحرور في مقدمات كتبه وبعض محاضراته. ومما لا شك فيه أن طروحات الشحرور جريئة غاية الجرأة وحرة تتحرك في فضاء واسع من الحرية وسلسة أحياناً بقدر يجعل تقبلها من مستوى الفهم العامي في هذا العصر سهلاً يسيراً. لكن أفكار الدكتور شحرور واجتهاداته لم تزل غير واثقة من أرضيتها الهشة التي قامت عليها. فهذه الأرضية لم تزل محدودة وطافية على سطح متحرك. ولست أعني هنا حركة المضمون في إطار الشكل أو حركة المحتوى في إطار النص نفسه، بل أعني أن طروحات شحرور تفتقد الأرضية الفكرية والفلسفية المتينة التي تمكنها من القيام بجملتها كبنية جديدة للفكر الديني المسلم. ودون شك إذ تحاول نظرية شحرور حل مشكلات عويصة في الفهم العصري للقرآن وللدين الذي جاء به محمد بن عبدالله فهي لابد أن تكون بمستوى الحدث، وتكون على قدر من الصرامة والجدية الفكرية بما يؤهلها لهذا الدور. ولكي تكون كذلك فلابد لها من رؤية ومنهج فلسفيين متينين تقوم عليهما وإلا آلت الأفكار والتصورات والاجتهادات إلى جملة مواقف شخصية وخواطر ظرفية قاصرة على تفعيل نفسها في المجتمع مقتصرة على مجموعة صغيرة أو عقائد شخصية متوزعة هنا وهناك. وربما تجد مثل هذه الغاية في نفس الدكتور شحرور قبولاً، أقول ربما حقاً لأنني استنبط هذا الموقف من خلال استقراء جملة حديثه هو ولست لأني قد شققت عن قلبه. إذ نجد أن التوجه الحالي يقوم على تبسيط الدين وتحجيمه إلى أدنى قدر ممكن ليسمح للإنسان الجديد ممارسة دوره هو وإجتهاداته هو بعد أن إجتاز مراحل تطورية كبيرة وعبر حلقات شاسعة من حلقات تطور الفكر والمعرفة. وهكذا يمكن القول أن ما ذهب اليه الشحرور رغم كونه يفتح آفاقا واسعا لتجديد فهمنا للدين عقيدة وشريعة وإقامته على أسس جديدة، فإنه لا يقدم تأسيساً نظرياً وافياً لمثل هذا المشروع الضخم. ولأنه يفتقد الأرضية الفكرية الكفيلة بصيانته فقد أدى ذلك إلى وقوع شحرور بمطبات وحفر في طريقه نحو التجديد. وربما كانت بعض هذه المطبات والحفر خطيرة وقد تؤدي إلى موت الفكرة بموت صاحبها.
هذا من الناحية الستراتيجية. أما من الناحية التعبوية (التكتيكية) فإن الدعم والترويج الإعلامي الذي لقيه شحرور قد آتى أغلبه من الغرب أو من المتغربين العرب ومن اللآديننين العرب. هنا في مثل هذه المساحات نجد من يتحدث عن الشحرور بأنه "مارتن لوثر الإسلام". و "إمانويل كانت العرب" وربما كان هذا الدعم الغربي للأفكار الشحرور والترويج لها من قبل الغرب مبرََراً كونه يتوافق مع التوجه الغربي في كسر الرصانة التقليدية للفكر الاسلامي وتسفيه مرجعيته الفقهية والاستهزاء والسخرية من نتاجاته المعاصرة المتمثلة بما سماه الغرب "الإرهاب" وضحالة اجتهادات فقهائه المعاصرين في معالجة مشكلاته العملية في مسائل الاختلاط والزواج إذ شرَّع بعضهم رضاعة الكبير وأجاز غيرهم زواج المسيار والمضياف والمسفار... فضلاً عن التشدد غير المعقول لبعض المفتين إذ وجدنا أحدهم يصرح بأن طاقية الرأس التي بدون رفرف مباحة لكن الطاقية التي بها رفرف غير مباحة. وينفخ المستهزئون بالدين بمثل هذه السفاسف والترهات ويجعلونها مثلاً للدين ورجاله. والحق أن هنالك مشاكل ومشاكل عديدة وكبيرة نحن بحاجة إلى مواجهتها دون مواربة ومخاتلة. بعض هذه المشاكل أوجدها التقوقع الفكري الاسلامي والفهم الخاطئ للشرع والفهم القاصر والمصطلحي المحدود بل المحرَّف أحيانا لمفاهيم الدين الأصلية. ولقد اعتاد كثير من مفكري الإسلام التبرير وتفسير الحوادث التاريخية التي لا يتقبلها الذوق أو حتى العقل على نحو غير مقبول يخالف العقل فضلاً عن مخالفته دلالات اللغة والسياق. وأكثر هذه المشكلات نتج عن تسلط أجهزة الحكم والسلطان على الفقهاء وتسييسهم النشاط الديني منذ أول عهد الدولة الأموية في الشام، وبعضها الآخر ناتج عن التطور المجتمعي السريع الذي حصل في القرون الأخيرة.
وفي الخلاصة أجد أن تجديد الفكر الإسلامي على نحو جدي وشجاع يتطلب أولاً التمكن من جوانب هذا الفكر، والتمكن من أرضيته العقيدية الأصيلة والإنطلاق في محتوى فلسفي متماسك ومتسق في بنيته الداخلية وليس في إطار الفهم الظرفي والمبتسر، ثم بعد ذلك معالجة البنيان الفوقي للشرع على نحو يقدم حلولاً جريئة فعالة لما يواجهه المسلمون في عصرنا سواء على صعيد النظرية أو على صعيد التطبيق، على صعيد التعامل مع علوم العصر والمساهمة فيها، وعلى صعيد التآلف مع المستجدات. .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسلام في القرن السابع وهم
التلال ث صمد ( 2011 / 3 / 1 - 19:41 )
الاخوه الكرام
لا يوجد دليل مادي واحد على وجود اسلام او نبي او مسلمين او راشدين او قران في القرن السابع الميلادي سوى ما قاله الراوي با ساده يا كرام
من المفروض توفير الدليل المادي و من ثم مناقشته
وكما هو ثابت اول معمل لصناعه الورق كانت في العراق في اواخر القرن الثامن
اتمنى ان ترجع الى بحثي المنشور في الحوار في 27-12-2011 حول معويه حاكم دمشق وهو مسيحي ولم يكن مسلم وكذلك بحثي حول الخليفه الكافر عبدالملك في الحوار في 15-02-2011
ارجو اعاده النظر في الروايه العربيه الاسلاميه واهمالها لانها لا تمت بصله الى علم التاريخ
وشكرا
صمد


