الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهموم التي وحدت الناس

نجم خطاوي

2011 / 3 / 2
المجتمع المدني


الذين خرجوا في مظاهرات واحتجاجات العراق, يوم الجمعة الخامس والعشرين من شباط الماضي, وتلك الاحتجاجات التي سبقتها, لم تجمعهم رابطة القرابة, ولا الصداقة,وربما يكون بعضهم قد التقى الأخر لأول مرة,وربما لم يدر في خلد احدهم أن يكون سوية كتفا لكتف مع أهلا من مدينته أو الحي الذي يسكنه,وهم في مظاهرة ويهتفون نفس الهتاف والكلمات.
الذي وحد الناس هو وجعهم ومعاناتهم وصراخهم الداخلي الذي عذبهم لزمن طال وهم في انتظار الفرج.
الذي وحد الناس هو العذاب اليومي, والتفاصيل الصعبة والشاقة في خلق المعجزات من اجل الاستمرار في إقناع الذات بالمواطنة والحياة واستمرار العيش .
ربما اختلفت أسماء المدن والقصبات والنواحي والقرى العراقية التي كانت ساحات للصرخات والمطالب والنداءات والرفض والطموح والأحلام والتحدي,لكنها تبقى موحدة في همومها وأوجاعها .
أن تكون عاطلا عن العمل في مدن النعمانية والحي والعزيزية,فأن لك بالتأكيد إخوة وأحبة في عفك والسماوة وسامراء وخانقين.
أن تكون محروما من الكهرباء وأنت تشرب ماء ليس صالحا للشرب, فأن لك بالتأكيد من يقاسمك الهم في غرب الوطن وشرقه,في شماله وجنوبه.
أن يطمس أطفالك في الأطيان والأوحال, وهم يذهبون للمدارس, فلهم دون شك صحبة في الوطن هضمتهم وسحقتهم هذه المحنة.
أن تقف لساعات طويلة في طوابير المستشفيات,وان لا يكفي مرتبك لسد رمق عيش أطفالك,وأن تحرم من التعين لأسباب ليس لها صلة بقدراتك ومؤهلاتك,وأن لا يمكنك أن تنجز معاملة أو شأن إن لم تكن يدك سخية في دهن زردوم الموظفين المرتشين, فأنك بالتأكيد لن تكون وحيدا منعزلا في هذه المصائب والمحن,ولك رفاقا يشابهوك في المحنة والهم.
الحكام وأصحاب الجاه والسلطة والمال, ربما يفلحوا لحينا من الزمن في إسكات أصوات وصرخات الناس المطالبة بحقوقها وحرياتها وأحلامها في العيش بما يليق بحياة الإنسان,وأسوة بالناس في البلدان التي تحترم مواطنيها وتوفر لهم العيش الرغيد الآمن,لكنهم سيفشلون في النهاية حين تتراكم الهموم والمحن, والتي ستضطر الناس إلى التعبير وبكل أشكال الاحتجاج والصراخ.
ربما يركب الموجة بعض الطامحين لتحقيق أهداف ومآرب خاصة,محاولين نيل بعض المكاسب والفرص وبانتهازية لعينة,لكن هذا البعض يبقى محدودا ومعروفا في حال التفاضل مع الأغلبية الكبيرة والواضحة الأهداف والنداءات.
على الحكام مسؤولية عدم الخلط بين حق الأكثرية العادلة والمطالبة بحياة حرة كريمة وبطرق حضارية ومشروعة, وبين البعض المتصيد في الماء العكر ومن اجل الأنانية في تحقيق مكاسب غير مشروعة.
إن الذين التقوا, وتحادثوا, وتعارفوا في ساحة التحرير, وفي ساحات ومدن العراق, يلمهم شعور الحب والصداقة والأخوة والتعاضد والتضامن, سيواصلون مشاعرهم وتضامنهم, وقوة روح الآلفة والصداقة التي وحدتهم.
وستظل توحدهم وتوثق إخوتهم, هموم الحرمان والجوع والبطالة, والحلم بالعدالة, والعيش الإنساني الكريم, في مدن جميلة يغمرها الكهرباء والماء الصالح للشرب, مدن تظللها الحدائق, وشوارعها معبدة, ولا وجود لمشاكل المجاري فيها, وفيها مراكز للرعاية الاجتماعية والصحية والرياضية والفنية.
الحكمة التي على السلطة والحكام وأهل الحل والربط أن يتعلموها,هي أن كل قوة الحديد, والرصاص, والسجون, والقضبان, والظلم, والتعسف, والشدة, لا يمك أن تكسر وحدة الناس حين توحدهم هموم المحنة والوجع والعذاب والحرمان .
الطريق الوحيدة لوقف احتجاجات وصراخ واعتصام, ورفض الناس,هي سماع هذه الآلام والآهات والحسرات,والسعي بكل جدية وصدق ,وبنيات صافية, في العمل لبناء دولة عصرية مدنية,دولة يشعر فيها المواطن, أن ثروته,ووطنه, وأرضه, هي له واليه,وهو ليس ضيفا ولا غريبا فيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اليسوا هم مثلنا؟
ايار العراقي ( 2011 / 3 / 2 - 23:23 )
شكرا للسيد نجم على هذا المقال المهم واسمح لي بتساؤل بسيط هل تفترض ان الحكام اليوم ليسوا اصحاب هم مشترك مع المواطن البسيط فلاهم يشربون ماء ملوث ولاتنقطع عنهم الكهرباء؟
اليس هم انفسهم ممن كانوا حتى الامس القريب مثلنا في المواقع الخلفية ويستشعرون(او هكذا افترض)الهموم ذاتها معنا ومع الاخرين ممن ابتلوا بدكتاتورية النظام السابق واكتوا بناره؟
التقدير متروك للجمهور على ما اظن

اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط