الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر حول إبن خلدون وقانون القيمة

محمد عادل زكى

2011 / 3 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


هو : عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون أبو زيد، ولى الدين الحضرمىّ الأشبيلىّ، ويَمتد نسبه إلى وائل بن حجر، أصله مِن أشبيليه، ومولده ومنشأه بتونس عام 1332، ويَشك إبن خلدون نفسه فى صحة نسبه، كما أنه لم يَقل لنا شيئاًً فى ترجمته عن تربيته الحقيقية؛ بل إلتزم الصمت التام إزاء حياته وحياة عائلته، على أنه عُنى بالإفاضة فى تعلمه وفى الكُُتب التى درسها فى مختلف العلوم التى كانت تُدرَس حينئذ فى تونس، ويقول عنه الزركلى فى كتابه عن الأعلام: "هو الفيلسوف المؤرخ، العالم الإجتماعى، البحاثة، رحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان والأندلس، وتولى أعمالاًً واعترضته دسائس ووشايات، عاد إلى تونس، ثم توجه إلى مصر فأكرمه سلطانها الظاهر برقوق وولاه فيها قضاء المالكية وعُزل وأُُعيد، كان فصيحاًً، جميل الصورة، عاقلاًً، صادق اللهجة، طموحاًً، إلى أقصى الحدود، إلى المراتب العليا" حتى يُمكن إعتباره، فى تصورى، مِن أكبر إنتهازييّى التاريخ المعروفين، هذا وقد أدى الواقع الإجتماعى الذى شب فيه العلامة إبن خلدون إلى بلورة فكره بوجه عام؛ فلقد عاش فى أسوأ القرون التى عاش فيها العالم الإسلامى. سقوط بغداد على يد المغول. تحفز الصليبية للقضاء على الدويلة الإسلامية الباقية فى الأندلس. إنتشار الفتن وتعدد العصبيات. الإنقلابات. إستشراء الطاعون. . . الأمر الذى أفضى إلى ظهور مَن يُنادى بضرورة العودة إلى الدين المتمثل فى القرأن والسنة، وإن سبب تردى حال المسلمين، بعد عصر ذهبى، يرجع إلى شيوع البدع بينهم، ومِن أشهر القائلين بذلك إبن تيمية (1263- 1328) عاش إبن تيمية إذاًً فى عصر إبن خلدون، كما عاش الغزالى فى عصر إبن رشد، بيد أن الدرس فى الغالب ما يَسير فى إتجاه واحد، إنعزالى فى المقام الأول بما يُربك الفهم ويُقطِع أوصال حركة التاريخ، وحينئذ فقط سيكون مقبولاًً دراسة التاريخ إبتداءًً مِن تاريخ أوروبا، كما أرخته أوروبا. وبنفس مناهج القطيعة المعرفية . . . نعود ونقول: يأتى إبن خلدون وقد وقع تحت تأثير نزعتين قويتين، ربما متضادتين، هما حُب العِلم والبحث، وحب الجاه والسلطة، ويُكون الموقف الرافـض مِن فكـر إبن تيميـة، ويكشف عن أولى الأفكار فى بنيويـة "الديالكتيك "أو الماديـة الجدليـة، بقوله: ". . . . . ومن الغلط الخفى فى التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال فى الأمم والاجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام وهو داء شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من اهل الخليقة والسبب الشائع فى تبدل الأحوال والعوائد أن عوائد كل جيل تابعة لعوائد سلطانه كما يقال فى الأمثال الحكمية الناس على دين الملك وأهل الملك أو السلطان إذ استولوا على الدولة والأمر فلابد من أن يفزعوا إلى عوائد من قبلهم ويأخذوا الكثير منها ولا يغفلون عوائد جيلهم مع ذلك فيقع فى عوائد الدولة بعض المخالفة لعوائد الجيل الأول