2 - عفوا سيدي هناك مغالطة
أديب خان ( 2011 / 3 / 1 - 22:51 )
بعد التحية و السلام
عفوا سيدي ان الأستاذ شحرور يملك منهجا و يملك رؤية منسجمة و متكاملة بل هو يملك مشروعا تنويريا جريئا و متميزا لم يسبقه في بعض النواحي من المواضيع أحد من قبل .مهما حاولت سيدي في الإشادة بمشروع الأستاذ في نواحي ،الا ان ذلك لم يكن منك إلا مناورة فقط ،و الدليل على ذلك انك تركز على عموميات و ثانويات فقط بينما ا،نت تضرب مشروعه في الصميم ثم ان تصديك هذا لا يمت الى النقد الموضوعي الى شيئ ،لماذا 1_ كونك تستند في نقدك لمسلمات قبلية ثابتة تعتبرها محك الصح و الخطأ ، بمعني انك تقيم أفكار الرجل بحسب الإتفاق او الإختلاف مع النتائج التي هي محصلة حاصل للمقدمات اليقينية التي ترى انها فوق الجميع، مثال ذلك عندما تحكم على ضعف ما ذهب اليه في تأويل آيات القرآن كونه يتعارض مع ما جاء في السنة ، مع انك تعلم ان الأستاذ لا يستند على السنة في منهجه للفهم و التاويل، و انت تعرف موقف معظم المجددين المعاصرين من السنة و من ثم يثبت انك تحاكم الباحث لا الى الترابط البنيوي و الوظيفي في منهجه من حيث التوافق او التناقض بيتما تحاكمه الى نهجك الخاص في الفهم و التاويل، مستلا سيف الفهم التراثي للتراث كمبدأ


3 - الاستاذ / محمد باسل الطائى
هشام حتاته ( 2011 / 3 / 1 - 23:12 )
المجلد الضخم الفخم الذى استغرق المهندس السورى محمد شحرور فى كتابته خمسة وعشرون عاما كما يقول - ولدى نسخه منه - هو محاولة للتوفيق بين آيات القرآن ومفاهيم الحداثة وذلك بالتلاعب اللغوى ، وهى ليست المحاولة الاولى ولكن كثير من الكتاب يحاول هذا التوفيق وان كان بطرق اخرى وآخرهم الاستاذ جمال البنا .
تحميل القرآن بماليس فيه محاوله مكشوفة ولن تجدى ، فالقرآن وليد البيئة والثقافة والزمكان ( المكان والزمان ) التى انتج نصوصه .
محاولة الاصلاح الوحيدة فى رأييى هو الاعتراف بتاريخية هذه النصوص . مع تحياتى للكاتب .


4 - مضيعة الوقت
مدحت محمد بسلاما ( 2011 / 3 / 2 - 07:54 )
كلما قرأت عن محاولات المفكرين والمحللين في سبيل تبييض صفحات القرآن والإسلام أزداد اقتناعا بأننا أمة تعيش في ماض اسطوري وعقلها لا يعمل أبدا إلى الأمام بل فقط إلى الوراء، وهذه مأساتنا. لقد أضاع محمد شحرور أكثر من عشرين سنة ليتحفنا بكتاب يدفعنا أكثر فأكثر إلى التشكيك بمحمد وبقرآنه وبتعاليمه المتناقضة والمهينة لكرامة الإنسان. ألا بربكم إن كنتم تؤمنون لقد آن الأوان لمرافقة الثورات والانتفاضات الشعبية والشبابية ضد الكتاتوريات العربية والإسلاميةبثورة تحررنا من العقائد الأسطورية ومن عقيدة تعطّل فينا كل الطاقالت الأيجابية الخلاقة التي يستطيع الإنسان استثمارها لخيره ولخير الإنسانية


5 - من هو المسؤول عت هذه الفوضى؟؟؟
فهد لعنزي السعودية ( 2011 / 3 / 2 - 08:21 )
اولا تحية للاخ هشام حتاته وانا اوافقه في تعليقه. لقد كتب الاخ تنزيه العقيلي مقالا عنوانه -أتقع المسؤولية على القرآن أم على قراءة وفهم القرآن؟- وهو تحت هذا الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=186225
وبعد ان غربل بعض آيات القرآن وفهمها من قبل المسلمين والتي ادت الى الانشقاق بل التكفيرثم الحرب والقتال وضع السؤال التالي: ( اقتباس):
-أليس كل ما ذكر هو ما يتحمل مسؤوليته القرآن، والدين الإسلامي. فإذا كان القرآن من عند الله، فيعني بالضرورة أن الله تعالى من يتحمل مسؤولية كل ذلك، وهذا محال، لأنه يستوجب نفي الكمال عنه، ونسبة النقص إليه سبحانه. وإذا كان من عند محمد، فيتحمل هو مسؤولية كل ذلك، ونفس الشيء يقال عمن يسمى بالكتب المقدسة للأديان الأخرى، فالأنبياء، أو أدعياء النبوة، أو المتقولون عليهم، يتحملون وزر كل ما دفعت البشرية ثمنه، من جهل، وخرافة، وتعصب، وتطرف، وكراهة، وعنف، وإرهاب، وبحار من الدماء، وهدر للطاقات والأموال، في عبادات، وطقوس، وشعائر، وحجيج، و...، و...-
ونحن نسال بدورنا :
1 ـ اين تفسير محمد للقرآن؟
2 ـو هل يجوز لكتاب منزل من عند الله ان يترك لتفاسير محمد شحروراوغيره؟؟


6 - من هو المسؤول عت هذه الفوضى؟؟؟
فهد لعنزي السعودية ( 2011 / 3 / 2 - 08:41 )
3 ـ واذا كان كل له الحق ان يفسر الفرآن حسب فهمه فلماذا التكفير والقتل ومن يمكنه ان يدعي امتلاكه للحقيقة؟؟.
4 ـ واذا كانت التفاسير تستند على روايات جاءت معنعنة بعد موت الرسول (والله وحده اعلم بصحتها ) وهي بلا شك ناتجةعن تحزبات وسياسات فلماذا علينا الالتزام بها؟؟.
5 ـ الم يقل المسلمون بان عمر بن الخطاب قد نهى عن كتابة الحديث وقولته الشهيرة (حسبنا كتاب الله) الا يعني ـ مع ان كتاب الله ليس واضحا ـ انها مؤامرة لترك الامة الاسلامية تتقاتل؟؟
6 ـ من كلف جامعي الحدبث بهذه المهمة بعد ثلاثة قرون؟؟. اليست هي السياسة والحكم لاضفاء الشرعية على الحكام المستبدين ؟؟
7 ـ فهل بعد هذا لا يحق لنا ان نتخذ العلمانية منهجا للحياة وكل حر في اعتقاده؟؟.


7 - لا اسلا م في القرن السابع
التلال ث صمد ( 2011 / 3 / 2 - 18:55 )
الاخوه الاعزاء
حرام نضيع وقتنا على تفسير روايه مثلها مثل الف ليله وليله بالضبط
اتمنى ان تقراؤا كتاب شاعر العراق معروف الرصافي وما فيه من حشو ولغو لا معنى له وتكرار ممل
تقدم المجتمع الاسلامي لا يتم الا من خلال فصل الدين عن الدوله
كيف لنا ان ننسى جراءم خميني وال سعودي وطالبان وهم جميعا ادوات بيد الاجنبي القران يقول لا تتخذوا ليهود والنصارى اوليلء لكم
هل يستقيم ذلك مع الواقع
الدين لله والوطن للجميع والحكم بيننا هو الدستور ان اهل العماءم من كل الالوان طفيليون لا يعملون ياكلون وينامون صنعتهم الكلام فقط
وشكرا
صمد


8 - إحترام خيارت اهل العقائد
بشير بن شيخة ( 2011 / 3 / 3 - 11:35 )
أقول للإخوة المتدخلين ان الفكر الديني مرتبط بجوهر خطير في بنية الإدراك و الخيال داخل البنية العميقة لملكة التفكير عند الكائن الإنساني،لأن الفكر الديني (النص + مفهوم النص ) مرتبط ارتباطا وثيقا بالمقدس ،أنظر كتاب المقدس و المدنس لمؤرخ الأديان مارسيا إلياد،و من ثم لا يمكن ان نتكلم بسهولة عن الثورة ضد العقائد، و إنما نتكلم عن الحوار مع أهل العقائد ، ولا يجوز في الفكر العلماني او العقلاني ان نهين عقيدة ما او ديانة ما ،لأن ذلك هو إهانة للإنسان في إختياراته ، فمسألة المقدس و المدنس هي من أخطر المسائل المطروحة اليوم في حوار الأديان المعاصر و علم الأديان أنظر كتاب جيب هاملتون ، علم الأديان و بنية الفكر الديني ،لذلك فمشاريع تجديد الفكر الديني المعتمدة على إعادة التفسير و التاويل هي داخلة ضمن الحوار مع التراث الديني البشري المرتبط بالتقديس و ليست بالضرورة تكريسا له ، و إنما هي خطوة مهمة نحو علمنة الديني و إنزاله في التاريخية كما يحاول الفكر الأركوني،و من ثم نتجنب مصادرة أهل العقائد في خياراتهم ،حتي لا يصادروا هم بدورهم حرياتنا.كما يجب التفريق بين العقائد و الممارسات التاريخية لها وشكرا

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