الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو طرح منهجى علمى لإشكالية تحريف الأناجيل (1)

محمد عادل زكى

2011 / 3 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نحو طرح منهجى علمى لإشكالية تحريف الأناجيل
(1)
من العبارات المشهورة لإبن خلدون، فى المقدمة، والتى تُُشير إلى القواعد الأصولية للبحث فى التاريخ: " إعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم فى أخلاقهم. والأنبياء فى سيرهم. والملوك فى دولهم وسياستهم . . . . . فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن ظن وتثبت يفضيان يصاحبهما إلى الحق، وينكبان به عن المذلات والمغالط لأن الأخبار إذ اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والأحوال فى الإجتماع الإنسانى، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومذلة القدم، والحيد عن جادة الصدق، وكثير ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط فى الحكايات والوقائع؛ لإعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاًً أو سميناًً، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة فى الأخبار، فضلوا عن الحق وتاهوا فى بيداء الوهم والغلط . . . . . .".
(1/1)
إبن خلدون، هنا، يُُحدثنا عن أصول البحث فى التاريخ، وتقييم وقائع القدماء على صعيد الحياة اليومية بجميع تفاصيلها، والسياسة الحاكمة للمجتمع وما يتصل بها، وإبن خلدون فى نصهِ هذا إنما يُُشير إلى أمرين لا ينفصلان بطبيعة الحال، أولهما موضوعى يتعلق بطبيعة الحدث التاريخى المبحوث فيه، وإنما من جهة الباحث نفسه، وهنا يتبلور الأمر الثانى، وهو الذاتى المتعلق بمََن يََبحث فى التاريخ . فإنه من المتعين على الباحث فى التاريخ ، وإضافة إلى موسوعيته، أن ينظر فى الحدث نظرة واقعية ناقدة لا تتوقف عند حدود التلقى، بل نظرة، علمية، تضع الحدث التاريخى فى سياق الكُُُل المادى المنتمى إليه عبر الزمن.
(1/2)
وليس المقام هنا مقام خوض فى النص، وإنما أوردته كى أنطلق منه فى سبيلى الباحث فى إشكالية يُُظن ظاهرياًً أنها هلكت بحثاًً، وهى فى الواقع تم غلق ملفها على العديد من الأخطاء والمغالطات، تلك الإشكالية هى المتعلقة بمقولة "تحريف الأناجيل" الأمر الذى ((نُعيد طرحه، بمنهج مختلف)) مرة أخرى أدناه، إذ أتجاوز الإشكاليات السائدة (التى لا تقدم سوى أطروحات أيديولوجية هى فى حد ذاتها إشكاليات، وتم طرحها بشكل خاطىء) وأتقدم خطوة إلى الأمام نحو فرضية طرح منهجى مباشر لعناصر الإشكالية المبنية على مقولة "تحريف الأناجيل". إن ما أطرحه أدناه هو فى الواقع إعادة فتح ملف تحريف الأناجيل. ولنر ذلك بشىء من التفصيل:
(2)
ماذا كُُتِِبََ فى الأناجيل؟ ومن ثم: ما الذى لم يُُكتََب فى الأناجيل؛ ومع ذلك نُُسِِبََ إليها؟ ذلك ما سوف أعتبره جوهر طرح إشكالية النص والتراث فى المسيحية كدين. وهو ما يستصحب إثارة مسألة مترتبة، وهى تلك الخاصة بمقولة (التحريف النصى للمسيحية) وهى المقولة التى ترسخت، أثر تلقين تاريخى، فى الذهنية الإسلامية، المكوََنة فى مجملها تراثياًً، وهو التراث الذى لا يخلو من الإنحراف والتخريف والتسلط.
(2/1)
فماذا كتب فى الأناجيل؟ إن الأناجيل تخبرنا بحقائق أربع:
أولا: الله واحد، ولا يشاركه فى الألوهية أحد. مكتوب فى متى:" إن أباكم واحد الذى فى السموات" 23/8، وفى مرقص:" الرب إلهنا واحد وليس آخر سواه" 12/30، وعند يوحنا:" كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجداًً بعضكم من بعض، والمجد الذى من الإله الواحد لستم تطلبوه" 5/44
ثانيا: إن عيسى، ما هو إلا إنسان وليس أكثر من رسول. مكتوب فى يوحنا:" وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله" 8/40، وفى لوقا:" قد خرج فينا نبى عظيم" 7/19، وفى متى:" هذا يسوع النبى الذى من ناصرة الجيل" 21/11، وهكذا نطق المسيح:" الذى يؤمن بى ليس يؤمن بى بل بالذى أرسلنى" يوحنا 12/46.
ثالثاًً: إن عيس يستمد قوته وقدرته من الله، ويأتمر بأمره؛ مكتوب فى يوحنا:" ليس تعليمى من عندى، بل من عند الذى أرسلنى" 5/16.
رابعاًً: إن رسالة عيسى إقليمية، ومن ثم ذات مضمون سببى خاص، مكتوب فى متى:" لم أرسل إلا إلى خراف بنى إسرائيل الضالة" 15/24.
(2/2)
ما الذى حول المسيحية إذاًً من توحيد إلى تثليث، يرمى إيانا فى أحضان براهما وشيفا وفشنو، ومن نبوة لعيسى إلى ألوهية، لا يوجد عليها دليل نصى واحد، ومن خصوصية وإقليمية، إلى عمومية وعالمية؟
على مستوى التأريخ يمكننا درس فاحص لحقيقة وأسباب مجمع "نيقيا" الباحث فى طبيعية الثالوث المقدس، وبفحص منزه عن التحيز المذهبى الأجوف لحقيقة مجلس "خلقدونيا" الكنسى وأسبابه، يمكننا من تقديم إجابات تحدث ثقباًً فى جدار الظلام، وإن إبتغينا تدمير الجدار فعلينا المضى قدماًً نحو تقديم إجابات تصدر عن الوعى بأثر التراث فى صياغة العقائد الدينية. التراث المسيحى، العهد القديم. مكتوب فى الرسالة إلى أهل رومية:" ليحقق المواعيد للأباء" 15/8، والتراث الإسلامى الذى شيد جسماًً نظرياًً غريباًً لقطيعة معرفية بين (نصوص، إسلامية ومسيحية) لا تقول سوى شيئاًً واحداًً. هذا الوعى إنما يمثل، كما أعتقد، نقطة بدء فى سبيل درس محايد، وغائى لمقولة تحريف المسيحية. ومن ثم فهو الوعى الذى يتعين تشكله من خلال إستيعاب عميق وناقد لمجموعة من الأفكار الجوهرية المشكلة لأطر هذا الدرس:
(2/2/1)
المؤكد أن المسيح لم يدع فى يوم من الأيام انه الله، بل اليهود، بعد ان إستبان لهم أن يسوع ليس بالنبى السياسى، الذى هو من نسل داود، وان الهه غير إله التوراة. إله التوراة رب الجيوش، ذلك السيد القاسى تجاه الذين لا يؤمنون به، وبعد أن تجلى لهم أن المسيح يعيد النظر فى العقيدة المركزية بما تحويه من شعائر وطقوس، أقول أن اليهود بعد ذلك هم الذين نسبوا إليه هذا الإدعاء حتى يتمكنوا من رميه بالتجديف، وفى ذلك يتفق (النص) المسيحى فى يوحنا، مع (النص) الإسلامى فى سورة النساء، والحوارات التى تمت ما بين اليهود وبين بيلاطس مشهورة إلى حد كبير، وأختصرها فى بعض الأيات التى وردت فى إنجيل يوحنا: فقد قالت اليهود:" إن أنت أطلقته فلست موالياًً لقيصر لأن كل من يجعل نفسه ملكاًً يقاوم قيصر" 19/13، فيقول بيلاطس:" أأصلب ملككم؟" فيرد رؤساء الكهنة اليهود:" لا ملك لنا إلا قيصر" 19/15، وحينما رجع الحرس إلى الأحبار والفريسيين(*) الذين كلفوهم الإمساك بيسوع، وقد أعرضوا عن تنفيذ ما كلفوا به؛ قال الفريسيون:" أخدعتم أنتم أيضاًً هل آمن به أحد من الرؤساء أو الفريسيون؟ وليس هناك إلا رعاع لا يعرفون الشريعة، فهم ملعونون" 7/48، قالت اليهود:" ألسنا على صواب إذا قلنا أنك سامرى، وان بك مساًً من الشيطان" 8/48، ويجيب يسوع:" . . . . . الحق أقول لكم من يحفظ كلامى لا يرى الموت أبداًً 8/51، فيقول اليهود:" الآن أيقنا ان بك مساًً من الشيطان. مات إبراهيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحريف الانجيل
سمير عبد الاحد ( 2011 / 3 / 3 - 00:48 )
الاستاذ محمد المحترم , بالرغم من انني مسيحي ولكنني في ادناه سوف لن اتبنى رايا مسيحيا ولكنني بدل ذلك سااخذ موقفا محايدا وساناقش بمنطق وغرضي من ذلك ان نطوي موضوعا ليس من وراءه غير المتاعب . سيدي , ان كل من المسيحيين والمسلمين يتفقون على ان السيد المسيح هو كلمة وروح الله وان قول المسيحيين ببنوة المسيح لله انما هو من باب التشبيه ولا يوجد مسيحي عاقل يقول بان الله له ولد بالجسد . ان القول بتحريف الانجيل , وكذا التوراة تثير اشكالية لدى المؤمنين بالله فهذه المقولة تجعل من ذلك الاله عاجزا لانه يشاهد بعينيه بضعة قسس وحاخامات يحرفون كتابيه وهو غير قادر ان يفعل شيئا . ان القران نفسه لم يقل بالتحريف على العكس استشهد بالكتابين في اكثر من موضع وكانا متداولان في زمن الرسول , يبقى القول بان الكتابين انما هما عمل انساني ,هذا القول يستطيع ان يقوله اي انسان عدا المسلم لان ذلك ينقض دينه ايضا . مع التقدير


2 - اقرأ ولا تقل لست بقارئ
نورس البغدادي ( 2011 / 3 / 3 - 02:06 )
يبدو ان مجهودك يا سيد محمد أنصب في قالب واحد وبحكم مسبق وهو انكارالوهية السيد المسيح وتحوير المعتقد المسيحي الذي يؤمن بتثليث جوهرالله محاولا جعل هذا التثليث كأنه معتقد بثلاثة آلهه ، مع الأسف هذه المحاولات لا يمكن ان تعتبر بحثا اكاديميا نزيه لأنها مبنيه على احكام وأهداف مسبقه ، فلو قرأت الأنجيل بنفسك وبشكل محايد لأجل الوصول الى الحقيقة وتركت اسلوب النقل من الأفكارالمشوهه في صفحات الأنترنيت ستجد ان المسيحية لا تؤمن بثلاثة آلهه وأنما تتحدث عن صفات ذات الله (كينونة الله ، له كلمه ، وله روح ) وهذا المعتقد ثابت قبل وبعد انعقاد مجمع نيقيه ، وآلقرآن ايضا ورد فيه هذه الصفات (الله كائن ، القى كلمته ، روح منه ) ، كذلك ستجد في الأنجيل ان المسيح يقول انا وآلآب واحد وأنا كائن قبل ابراهيم وقبل السجود وغفر الخطايا ..الخ ، نحن نعلم ان الله ينفخ بروحه حتى يخلق ، وصفة الخلق صلاحيه محصوره بآلخالق وحده فكيف منح الله لعيسى صلاحية النفخ ليخلق من الطين كهيئة طير الم يكن لاهوت المسيح هو النافخ ؟ فكر يا اخ محمد وآقرأ الأنجيل بتأني ولا تقدم لنا طبيخ جاهز فاقد الصلاحيه ، تحياتي

اخر الافلام

.. فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في ظل


.. الانتخابات الفرنسية كيف تجرى.. وماذا سيحدث؟| #الظهيرة




.. استهدفهم الاحتلال بعد الإفراج عنهم.. انتشال جثامين 3 أسرى فل


.. حرب غزة.. ارتفاع عدد الشهداء منذ الفجر إلى 19




.. إطلاق 20 صاروخا من جنوب لبنان باتجاه الجليل الأدنى