فإذا جاءت دولة أخرى مِن بعدهم مزجت من عوائدهم وعوائدها خالفت أيضا بعض الشيء وكانت للأولى أشد مخالفة ثم لا يزال التدريج فى المخالفة حتى ينتهى إلى المباينة بالجملة فما دامت الأمم والأجيال تتعاقب فى الملك والسلطان لا تزال المخالفة فى العوائد والأحوال واقعة والقياس والمحاكاة للإنسان طبيعة معروفة ومِن الغلط غير مأمونة تخرجه مع الذهول والغفلة عن قصده وتعوج به عن مرامه فلربما يسمه السامع كثيرا من أخبار الماضين ولا يتفطن لما وقع من تغير الأحوال وإنقلابها فيجريها لأول وهلة على ما عرف ويقيسها بما شهد وقد يكون الفرق بينهما كثيراًً فيقع فى مهواة من الغلط." ومن العبارات المشهورة لإبن خلدون، فى المقدمة، والتى تُُشير إلى القواعد الأصولية للبحث فى التاريخ: " إعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم فى أخلاقهم. والأنبياء فى سيرهم. والملوك فى دولهم وسياستهم . . . . . فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن ظن وتثبت يفضيان يصاحبهما إلى الحق، وينكبان به عن المذلات والمغالط لأن الأخبار إذ اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والأحوال فى الإجتماع الإنسانى، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومذلة القدم، والحيد عن جادة الصدق، وكثير ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط فى الحكايات والوقائع؛ لإعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاًً أو سميناًً، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة فى الأخبار، فضلوا عن الحق وتاهوا فى بيداء الوهم والغلط . . . . . .".
إبن خلدون، هنا، يُُحدثنا عن أصول البحث فى التاريخ، وتقييم وقائع القدماء على صعيد الحياة اليومية بجميع تفاصيلها، والسياسة الحاكمة للمجتمع وما يتصل بها، وإبن خلدون فى نصهِ هذا إنما يُُشير إلى أمرين لا ينفصلان بطبيعة الحال، أولهما موضوعى يتعلق بطبيعة الحدث التاريخى المبحوث فيه، وإنما من جهة الباحث نفسه، وهنا يتبلور الأمر الثانى، وهو الذاتى المتعلق بمََن يََبحث فى التاريخ . فإنه من المتعين على الباحث فى التاريخ ، وإضافة إلى موسوعيته، أن ينظر فى الحدث نظرة واقعية ناقدة لا تتوقف عند حدود التلقى، بل نظرة، علمية، تضع الحدث التاريخى فى سياق الكُُُل المادى المنتمى إليه عبر الزمن. ويُعتبر إبن خلدون، وفقاًً لهارى بَارَنس فى مؤلفه عن تاريخ عِلم الإجتماع، أول كاتب يتعرض لفكرة التقدم ووحدة العمليات الإطرادية الإجتماعية، كما يَعتقد بَارَنس، إن أهم تجديد لإبن خلدون هو عرضه لفكرة المرحلية التى تمر بها المدينة، وكشفه بوضوح عن كون الحضارة فى حالة تغير مُستمر مثل حياة الفرد تماماًً، كما يذهب سوركين إلى: انه يُمكن وضِعَ إبن خلدون جنباًً إلى جنب مع أفلاطون، وأرسطو، وفيكو، وأوجست كونت، على أنه أحد مؤسسى عِلم الإجتماع، كما انه فى مجال التاريخ العِلمى، يُعتَبر مؤسسه، ويمكن القول أيضاًً وبوضوح ان العلامة إبن خلدون تَمكن مِن الوصول إلى ضفاف بعيدة فى نظريات عديدة يتعين الإنتظار فترة طويلة تاريخياًً حتى يعيد طرحها أحد مفكرى أوروبا فى العصر الحديث؛ إذ تَمكن إبن خلدون مِن الإحاطة بنظرية القيمة، فهو يرى أن مصدر القيمة إنما يَتجسد فى العمل، فعلى سبيل المثال، أوضح إبن خلدون فى الباب الأول مِن: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومَن عاصرهم مِن ذوى السلطان الأكبر ان حقيقة الرزق والكسب، إنما هى قيمة الأعمال البشرية، حيث يقول:" وإعلم أنه إذا فُُقِدَت الأعمال، أو قََلت بإنتقاص العمران، تأذن اللهُُ برفع الكسب. ألا ترى إلى الأمصار قليلة الساكن، كيف يَقل الرزق والكسب فيها، أو يفقد لقلة الأعمال الإنسانية، وكذلك الأمصار التى يكون عمرانها أكثر، يكون أهلها أوسع أحوالاًً وأشد رفاهية". ثم يَضرب إبن خلدون مثلاًُ:"حتى أن الأنهار والعيون ينقطع جريانها فى القفر لما أن فوران العيون إنما يكون بالإنباط والإمتراء الذى هو بالعمل الإنسانى".ويتبع إبن خلدون فى مسلكه هذا تسلسل معين: فالله سبحانه وتعالى خلق جميع ما فى العالم للإنسان وإمتن عليه فى غير أية مِن كتابه. ويد الإنسانة مبسوطة على العَالم وما فيه بما جعل اللهُُ له مِن الإستخلاف. ثم أن أيد البشر منتشرة، فهى مشتركة فى ذلك، والإنسان متى إقتدر على نفسه وتجاوز طور الضعف؛ سعى فى إقتناء المكاسب ليُنفِق ما أتاه الله منها فى تحصيل حاجاته وضروراته بدفع الأعواض عنها". ثم يَنقِل إبن خلدون فى الفصل الثانى مِن نفس الباب عن الحريرى أنه قال:"إن المعاش إمارة ونِجارة وفِلاحة وصناعة". وإستبعد الإمارة لأنها ليست بمذهب طبيعى للعيش، وتُقدم الفلاحة لأنها بسيطة وطبيعية وفطرية، كما يَستبعد إبن خلدون إبتغاء الأموال مِن الدفائن والكنوز وكونها لا تُعد مِن المعاش الطبيعى، ويوضح إبن خلدون معنى التجارة ومذاهبها وأصنافها فى الفصل التاسع مِن جهة كونها محاولة للكسب بتنمية المال، بشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء وذلك القدر النامى أسماه ربحاًً. وتتميز عناصر الإنتاج، عند إبن خلدون، بتحديد أوجه التفرقة بين عناصر الإنتاج اللازمة لأداء العملية الإقتصادية، وحصرها فى: العمل، ورأس المال، والموارد الطبيعية أما العمل فقد ذكره فى أماكن عديدة وإعتبره أهم عنصر مِن عناصر العملية الإنتاجية، إذ بدونه لا يُمكن إتمام أى شىء نافع للإنسان. وهو حينما يتكلم عن العمل فهو يتحدث مباشرة عن القدرة على العمل، القدرة الموجودة لدى الإنسان ولكن تلك القدرة، وفقا لإبن خلدون، ليست مجرد قدرة جسمانية، وإنما هى أيضاًً قدرة فكرية وذهنية، فبتتبع الخط المنهجى لإبن خلدون نتوصل معه إلى أن القدرة الجسمانية بمفردها دون القدرة الذهنية، لا يُمكن أن تَخلِق الألات والأدوات التى تُساعد فى الإنتاج، بمعنى أن العمل هو الخالق لرأس المال، المركََب مِن أدوات عمل ومواد عمل، تم خلقها بعمل الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوراق الجوافة..كيف تحضر مشروبًا مثاليًا لمحاربة السعال والته


.. دراسة: مكملات الميلاتونين قد تمنع الإصابة بحالة الضمور البقع




.. في اليوم الـ275.. مقتل 20 فلسطينيا بغارات على غزة| #الظهيرة


.. ترقب داخل فرنسا.. انطلاق الجولة الثانية للانتخابات التشريعية




.. اقتراح التهدئة.. تنازلات من حركة حماس وضغوط على بنيامين نتني