الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يعاني طفلك الموهوب من مشكلات؟ ج2

نجلاء صبرى

2011 / 3 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


(2)
الجزء الثاني
......
5. إحساس الطفل الموهوب بالعزلة والغربة:
من أكثر المشاكل التي تواجه الطفل الموهوب شعوره بالعزلة فيما بين أقرانه، فهم أقل منه في المستوى وهذا يخلق بداخلهم شعور عميق بالغيرة والحقد عليه فينصرفون عنه ويبتعدون تمامًا عن اللعب معه أو مصاحبته أو الحوار معه، مما يشعره بنوع من الحزن والاكتئاب ويجعله بدوره يعزف عنهم ولا يتحدث إليهم، كذلك قد يكون النفور منه هو، حيث يراهم غير قادرين على فهمه واستيعابه، مما يخلق بداخله شعورًا بالفوقية وبأنه أفضل منهم أو أنه من عالم آخر غير العالم الذي يأتون منه، فهم من وجهة نظره لا يمتلكون القدرة على التفكير السريع، كما أنهم يتصرفون بصورة سخيفة من وجهة نظره، مما يخلق لديه إحساس بأنه مسئول عن إصلاح العالم، فيحاول أن يفرض وجهة نظره عليهم، وهم بدورهم لا يتقبلونها، فيحدث نوع من الصدام هو بالدرجة الأولى صداع نوعي في طبيعة النمو العقلي وطبيعة النظر والاستجابة للأمور، وتعتبر تلك المشكلة من أهم مشاكل الطفل الموهوب، فقد يتحول الأمر بداخله لكره لنفسه ونفور من وهبته لشعوره أنها سبب من أسباب دمار حياته أو شعور الناس أنه شاذ وغريب عنهم أو أنه قادم من عالم آخر فيلجأ للانطواء على ذاته نتيجة لعدم رغبته في ممارسة تلك الحياة التافهة من وجهة نظره، فنجد ندرة في أصدقائه ممن يشعرون ويُشعرونه بقيمة الحياة.


وبرغم ذلك، علينا أن نفهم أن الطفل مهما بلغت موهبته وقدرته على الفهم والاستيعاب السريع يظل طفلاً، في حاجه ماسة إلى عيش طفولته بكل ما لها وما عليها كسائر الأطفال العاديين، يمرح ويلعب ويحزن ويذاكر وينال رضاء الوالدين أو يتعرض لعقابهم، ولكن الأمور تكون مختلفة تمامًا بالنسبة للطفل الموهوب نتيجة لشعوره بالاختلاف ولتأكيد كل من حوله له بأنه مختلف، وكذلك بتعزيزهم هذا الشعور بما يتوقعونه منه من أداء عالي وما إليه من أمور أخرى خاصة بدراسته أو موهبته.
لذا على الوالدين التعامل مع هذا الأمر بحكمة بالغة، فقد تتحول الأزمة لمرض نفسي بالفعل وتؤثر على النمو الانفعالي للطفل، فكم من طفل وصلتْ به الحالة لكره موهبته والعزوف عن أداءه المتميز ليتحول من عبقري لذي صعوبات في التحصيل، فقد يتخذ الأمر وجهة مضادة كي يستقطب زملاءه بالمدرسة ويشعرهم أنه ربما أقل منهم ، وتلك أزمة خطيرة، لذا على الوالدين أن يحاولا أن يشرحا للطفل أن عليه التخلي عن تلك الفكرة السلبية، وألا يمدحاه بصورة مفرطة، فعليهما أن يُعاملاه كطفل طبيعي جدًا ويحاولان أن يخلقوا له جوًا من الألفة بين أصدقاؤه ويوفران له أطفالاً من مثل عمره يمارس معه طفولتهم، سواء في العائلة أو في النادي أو في المدرسة.


فعلى سبيل المثال نذكر قصه الطفل "خالد" الذي يختال بالتوفيق بين ذكاؤه وعلاقاته الاجتماعية بقدرته على مشاركتهم في لعب كرة القدم وخلق حلقة وصل ما بينه وبين الآخرين، وكأنه على وعي بما يخلقه الفرق النوعي في الاستيعاب والأداء من مشاكل بداخل نفوس أقرانه بالفصل أو العائلة، وعلى الوالدين عندما يستشعران تلك المشكلة أن يلجئا للمدرسة على الفور ويتحدثان للمعلمة أو الأخصائية النفسية، والتي تقوم بدورها بتنظيم نشاط يشترك فيه كافة الطلبة مع عمل جلسات نفسية للطفل أو الطفلة الموهوبة التي تعاني من مشكلة التواصل، وتشرح لها تفوقها وضعف زملائها وكيف عليها التوفيق بين القدرتين بالتغاضي عما تتفوق فيه وخلق نوع من الحوار معهم، فلا بأس من التواصل الاجتماعي بعيدًا عن نقطة التفوق التي تخلق الضغينة، فالحب بين الناس لا يقف على مدى قدرتهم العقلية، ولكن يتوقف على مدى قدرتهم على التفاعل والتعاطي الاجتماعي وإظهار الحب والاستماع ومشاركة الآخرين، وتوضح لها/له أساليب جديدة لمعاملة رفاقها/رفاقه وكيف يستطيع أن تكتسب محبتهم فتتفتح مدارك الطفلة وتقوى على مواجهة الحياة.


كذلك فأصدقاء الطفل الموهوب دائمًا يتسمون بكبرهم عنه في السن، فهو دائمًَا يبحث عمن يكافئون قدرته العقلية ويستطيعون أن يُبدون فهمًا لطبيعة تفكيره، ونسمى تلك المشكلة بمشكلة نقص التزامن، حيث ينمو الطفل عقليًا لدرجة راشد في العشرين أو الثلاثين بينما جسديًا لا يزال في مرحلة الطفولة، فالطفل هنا يُعايش إحساس داخلي بالتضارب والتوتر ولكن في نفس الوقت يتمنى أن يعيش طفولته مع من هم في مثل عمره، لذا على الوالدين محاولة توفير أفراد من العائلة يماثلون الطفل في نفس المرحلة العمرية كأبناء العم أو الخالة، فيخلقون نشاطات معينة تجمعهم سويًا، بما يتيح للطفل أن يحظى بطفولة آمنه ومستقره ويحصل - ولو على القدر اليسير - من التوافق والصحة النفسية.


6. أزمة الحماية الزائدة ودوران العائلة في فلك موهبة الطفل:
تعد تلك المشكلة من أخطر المشاكل، حيث تتوقف حياة العائلة كلها في فلك موهبة الطفل، فتنقطع كل علاقاتهم الاجتماعية، وتتوقف عن ممارسة الحياة بصورة طبيعية إلا بما يناسب احتياجات الطفل، فهو من يحدد إلى أين سيخرجون لقضاء سهرة الليلة وهو من يطلب نوعية الغذاء في المنزل، بل وربما يمتد الأمر ليكون هو الآمر الناهي في المنزل، فيتحول من طفل لوالد ووالده إلى أب أو مرشد وراشد، مما يخلق لديه شعور بعدم تقبل النصح من الآخرين ولا الإرشاد فكيف يرشده الراشدون وهو بالأساس في داخله ذات متضخمة يستشعر معها أنه فوق السلطة الأسرية وقانون الكبار، بل والأدهى أن الوالدان يكرسان كافة جهودهم لتنمية تلك الموهبة فيغدقونه بالمزيد من المديح والإعجاب والحماية الزائدة المفرطة، و قد تتدخل في هذه المعادلة توقعات الآخرين منه، مما يُشعر الطفل بالضغط الزائد، فينعكس الأمر بالسلب على نفسيته وموهبته ويصاب بالإحباط، بل وربما تُفاجأ الأم به يُدمر كل إبداعاته كتقطيع رسوماته أو إفساد بعض المخترعات والتراكيب البسيطة أو تمزيق شهادات التقدير، ويحاول جاهدًا أن يبتعد عن كل ما يجعله يشعر أنه آلة مطلوب منها الإنجاز المستمر، متجاهلاً كل ما يحرمه من طفولته الطبيعية حانقًا على نفسه وعلى موهبته وعلى أهله بالخصوص.
وعلى الأسرة في هذه الحالة أن تفرق ما بين دورها ودور الطفل، وتعمل جاهده على رد طفولته إليه بشتى الوسائل الممكنة، فيجب أن يجعلا للطفل مساحة يمارس فيها هويته الطفولية مرتكبًا أخطاء الأطفال قابلاً لتلقي العقاب والثواب على أفعاله.



7. شعور الآباء بضحالة معلوماتهم وتدنى ثقافتهم بالنسبة للطفل الموهوب:
في الكثير من المواقف يحظى الطفل الموهوب بمعرفة أو رغبة في المعرفة تتخطى معرفة الوالدين بما يستفز أبويه ويجعلهما في موضع الشعور بالضيق من الطفل ومن أسئلته ورغبته في معرفة الإجابات ومطالبته إياهم بالإجابة عنها، كحالة الطفل "أحمد" الذي جاء والده يشكو من أسئلته ويتهمه بالغباء، لأن الطفل يسأل أسئلة في أمور يجهلها الأب، وهنا ننصح الوالدين بتشجيع الطفل على الاستكشاف المعرفي والتعلم الفردي بالبحث والتنقيب عن المعلومة التي يسأل عنها، فمن الجميل أن نجيب الطفل بأننا لا نملك إجابة لسؤاله ولكننا سنساعدك في البحث عنها مع الذهاب للمكتبة والمحاولة للعثور على إجابة لتساؤلاته أو استشارة المتخصصين إن أمكن على حسب المجال الذي يسأل فيه الطفل، فنكتسب احترام الطفل ونجعله يحترم نفسه ولا يشعر بضحالة أبويه ونقربه منا وأيضا نتعلم بدورنا بجواره. أليس هذا الأمر جميلاً.


8. الصراع بين الأسرة والمدْرسة:
في الكثير من الأحيان حينما يتدنى مستوى تحصيل الطفل تلجأ الأسرة للصراع مع المدْرسة متهمة إياها بالتقصير في تنمية موهبة الطفل، وبأنها لا تلبي احتياجاته المعرفية والتعليمية، بما أثر بالسلب على موهبته وجعها تخمد، وهنا ننصح الآباء بعدم التسرع بالحكم على أداء المدرسة، بل بمحاولة مد جسور الوصال بين المدرسة والمنزل، وتوضيح ما يحتاجه الطفل ومحاولة متابعة احتياجاته ومستواه أولاً بأولٍ مع معلميه، وإن لم تتوفر إمكانيات جيدة بالمدرسة ولا بالمنازل الأخرى وكان الطفل مستواه أعلى مما يتلقى قد ننصح بالإسراع في التعليم، أي بتجاوز الطفل لمراحل تعليمية تفوق سنه كأن يجتاز الصف الثاني والثالث بينما أقرانه لا زالوا في الصف الأول، وإن لم يتوفر ذلك ننصح أيضا بالمدرسة المنزلية أي بتعليم الطفل في المنزل بما يناسب موهبته ولا يؤثر على مستواه التحصيلي ويعده لمراحل لاحقة.



نجلاء صبري / أخصائية نفسية وكاتبة مصرية













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة