الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس الفلسفة الماركسية (4)

نعيم إيليا

2011 / 3 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


3- مبدأ التناقض ووحدة الأضداد
ذكرنا في المقدمة أنّ مأثرة الماركسية في علاقتها بالفلسفة، تتلخص في أنها عمدت إلى جمع المبادئ المجردة تلك التي استنبطها الفلاسفة الذين سبقوها، ولا سيما فلاسفة اليونان الذين استغرقوا في تأمل الطبيعة وأحوال الإنسان بحثاً عن القوانين العامة التي تتحكم فيهما، فزجّت هذه المبادئ في خضمّ الحياة الاجتماعية للإنسان، على أنها القوانين الموضوعية والشروط الصحيحة التي تسيّر حركة التاريخ البشري المتمثّلة في الصراع بين الطبقات المستغِلَّة والمستغَلّة. ومن أبرز هذه المبادئ، مبدأ التناقض أو صراع الأضداد ووحدتها والذي سيشتهر في الماركسية والفلسفة الهيغلية بالديالكتيك. ومع أنّ هذا الديالكتيك يعود اكتشافه لأول مرة إلى الفيلسوف (هيركليتس) من المدرسة الإيونية، فإنّ الماركسيين سيستخدمونه في أدبياتهم وكأنه من اكتشاف (هيغل) واجتهاد الماركسية من بعده. ولا أدلّ على هذا من الجواب الذي تلقيته من الأستاذ (فؤاد النمري) مؤخراً على الرسالة القصيرة التي وجهتها إليه أثناء محاورته لكتّاب وقراء الحوار المتمدن، والتي اعترضت فيها على نسبته الديالكتيك إلى الماركسية بأسلوب يوحي بأنه من مكتشفاتها، وانتقدت فيها تعريفه المبتسر للمادة؛ إذ أصرّ على أنّ الديالكتيك – وقد أضاف إليه لفظ المادية - من إبداع ماركس وإنغلز، وكان جوابه: " أما بخصوص نسبتنا المادية الديالكتيكية إلى ماركس فهي صحيحة. تنسب المادية لهيرقليطس وينسب الديالكتيك إلى هيجل أما المادية الديالكتيكية فأبواها ماركس وإنجلز دون شك" .
وهذا رأي متسرع جانب الحقّ، وتقسيمٌ غريب خرج حتى على الرأي السائد عند أهل النظر من عتاة الماركسيين وقيادمتها أمثال جورج بوليتزر الذي ذكر فضل هيركليتس في كتابه أصول الفلسفة الماركسية فقال :
"يعود الفضل إلى الفلاسفة اليونان في البدء بتكوين الجدلية. فقد تصوروا الطبيعة ككل. وكان هرقليط يعلم الناس أن هذا الكل يتحول، فكان يقول لا ندخلقط في نفس النهر مرتي ن. كما يحتل نضال الأضداد عنده م مكانة كبيرة ولا سيما عند أفلاطون الذي يشير إلى خصب هذا النضال، إذ أن الأضداد يولد كل منها
وتعني "جاد ل" " dia legein" الآخر. وكلمة "الجدلية" مشتقة من الكلمة اليونانية فهي تعبر عن صراع الأفكار المتناقضة" .
ومهما يكن من شيء، فإنَّ هذا القانون سواء أكان من اكتشاف هيركليتس أو سبينوزا، هيغل أو ماركس وإنغلز، لن يكون محطَّ اهتمامنا في حديث اليوم، بل ستكون تطبيقات هذا القانون في الحياة الاجتماعية من قبل الماركسية، هي محطُّ الاهتمام الأول. وهذه النقطة بالذات من أبرز النقاط التي تفضح بؤس الفلسفة الماركسية، وتكشف عن تناقضاتها.
فالماركسية ترتكز في فلسفتها الاجتماعية على الصراع الطبقي، وترى أن تطور حركة التاريخ الإنساني، يتأتَّى من تناقض المصالح بين الطبقات، تماماً كما يحدث في الطبيعة حين يصطرع حدّا التناقض فيغلب أحدهما الآخر ويسود عليه: كالصراع بين الحرارة والبرودة، والليل والنهار، والخير والشر. فالماء مثلاً حامل للحرارة والبرودة، فإذا غلبت الحرارة، تبخّر الماء، وإذا غلبت البرودة، تجمّد الماء.
إنّ كلّ شيء في هذا الوجود، يقوم على مثنوية تجمع بين حدين يصارع أحدهما الآخر، وهذه المثنوية المتصارعة المتناقضة بين الأشياء بحدّيها المتلازمين المتحدين - فالضدان لا يوجد أحدهما من دون الآخر - تولّد الحركةَ الدائمة في الطبيعة أو ما يدعى بقانون الصيرورة والتطور.
هذا هو المبدأ الذي تعتنقه الماركسية، وهي بلا شك على صواب في اعتناقها له، بيد أنها ستضطرب أيما اضطراب، عندما تزجُّ هذا القانون الموضوعي في الحياة الاجتماعية، بل إنها ستتجاوز به الاضطراب إلى ما هو أشدّ نكراً منه؛ أي إلى التناقض حين تقوّض هذا المبدأ وتمحو آثاره من الوجود عندما تتصور المرحلة الشيوعية مرحلة اجتماعية خالية من التناقض وصراع الأضداد.
فإذا كان هذا القانون أزلياً أبدياً يستحيل تقويضه باعتراف أئمة الماركسية أنفسهم الذين يؤكدون أنّ القوانين الطبيعية، لا يمكن تغييرها أو تبديلها أو تدميرها، ويؤكدون أنّ كل ما يمكن فعله إزاءها بعد اكتشافها، هو الاستفادة منها فقط، فكيف يجوز أن يظهر هذا القانون في مراحل من التاريخ كمرحلة العبودية والاقطاع والرأسمالية والامبريالية والعولمة والاشتراكية، ثمّ يندثر في المرحلة الشيوعية القادمة؟
