الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لسنا الأفضل.... ولغَتنا ليست أفضل اللغات.

الطيب آيت حمودة

2011 / 3 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


طغيان الفكر الساذج والتأويل الفاسد ،وازدياد عدد الوضاعين والمدلسين ، أملتها حاجة أُناس للقيادة وناسٌ للإنقياد ، حاجاتهم لتخدير العقول وتنويمها وتدجينها ، وكثيرا ماتناغمنا بعقولنا الصغيرة مع (النقل) دون (العقل) وأنتجنا عقلا خرافيا ساذجا ، على شاكلة عقل من كتب على قبر الصحابي (حجر بن عدي ) المقتول هدرا: هذا قبر سيدنا حجر بن عدي رضي الله عنه ، الذي قتلهُ سيدنا معاوية رضي الله عنه ، لأنه رفض البراءة من سيدنا علي رضي الله عنه ، هذا الكاتب يناصر من ؟ ، أهو مع القاتل أم المقتول ؟
على هذا النسق نسير ، نستقبل المعرفة دون وزنها وتقدير ثمنها ، ونرددها تباعا ونؤمن بمضمونها دون أدنى استفسار أوشك فيها ، والشك غالبا ما يكون ممدوحا و بداية لليقين ، فتغيب عن فكرنا تساؤلات ضرورية لتخليص المعرفة من شوائبها ، فباختفاء ( كيف؟، ولماذا؟ ومتى ؟ ،وما الفائدة ؟ ) نترك العقل ميدانا خصبا لزرع كل مفسدة شاردة وواردة .

*** العرب .... ليسوا الأفضل بالضرورة .

. ما قرأته هذه الأيام وأعجبني هو مقال للدكتور . عبد الله بن ناصر الحمود تحت عنوان (نحن .. لسنا الأفضل بالضرورة ولغتنا العربية ليست أفضل اللغات) ، ويبدو أنه أثار زوبعة من الفكر، والفكر المضاد خاصة وأنه يحسب على التيار المتدين ومن البلاد التي يطغى فيها الفكر الوهابي السلفي المتعالي الذي ينكسر دون أن يلتوي ويلين .
أما نحن الأفضل التي طبل لها المطبلون وصاغت لها ( قبيلة حدثنا ) سلسة من الأحاديث الموضوعة والمفبركة والتي ضعف الألباني الكثير منها وعدها بذات الأثر السيء في الأمة ، ولا زال لحد الآن من يردد بافتخار وعزة قول شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيمج
1/419(:فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم عبرانيهم ،وسريانيهم، رومهم وفرسهم ،وغيرهم ، وأن قريشا أفضل العرب ، وأن بني هاشم أفضل قريش ،وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم ،فهو أفضل الخلق نفسا وأفضلهم نسبا .
وليس فضل العرب ،ثم قريش ، ثم بني هاشم بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم،وإن كان هذا من الفضل بل هم في أنفسهم أفضل ، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا وإلا لزم الدور.)
((أنا عربي ، و القرآن عربي ، و لسان أهل الجنة عربي )) حديث موضوع و ضعيف ما زال يردده العوام ، لم يرق إلى مستوى كلكم من آدم ، وآدم من تراب ، والغريب في أن التاريخ اثبت بأن النبي ( إسماعيل ) الذي ينحدر منه النبي صلى الله عليه وسلم ليس عربيا قحا وإنما هو هجين ، من أب هو النبي (ابراهيم عليه السلام ) الكلداني الأرامي ، وأم افريقية نوبية هي (هاجرالقبطية) ، وهو سبب الخلاف بين القحطانيين الأقحاح والمضريين المستعربة ، وقد أفصح القرآن بأن الإسلام للعالمين ، وأن منطق الإستحواذ على النبي نسبا مذمومٌ بقوله في سورة الأحزاب الآية الأربعون( ...مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
وقد نكون مؤيدين للقرآنيين بأن كل ما خالف القرآن المنطق والعقل يُعد باطلا ، فالناس كلهم سواسية كأسنان المشط ، أفضلهم أليقهم وأنفعهم لأنفسهم ولأممهم وأوطانهم .وهذه المفاضلة الجزافية المتوارثة انقشعت وبان خداعها وزيفُها ، فأصبحت بغير مفعول في زمننا و إن حرص المنتفعون على ترسيخها ودوامها عند سذج الناس الذين لا عقل لهم.

*** لغتنا العربية .... مقدسة بمنظورنا لا بمنظور غيرنا .

أما لغتنا هي الأفضل فمسألة فيها نظر ؟ ، لأن أفضليتها تنبع من زاوية النظر إليها داخلا وخارجا ، فبالمنظور الداخلي نحن معشر المسلمين نحيطها بهالة من التقديس لأنها وعاء لديننا ، اكتسبت قدسيتها ومكانتها الرفيعة من القرآن ، ولأنها لسان رب العالمين في مخاطبة المؤمنين به عربا وعجما ، ولكن لا يجب أن ننسى بأن لغات أخرى نالت نفس الحظوة قبل الإسلام ، فاليهودية والمسيحية كتابان سماويان سبقا الإسلام ، لغتهما غير عربية( عبرية ، سريانية ) ، فاليهود ينظرون إلى لغتهم وجنسهم بنفس المنظور الإستعلائي ، بل يمكن القول أن العرب استفادوا كثيرا من خيلاء اليهود في رسم معالم أفضليتهم .
أما إذا نظرنا إليها من زاوية خارجية فهي لغة من اللغات ، ولسان من الألسن ، لم يرد الصريح في أفضليتها ، فقوتها وأفضليتها تقاس بمعلم المتحدثين والمبدعين بها في شتى مناحي الحياة ، وهي إن كانت رائدة ذات زمان ، فهي حاليا تعيش انتكاسات متتاليه أمام المد المعلوماتي وتسونامي العولمة لعوز أهاليها وميلهم للتقليد والمحاكاة لا للإبداع والخلق ، واللغة تتقدم بتقدم وتطور أهلها ، فهي وعاء لجهدهم وفكرهم ومنتوجهم الإبداعي والحضاري .
لا يختلف اثنان بأن اللغة العربية لها مؤيدوها ومحبوها ، وأنها لغة تهافت عليها المتهافتون ، لما تكتنزه من عبق الماضي ،
وجزالة التعبير ، وثراء المترادفات والإشتقاقات، وقوة البلاغة ، وما لها من قدرة على الإستعارة والكناية والتمثيل ،والقلب والتأخير ، ومن الصعب ترجمة القرآن إلى الألسنة الأخرى بنفس السهولة التي تُرجم بها الإنجيل من السريانية إلى الرومية والحبشية ،وتُرجمة سائر كتب الله إلى العربية لقدرتها الإستيعابية ، ومرونتها وسعة أفقها ، وهو ما جعل شاعرنا حافظ ابراهيم يمجدها في قصيده بقوله :
أنا البحر في أحشائه الدر كامن **** فهل سألوا البحر عن صدفاتي .
وسعت كتاب الله لفظا وغاية ***** وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة **** وتنسيق أسماء لمخترعات .
غير أن الأقوام الأخرى تنظر للغاتها بنفس المنظار ، فالأنجليزية عظيمة في عيون شكسبير ، و الفرنسية في عيون موليير ، والأسبانية أعظم عند (سرفانتس) صاحب دون كيشوت ، وهو ما يعني أن المفاضلة اللغوية نسبية وليست مطلقة بين الأقوام ، فكل يرى بأن قصيدته المدحية أجزل وأفضل وأقدس ، وأكثر الناس قدرة على الحكم والتمييز بين اللغات هم المتفقهون والمستعملون لها ، فلا يمكن لجاهلها الحكم عنها ، لأن ما جهل المرء عاداه .
أما لسان أهل الجنة عربي فلم تثبت صحته لا نقلا ولا عقلا ، وإنما هي تخاريف رسخت بالتكرار ، لا سند يدعمها ويخدمها .

*** العربية كانت مُفرقة ... الإسلام أحيَاها ووحدَها .

كانت اللغات في شبه جزيرة العرب قبل الإسلام بتعداد قبائلها ، فقد تم إحصاء أزيد من خمسين لسانا [1]، اشهرها وأذيعها هي المعروفة (بالأحرف السبعة ) [2] وحدث تغليب ومغالبة فيما بينها ، وتمكن الخليفة عثمان بن عفان حسم الموقف لصالح لغة قريش في نسخه للقرآن بحرفها فيما يعرف ( بالمصحف العثماني ) الذي نسخ ( ألغى )كل المصاحف السابقة بالتبديد والحرق ، بعد توزيع المصحف البديل ( العثماني ) على الأمصار لاعتماده ونشره . وظهر تنقيط الحروف تباعا بعد ظهور اللحن الذي أضر بالمعنى ، وما صاحب ذلك من ظهور علم النحو وموازين الشعر والعروض التي لعب فيها الأعاجم والعرب دورهم في فحصها وتدقيقها إثمارا لجهد الأولين من العرب .
وتلك إشارة بأن القرآن نزل بلغات عربية شتى ، وحَّدها القرآن بين دفتيه درأ للخصومة والفتنة بين العرب أنفسهم ، وإن كان فيه غلبة نسبية للغة قريش ، و لسائل أن يسأل ، هل نزل القرآن بلغة العرب دون سواها ، هل القرآن كله بلغة العرب الخالصة؟
الجواب أشار إليه جلال الدين السيوطي في مزهره [3] ، (( قال الجمهور ليس في كتاب الله سبحانه شيء بغير لغة العرب لقوله تعالى : إنا جعلناه قرآنا عربيا ، وقوله تعالى : بلسان عربي مبين ، وادعى ناس ( آخرون ) أن في القرآن ما ليس بلغة العرب حتى ذكرو لغة الروم والقبط والنبط )) [4] فقد أحصى عددا كبيرا من الألفاظ قدرها بقوله (فتلك نيّف ومائة كلمة أعجمية دخلت القرآن. ) منها ماهو فارسي على شاكلة (الإستبرق ، المشكاة ، القسطاس ، السجيل ، التنور ) ومنها ما هو بالسريانية ( طه ، اليم ، الطور ، الربانيون )، ومنها ما هو بالرومية ،ومنها ماهو حتى بالحورانية ( هيت لك ) وبالحبشية ( المشكاة ، الكفلين ) ، وهو ما يشير بأن هذه الحروف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء إلا أنها سقطت إلى العرب فأعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية ، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب ، (فمن قال بأنها عربية فهو صادق ، ومن قال عجمية فهو صادق )،وأجابوا عن قوله تعالى قرآناً عربياً ،بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربياً ، وأفرد السيوطي بابا ضمنه الكثير مما عربته العرب من اللغات الأخرى واستعملته في كلامها ، يمكن الرجوع إليه عند الحاجة في المرجع المشار إليه ، وما أريد قوله هو أن العربية ليست خالصة للعرب في تكونها بل هي جامعة لألسن شتى مثلها مثل غيرها من اللغات ، ولعل في شموليتها ما جعل الله يختارها لكي تكون عامل وحدة بين المسلمين جميعا باعتبارها لغة المسلمين المؤمنين أكثر منها لغة العرب وحدهم .

***صعوبة اللغة العربية .....

هذه اللغة التي عجز الناس الإلمام بها ، يقضي المرء طوال عمره معها دون أن يخضعها أو يستحوذ عليها ، فهي دائما تشعرك بالضعف ، ودائما في حاجة إلى الإستزادة من ينبوعها ، ففيها خلاف واختلاف قد يمتد إلى أكثر من ست لغات عربية ، نحو : قُسطاس ، وقسطاس ،وقصطس ، وقسقاط ، وقساط ، وقسطاط ، وفيها اختلاف من أسماء ، فبغذاذ هي بغداد وهي نفسها بغدان ، قال الأصمعي : اختلف رجلان في ( الصقر) فقال أحدهما بالصاد ، وقال الأخر بالسين ،فتراضيا بأول وارد عليهما ، فحكيا ماهما فيه فقال : لا أقول كما قلتما وإنما هو ( الزَّفر ) وفي ذلك إ شارة للصعوبة والتداخل ، ويروَى أن الكثير من تعابير القرآن صعب على الخليفة عمر بن الخطاب فهمها وإدراك معناها ، فيروى أنه قرأ على المنبر (وفاكهة وأبا ) وقال : الفاكهة عرفناها فما الأب ؟ . حتى أن ابن عباس المكنى ( بترجمان القرآن ) لم يع معنى ( غسلين ، حنانا ، أواه، الرقيم )، ولعل في صعوبتها ما يدفع شباب اليوم إليوم إلى الإقبال على عوالم لغية أبسط وأسهل ، فتعلم الأنجليزية مثلا لا يحتاج إلا لزمن قصير يتمكن فيها الطالب من التحاور والكتابة ، و تلك السهولة مع الحاجة إليها ،ساعدت على انتشارها بين الأمم الأخرى .

*** اللغة الوعاء ...فيها المقدس وفيها المدنس .

اللغة مهما كانت فهي وعاء تستقبل ما يوضع فيها ، فهي أشبه في تقديري ( بجهاز الكمبيوتر) نضمنه ما نشاء ، فقد تكون محتوياته ومضامينه مفيدة وايجابية ، وقد تكون مضرة سالبة ، والإنسان هو الذي يفرغ ما له من تجارب خيرة فيه ، من الأبحاث والأفلام التوثيقية التي تفيد النشء وتزيده ثراء فكريا ومعرفيا عند فتح صفحاته ، وقد تُستغل للمشين من الفعل وأرذله فيسهمُ في خراب المجتمع ، فهي سلاح بحدين فيه البناء ، وفيها الهدم ....
فمضامين اللغة العربية ليست كلها قرآن ، فيها المقدس حقيقة من كلام الله ، لكن فيها المدنس من كلام البشر ، فيها الأغاني للأصبهاني ، وفيها ألف ليلة وليلى ، وفيها كتاب النفزاوي ، وهجاء جرير والمتنبي ، وفيها المثيلية والجنس والفجور، ورجوع الشيخ إلى صباه ، فهذه اللغة شبيهة للغات عالمية أخرى ، وعاؤها يتقبل ما يوضع فيها من الرحيم إلى الرجيم ، وهو ما يعني أن تفريغها من القرآن ، سيجعلها لغة الشعر والخان والمديح والموال والموشحات والأزجال ، والفلسفة وعلوم الإلحاد التي عطلها أبو حامد الغزالي في صراعه مع أهل العقل بكتابه تهافت الفلاسفة .

مجمل القول أن ما قلناه ليس كرها في العرب ولا شنآنا في لغتنا العربية ، وإنما هي كلمات حق استقيناها من مطالعات حصيفة عن أهل الرأي والورع ، أحكام غابت فيها الذاتية والنرجسية ، فيها قناعة بأن قيمتنا من قيمة فعلنا الآني وليس من فعل الأولين الذين سبقونا ، فالتفاضل يُبنى على المضامين والمخرجات وليس على الأمنيات والأهواء ( فمن أبطأ به عمله ، لن يسرع به نسبه)، وأن ازدهار لغتنا وقداستها ومكانتها الرفيعه نصنعه بأنفسنا وجهدنا ، فكل تطور ونماء نحققه إلا وأثمر بالنماء والمكانة الرفيعة على اللغة ، وإن كانت لغتنا العربية سابقا مفعمة بالرفاه والجاه ،فأهلها حاليا عاجزون عن تسمية مقتنيات الرصاصة و الكهرباء بما في حوانيتهم من الخردة ، فما بالك التمكن من تقنيات التواصل وتصنيع الذرة وغزو الفضاء .
-=-=-=-=-=-=--=-=-=-=-=-=-=-=--=-=--=-=-=-=
[1] يذكر أبو بكر الواسطى فى كتابه (الارشاد): " فى القرآن من اللغات العربية خمسون لغة: لغة قريش وهذيل وكنانة وخثعم والخزرج وأشعر ونمير وقيس عيلان وجرهم واليمن وأزدشنوءة وكندة وتميم وحمير ومدين ونجم وسعد العشيرة وحضرموت وسدوس والعمالقة وأنمار وغسان ومذحج وخزاعة وعطفان وسبأ وعمان وبنو حنيفة وثعلب وطى وعامر بن صعصعة وأوس ومزينة وثقيف وجذام وبلى وعذرة وهوازن والنمر واليمامة.
[2] قيل أنها سبع لغات للعرب ، وقيل أنها سبعة أوجه (الأمر بالمعروف ، النهي عن لمنكر ، الوعد ، الوعيد، الجدل ، القصص ،الأمثال ) ،أو هي (الأمر، والنهى ،والحلال ،والحرام ، والمحكم ،والمتشابه ، والأمثال) وقيل أنها القراءات السبع .
.[3] المزهر في علوم اللغة وأنواعها ، جلال الدين السيوطي .
[4] المزهر في علوم اللغة وأنواعها ، جلال الدين السيوطي ، ص 140.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله