الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يتعامل الماركسيون العرب مع انهيار النموذج الاشتراكي الاول، الحلقة الثانية

ثائر كريم

2004 / 10 / 13
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


الماركسيون ونقد النموذج الاشتراكي ديمقراطيا
اضحت حقيقة انعدام المؤسسات الديمقراطية وغياب التعددية والشفافية عنصرا ملازما لخطاب نقد الاشتراكية السوفيتية يتوكأ عليه اغلبية الماركسيين العرب. ولكن منظورات الرؤية والتفسيرات الناجمة بما فيها مدى جدية نقد غياب الديمقراطية وقوة النقد يتباين بين مجموعة واخرى. ولايتردد بعض الماركسيين في التاكيد على ان تغييب الديمقراطية السياسية وحقوق الانسان كانت علامة مميزة للاشتراكية ليس فقط ابان العهد الينيني من قيادة الحركة الشيوعية بل ولصلب كتابات ماركس. وان ماركس بالذات هو الذي هيأ الطريق بتنظيراته لدفع مستقبل بناء الاشتراكية صوب الانهيار (انظر، مثلا، علوان، يحيى "الديمقراطية في الماركسية، شكل ام محتوى؟" في مجلة الطريق اللبنانية، العدد 5، 1997، ص. 75).
لعل فكرة ترسيخ الديمقراطية في المجتمع والدولة والمؤسسات والعائلة اضحت افقا مستقبليا ثابتا يسعى اليه الماركسيون العرب. وربما وضعها قسم منهم في عداد اول اولويات اليسار العربي (انظر، مثلا مروة، كريم "اليسار العربي، واقع ومهمات وآفاق" في اليسار العربي وقضايا المستقبل، تحرير عبد الغفار شكر، القاهرة 1998، ص. 350 وما بعدها). بات من النافل، بالنسبة لبعض الماركسيين العرب، تصور قيام الاشتركية بدون ديمقراطية. سيعني ذلك، لو حصل- كما يؤكد بعضهم- مجرد انقلاب تتقدم فيه دولة كلية الجبروت لابتلاع المجتمع لتشكل راسمالية بدون راسماليين او راسمالية دولة بيروقراطية (انظر فرج، محمد " الاشتراكية والديمقراطية، مشكلات الفكر الثوري السائد" في اليسار العربي وقضايا المستقبل، تحرير عبد الغفار شكر، القاهرة 1998، ص. 267).
بتقديري ان كل العوامل والاعتبارات التي يلجأ اليها الآن الماركسيون العرب في تفسير سقوط الاتحاد السوفياتي وتداعي المنظومة الاشتراكية تؤشر على ادراك كموني او تأثر مباشر بالإشكالية التي اظهرها بفداحة سياق العولة المعاصر: اشكالية النسبية الاجتماعية كونيا. نسبية الايديولوجيات والانظمة الاقتصادية والسياسية ونسبية الوصفات الشمولية. ولعل هذا التبني الواسع لفكرة النسبية ومقاربة انهيار النموذج الاشتراكي في ضوءه وراء ترديدات العديد من المثقفين الماركسيين (وغيرهم طبعا) في العالم العربي لمفهوم "منطق العصر"، و "حقوق الانسان" و"الديمقراطية" و"المجتمع المدني".
ومن خلال قراءة طبيعة ومصائر تجربة النظام الاشتراكي وانهياره يستمد بعض الماركسيين العرب دروسا في كيفية التعامل مع "منطق" و "لغة" العصر ومكانة الاشتراكية كايديولوجيا ونظام اجتماعي. ربما وصولا الى توفير قراءة تقترب جدا من الرؤى الاشتراكية الديمقراطية التي لعلها ستبرز قريبا باعتبارها مكونا رئيسيا لمرجعية تاسيس مفاهيم التجديد للخطاب الماركسي العربي. هناك بدايات غامضة نوعا ما لرفض ميكانيكية مفهوم الحتمية التاريخية، حتمية تعاقب التشكيلات وحتمية الراسمالية والشيوعية وحتمية التقدم الخ. فضلا على ذلك ثمة تبني صريح لدى البعض و وخجول لدى البعض الاخر لعناصر النظام الديمقراطي اللبرالي بما فيها استقلالية المؤسسات والتعددية الاقتصادية والسياسية والفكرية والتداول السلمي للسلطة. كل هذه التنوعات تبدو ملازمة الان لنسيج الطرح الاشتراكي في العالم العربي وقسماته الاساسية. فالكاتب أ. عبد الغفار شكر، مثلا، يلخص سمات عصر مابعد الانهيار من زاوية نظر ماركسية فيها من اللبرالية الكثير. فبرأيه ان اشتراكية المستقبل ستنبني على الديمقراطية وليس على الفرض او بفعل شرعية تاريخية مفترضة نظريا. واشتراكية المستقبل ستقوم، حسب قوله، ليس بالضرورة والحصر على مبادئ الملكية العامة والتخطيط الحكومي. بل ستقوم اجمالا على مزج هذه المبادئ بعلاقات الملكية الخاصة والتعاونية واليات السوق وعلى قاعدة مجتمع مدني عريض لا يختزل الى الطبقة العاملة فقط (شكر، عبد الغفار "الديمقراطية والطريق العربي الى الاشتركية" في: اليسار العربي وقضايا المستقبل، تجرير عبد الغفار شكر، القاهرة 1998، ص. 194 وما بعدها).
من الواضح، اذن، ان عولمة قيم الديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الانسان التي اتخذت نطاقا واسعا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تشكل العامل الاول وراء سيادة مزاج لبرالي واضح بين اوساط معظم قوى اليسار العربي والماركسي منه تحديدا.
أي، بكلام آخر، كان من المستبعد ان تتجه اقسام واسعة من الماركسيين والشيوعيين بمحض قراءتهم المحلية ذاتيا لشروط التطور الاجتماعي وافاقه في العالم العربي في افق الديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني لولا العولمة (لاسميا تجلي حقيقة نسبية الفكر والوجود الاجتماعيين كونيا) وانهيار النموذج الاول.
فارتباطا بهذه العاملين فقط انبثق سعي واسع لاعتماد الكفاح السياسي السلمي او بالاحرى تفعليه اجتماعيا وفرضه كاداة نضالية للتغيير الاجتماعي. ابتدأ هذا السعي اولا في بعض البلدان العربية التي ظهر فيها بعض الهامش للممارسة الديمقراطية مثل مصر وتونس والمغرب ولبنان. ولكن هذا التطور غير متسق لحد الان. فان تنظيمات ماركسية وشيوعية- في البلدان ذات المساحة الديمقراطية المعينة فضلا على انظمة الاستبداد الشمولي والحكم الفردي مثل عراق صدام حسين- اختلط نشاطها السياسي السلمي المعارض، بصورة غير مريحة ابدا، باساليب العمل اللاديمقراطي. فالعنف بمختلف اشكاله والكفاح المسلح هي وسائل ما تعلن تبنيها تنظيمات ماركسية بلا تردد.
من الواضح ان الممارسات القمعية الدامية التي تختطها انظمة استبدادية عربية نهجا ثابتا في ممارساتها وسياساتها تجعل تلك التنظيمات تضطر للجوء الى اساليب العمل اللاديمقراطية. لكن النتيجة الاساسية، عمليا، لعدم الاتساق بين الاهداف والوسائل واختلاط الاساليب السلمية بالعنفية هو تدهور الهدف الديمقراطي. فهذا الهدف يتراجع الى مجرد وسيلة يراد منها تحقيق تغيير سريع للنظام القائم وليس افقا استراتيجيا راسخا يراد منه بناء مجتمع الحوار والتعددية والتداول السلمي للسلطة. وبالنتيجة، ايضا، لا تتطور ممارسة هذه القيم الديمقراطية داخل هذه التنظيمات لانها لا تتساوق كخيار اسلوبي وحيد وهدف مجتمعي اول واساسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجة حر شديدة تجتاح جنوب شرق آسيا


.. الحوثيون يستهدفون سفنا جديدة في البحر الأحمر • فرانس 24




.. الشرطة القضائية تستمع إلى نائبة فرنسية بتهمة -تمجيد الإرهاب-


.. نتنياهو: بدأنا عملية إخلاء السكان من رفح تمهيدا لاجتياحها قر




.. استشهاد الصحفي سالم أبو طيور في قصف إسرائيلي على مخيم النصير