هذه هي المعضلة. وإذ واجهت هذه المعضلة معلمي الماركسية، فرضت عليهم أن يفكروا في إيجاد حلّ معقول لها، ولقد فكروا، غير أنهم عجزوا عن أن يجدوا لها حلّاً معقولاً. لقد ذهبت جميع الحلول التي (تخيّلوها) مع درج السيول؛ إذ كانت حلولاً حالمة طوباوية لقوم لا يؤمنون بالأحلام أصلاً. فها هو لينين يتخيل في كراساته الفلسفية أنه وجد حلاً للمسألة إذ فرّق بين مفهومي التعارض والتناقض، يقول:
"ليس التناقض والتعارض شيئا واحدا. إذ يزول الأول بينما يستمر الثاني في النظام الاشتراكي".
فالتعارض في الاشتراكية سيظل في رأيه قائماً، أما التناقض، فلسوف يزول. وهذا التعارض أخفّ درجة من التناقض، ولن يؤدي في زعمه إلى انهيار الاشتراكية، بل سيمهد للدخول في المرحلة النهائية (الشيوعية). ولكن لينين يغفل عن حقيقة بسيطة وهي أنّ التعارض، لا بدّ له من أن ينتهي إلى تناقض؛ لأن التعارض لا يمثل حالةً ساكنة غير قابلة للنموِّ؛ إنه قانون طبيعي متحرك نامٍ؛ ولأنه كذلك، فلن يكون بمستطاع البشر أن يتحكّموا به، أو يوجّهوا دفته بحسب ما تمليه عليهم أمزجتهم وأهواؤهم، بل سيفرض نفسه على البشر عاجلاً أو آجلاً؛ فالماء لن يستطيع أن يتفادى بلوغ درجة الغليان تحت نار هادئة بطيئة ولو شاء هذا. ولنا في سقوط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي خير برهان على صحة ذلك.
ومما يثير الدهشة، اعتقاد الماركسيين بأنّ الشيوعية ستكون مرحلة اجتماعية تنتفي فيها كل التناقضات، وتستتب فيها الحياة الرغيدة المستقرة الساكنة للناس جميعاً، وهي حياة أشبه ما تكون في تصورهم بحياة أهل الجنة. وهذا أمر مستحيل، إلا أنهم لن يعدموا منطقاً غريباً خادعاً يقنعون به أنفسهم بإمكان حدوث هذا الأمر المستحيل. فإن قيل لهم إنّ أمر الاختلاف والتعارض والتناقض، لا بدّ من أن يظهر بين الناس المنقسمين إلى فئات مختلفة وأهواء متعددة في المجتمع الشيوعي، قالوا: إذا ظهر خلاف أو (تعارض طفيف) في المجتمع الشيوعي، فسيتكفل الحزب الشيوعي بترميمه وإصلاحه.
بمثل هذه الرومانسية يندفع الماركسيون إلى الإيمان بقوة حزبهم على حلّ جميع المعضلات، وتفريج حالات (التعارض) في المجتمع. مثلهم في هذا مثل عباد الله المؤمنين بقوة الله وقدرته على حلّ جميع مشكلاتهم في الدنيا والآخرة. ولن يدور في خلد الماركسيين أنّ هذا الحزب سيتحول إلى طبقة مستغِلة - شاء أم أبى - بتأثير قانون الحتمية التاريخية المؤيَّد بمبدأ التناقض بين الأضداد؛ الذي تحولت البورجوازية بتأثيره إلى طبقة مسيطرة مستغِلة، وكذا الإقطاع من قبلها والعبودية، والذي به تتحوّل جميع الأشياء في هذا الكون مطلق الحدود.
فإنّ نفى الماركسيون قانون التناقض في المرحلة الشيوعية، فقد نفوا إذاً قانوناً طبيعياً راسخاً ثابتاً. وهل يقدر البشر على نفي القوانين الطبيعية الثابتة؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حل التناقضات التناحرية والغير تناحرية ,
رمضان عيسى ( 2012 / 2 / 2 - 17:58 )
عفوا عزيزي نعيم ، ان سبب أي اختلاف في الرأي يرجع الى عدم وضوح الموضوع المعني بصورة شاملة , أو هناك مصلحة للمعارضة عند أحدهما , فلي بعض الملاحظات على ما ورد في مقالك وهي :هناك فرق بين حل التناقضات التناحرية والتناقضات الغير تناحرية , ففي المجتمع الشيوعي لا توجد تناقضات تناحرية تتطلب تغيير البنية الاقتصادية الاجتماعية , فالتناقضات في المرحلة الشيوعية غير تناحرية أي ليست بين طبقات متعارضة في مصالحها , بل هي تناقضات غير تناحرية وتحل بالنقد والنقد الذاتي وهي مثل الإخوة في المؤسسة الواحدة وهي دائما تحت الرقابة الواعية للكوادر , ويقاس هذا باستمرارية التنامي لوتيرة الانتاج في المكان المعني .
ــ أما اذا تحول الحزب الى ما يشبه الطبقة الفوقية ولها امتيازات خاصة فيجب التعامل معه بطريقة تناقضية حادة لتغيير هذا الوضع الطاريء , ومثل هذا لا يمكن أن ينشأ في المجتمع الشيوعي , مجتمع مبدأ لكل حسب حاجته .
أنا معك لايمكن الغاء قوانين الجدل الموضوعية أ أما في المجتمع فممكن تهذيب مفعولها وتوجيهها بوعي الى الاتجاه المرغوب

اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح