الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناهج التفسير والتفسير الوجداني محاضرة للمفكر السيد احمد القبانجي

آريين آمد

2011 / 3 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في المحاضرة السابقة "هيرمنوطيقيا النص وجمالية المعنى" توصلنا إلى استنتاجات غاية في الأهمية نوردها هنا لنتمكن من الدخول إلى محاضرة "مناهج التفسير والتفسير الوجداني" كأرضية صلبة للنقاش العلمي، هذه الاستنتاجات هي:
1. من خلال الهيرمنوطيقيا استطعنا فهم أسباب الاختلاف بين التفاسير التي تناولت النص، وراينا بان جميع التفاسير مشروعة رغم اختلافها.
2. الوحي الوجداني هو الأصل وأن القارئ لابد أن يفهم المتكلم قبل النص.
3. إن الوحي مستمر ولم ينته، بخلاف النظرية التقليدية التي ترى خاتمية النبوة وانقطاع الوحي.
4. إن القران كتاب وليس كلام الله، لان الكلام هو الألفاظ التي تدل على المعنى والنص لوحده لا يدل على معنى إلا بقراءة القارئ له. والقران بدون قراءة هو كتاب فقط.
5. إن النبي هو أول مفسر للوحي لأن هذا القران هو تفسير لما جرى في قلب النبي من وحي وجداني ظهر على لسان النبي في إطار ثقافته.
6. لا تعارض بين الوحي والعقل والعلم من الأساس، لأن المفسر الحديث يفسر القرآن وفق أفق ثقافته، التعارض يقع بين تفسير قديم وتفسير حديث أو بين فهم قديم وفهم حديث للوحي، لا من حيث التعارض بين الوحي الإلهي والعلم.
إن إعادة قراءة تلك الاستنتاجات تظهر بان تفسيرنا للنص ومن خلال الهيرمنوطيقيا يعتمد على أسس وأصول ومنها إن القارئ يشارك النبي في فهم النص، وان النص صامت، لكن له القابلية على المعنى... والقارئ يساهم في صنع المعنى، من هنا تحديدا تظهر مشكلة التحريف بصيغتين:
1. تحريف أخلاقي يتجسد بزيادة أو حذف للقران.
2. تحريف طبيعي ناجم من خلال عملية نزول الوحي وحتى وصول النص إلى الشكل الذي نراه اليوم، لان الوحي كان عبارة عن مجموعة من المعاني نزلت على قلب النبي الذي حوله بدوره إلى علم أصولي وهذا كان بمثابة أول مرتبة من التحريف، بمعنى إن أول تحريف وقع عندما حول النبي الوعي الوجداني إلى وعي ذهني، بعدها مباشرة بدأت المرحلة الثانية من التحريف التي تمثلت بتجسيد هذا الوعي الذهني على شكل ألفاظ ، فثلا كلمة الجوع المتألفة من ثلاث حروف لا يمكن أن تعبر عن الجوع بشكل كامل، كذلك كلمة الحب التي تتألف من حرفين فقط ، كيف يمكنها أن تعبر عن كل الحب من مشاعر وانفعالات ورغبات ملتهبة، فاللفظ لا يستوعب كل المعنى، كذلك النبي عندما قال "الحمد لله رب العالمين"، فهل أن كلمة (الحمد) استوعبت او تستوعب كل المعاني التي كانت في قلب النبي؟؟؟ أم إن كلمة (الرب) يمكنها أن تستوعب الله؟؟؟ هذه ربما تكون صورة للمعنى ولكن لا يمكنها أن تكون الواقع، وهذا تحريف طبيعي وهو من أصل اللغة، لهذا فان أي كتاب لا يعكس الواقع كله وهذا حتمي، عليه لا يمكن لنا أن نقول بأن هذا هو نفس القران الذي نزل على محمد!!!!!.
3. التحريف اللفظي. النبي إذن كان يتكلم بألفاظ ، ولكن عندما تحولت الألفاظ إلى كتاب (بفضل التدوين) حصل تحريف، لأنه في الكتابة تختفي الحركات والاشارت والمعالم الأخرى للمتكلم مما يحدث تحريفا لا يمكن التخلص منه.
لهذا يستحيل أن نقول بان هذا القران هو كلام الله الذي نزل على النبي، فما هو الحل إذن أمام هذه الحالة؟؟؟؟؟!!! الحل هو أن نعرض هذا القران على الوجدان، أي أن يكون لقارئ القران وجدان يشبه وجدان النبي، أي يجب أن يكون لمفسر القران وجدان الهي لكي يفسر (بعملية اشبه بالوحي) ولذلك نحن نقول بان الوحي مستمر، وبان النبي محمد كان آخر نبي لآخر وحي تشريعي، والعقل اليوم لا يحتاج إلى السماء لوحي غيبي في التشريع.
في زمن النبي لم يكن هناك تفسير للقران، لان القران كان واضحا، وكان القران هو التفسير الأول للوحي، وهو تفسير النبي لفهم الوحي، هو رؤية النبي للحياة والغيب والقيامة ولهذا في القران نقرأ "تبيان لكل شيء" بمعنى القران هو تفسير للحياة، لهذا لم نجد تفسير للقران عن النبي ، فنحن لم نسمع إن احد سأل النبي حول آية ما من القران، حيث أن جميع التفاسير جاءت بعد النبي، ونحن نقبلها جميعا لان من أسس الهيرمنوطيقيا قبول التفاسير المختلفة، القران في زمن النبي كان واضحا لكل الناس، ولكن بعد النبي صار لدينا عقلانية جديدة في ظل تغير الواقع، كان النص متغيرا في عهد النبي وكانت الآيات تأتي تبعا للمشاكل التي كانت تظهر ولكن بعد موت النبي توقف النص (تجمد النص) لكن الواقع لم يتجمد، فالزمان والواقع في تغير مستمر لذلك حصل فجوة بين الواقع والنص، هذه الفجوة أظهرت الحاجة وبقوة إلى التفسير والتأويل، وكلما ازددنا بعدا عن زمن النص ازدادت التفاسير، لهذا سوف تظهر تفاسير جديدة بعد ثلاثمائة سنة وستستمر إلى مالا نهاية.
لأننا قلنا في المحاضرة السابقة بان النص (لا هو حي ولا هو ميت)، هو نص صامت كما كان يقول أمير المؤمنين (القران صامت فاستنطقوه) أو (أنا القران الناطق)، لهذا نحن نرى بان كل إنسان مؤمن وواعي يمكن أن يكون هو القران الناطق إذا ما توفرت لديه وجدان قوي، والإمام علي يقول (الإنسان هو الأصل في فهم القران)، وما القران بدون الإنسان إلا نص جامد، ونحن من يعطيه الحياة من خلال فهمنا له معتمدين على أنفسنا لان المؤلف قد مات ونحن من يعطي معنى للكلمات.
القراءة التقليدية تصور لنا بان النبي كان يردد ما يقوله له (جبرائيل) ولم يكن له دور في ذلك تماما مثل (البوق) أو (المايكروفون)، أما رؤيتنا فتختلف، نحن نرى بان النبي كان يستوحي من العالم ومن الحياة معاني عديدة وأوردها في النص، بمعنى رؤية النبي وثقافته انعكست على النص (الوحي)، لذلك نحن نقول بان قراءتنا للنص تختلف لأننا نعيش في زمن أكثر تطورا عن الزمن السابق. ومن خلال الهيرمنوطيقيا نستطيع أن نفهم أسباب اختلاف التفاسير، لان التفسير كما بينا سابقا ناجم من خلال فهم القارئ الذي يأتي عادة إلى النص بذهن ممتلئ بالأفكار والمسلمات والتي أسميناها (المسبوقات الفكرية) ويحصل من خلال فهمه للنص إعادة إنتاج أو خلق للنص في زمن مختلف، بأدوات مختلفة وبأفق مختلف.
لهذا يمكن تصنيف مناهج التفسير إلى:
1. المنهج البياني. هو منهج قراءة اللفظ ويعتمد على قواعد اللغة في فهم القران، ويكاد أن يكون اليوم هو المنهج السائد، فهو يعتمد على التفسير من خلال معرفة معاني الكلمات مثل معرفة المعنى الاصطلاحي للكلمة، أو المعنى ألاستعمالي ، أو معرفة المراد الجدي للمتكلم، أي معرفة قصد الله أو قصد المتكلم.
2. المنهج الروائي. وهو اعتماد روايات معينة في التفسير فأهل السنة يعتمدون على ابن العباس أو ابن المسعودي وأما الشيعة فيعتمدون على روايات أهل البيت، ويقولون دائما بان النبي أوصى بالثقلين "تركت فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي" ، فهل يمكن لنا أن نلتزم بالقران وعترة النبي في التفسير؟ الجواب، كلا، لان القران تحول الآن إلى نص، وأحاديث أهل البيت أيضا تحولت إلى نص، فالنبي حينما قال فمن بعدي علي ابن طالب، لان علي كان حي (ناطق)، أما الآن فالاثنان أموات، الإمام علي الآن هو نهج البلاغة، ونهج البلاغة يحتاج إلى تفسير لأنه نص مكتوب. في ذلك الزمان كان يمكن الذهاب إلى الإمام الحسن أو الحسين أو الإمام الصادق أو ابن المسعودي أما الآن وبعد( 1400) سنة فكل أهل البيت صاروا روايات وأكثرها كاذبة، فنهج البلاغة أصلا غير ثابت، هو نص مرسل، والاشتباه هنا ينشأ حينما قالوا هؤلاء أئمة، متناسين إن الإمام إذا مات فلن يصبح إماما، وهم كانوا يقولون "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات كافرا" ، الآن إمام الشيعة غائب، وكل إمام كان في عصره إمام وحجة، كان هناك اثنا عشر إمام وفتاويهم مختلفة، فاحدهم كان يدعو إلى الصلح في حين دعا الآخر إلى الثورة، المشاكل تظهر عن فحصنا لتلك الروايات المنقولة عن أهل البيت لان فيها روايات باطلة من الأساس مثلا }إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين{. بعض روايات أهل الشيعة تقول بان المقصود بالبعوضة هو الإمام علي وما فوقها هو النبي، أما القسم الآخر من الروايات فيحتاج إلى تدبر وتدقيق أكثر فمثلا هناك روايات تقول بان الإمام علي كان يقف تحت المطر حتى يبتل ولما كانوا يسألونه عن ذلك يقول (هذا الماء قريب من العرش فهناك بحر تحت العرش يأتي منه الماء إلى الأرض). أو التفاسير المتعلقة بقصة آدم } قال يا آدم أنبئهم بأسمآئهم فلما أنبأهم بأسمآئهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون { . بعض التفاسير تقول الأسماء كانت أسماء أهل البيت، وآخرين يقولون أسماء الوديان والجبال، وآخرين يقولون كانت أسماء من هم أحق بالخلافة، وخلاصة القول لا يمكن أن نلتزم بالتفاسير التي تعتمد الروايات.
3. منهج تفسير القران بالقران. حيث ورد في الاحاديث الشريفة من كون القران يفسر بعضه بعضا، وقد اتخذه الطباطبائي وصاحب المنار منهجا بالتفسير بعرض بعض الايات على الاخرى لفهم النص. لكن هذا المنهج يواجه الكثير من الاشكاليات مما يجعله غير وافي بالغرض، لان الآيات الاخرى التي يعرض عليها النص الاول تكون في العادة خاضعة لضغط المسبوقات الفكرية (بمعنى وجود انتقائية لآيات معينة تحقق غرض المفسر) وكذلك لانه ليس لكل الآيات تفسير ضمن النص القراني فهناك الكثير من الآيات لم ترد سوى مرة واحدة في القران كآيات الاحكام، يقابلها الكثير من الاجمال في آيات اخرى بشكل عام، مما دفع المفسرين لعدم الالتزام بهذا المنهج.
4. المنهج الوجداني. قبل الخوض بالتفسير الوجداني يلاحظ بان جميع التفاسير الآن ميتة ولهذا فان القران يقرأ للموتى، نحن نحتاج أن نضيف من عندنا الجمال، لان القران ميت ويدعو للموت، القران ليس فيه جمالية الآن، الجمالية الموجودة اليوم هي لصوت عبد الباسط أو المنشاوي، يفترض إن نعطي جمالية للقران تنسجم مع الحداثة، ولكم أن تنظروا إلى الفن لتروا كم تطور الفن، فشتان ما بين الفن الكلاسيكي والفن التشكيلي، لا بل إن الفنون اليوم دخلت مرحلة ما بعد الحداثة، لم يعد العالم المتطور يناقش الحداثة ومفاهيمها مثل العلمانية، أو الليبرالية، أو الحرية، لأنها أصبحت من ثوابت العقل البشري، نحن لا نزال نتناقش حول الحرية والغرب يضحك علينا لمفاهيمنا المتخلفة ويتصوروننا نعيش في عصور قبائل الأمازون، الغربيون لا يشككون ولا يأتي في بالهم بان الله يعادي الموسيقى!!!!!!. المنهج الوجداني هو الوحيد الذي يمكنه إضفاء الجمالية المفقودة في النص وإعادة إحياءها لترويجها من جديد، فآية "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" يمكن ان تفسر بأسلوب آخر أكثر جمالا وأكثر مقبولية، فالعرفاء يقولون هذه الآية صحيحة وبما إن الله هو ملك الملوك فإذن ينطبق وصف الآية هذه على الله أيضا، فملك الملوك إذا دخل قرية أفسدها، فأي قرية هذه التي يمكن أن يقصدها الله ؟؟؟؟ القرية في نظر العرفاء في هذه الحالة هو (قلب الإنسان)، وأهل القرية يقصد بهم (أهل القلب) وهو الأنا، هذه (الأنا) عادة شيطانية ودائما نراها تقول أنا الأجمل، أنا الأفضل، أنا ومن بعدي الطوفان، فإذا دخل الله (ملك الملوك) قلب المؤمن (القرية) تصبح هذه الأنا ذليلة وتختفي جميع الشياطين، وهذا معنى جميل للآية، النبي أعطانا كتاب وأضفى فيه جماليات عديدة وعلينا إحياء تلك الجماليات، علينا أن نقرأ القران كنص فني، إبداع فني، نلاحظ اليوم الكثير من المثقفين يأخذون مواقف معادية للقران لان الفقهاء لم يأتوا بتجديد لهذا النص.
آية أخرى وهي آية موسى حينما خاطب الرب} ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين{ المفسرين يتخبطون في تفسير هذه الآية، لأنه كيف يمكن أن يطلب موسى شيء هو مستحيل من الأساس؟؟؟ أما تفسيرنا الوجداني فهو ينطلق من العشق، والعشق هو غير معقول وإذا أدخلناه في العقل تحول العقل إلى مسخ، وموسى كان عاشق لله وأراد رؤية الله، (قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل) لم يكن المقصود بالجبل هذا الجبل، بل تجلى الله لجبل الأنانية في قلب موسى، فموسى كان لا يزال في قلبه الأنانية فهو قال (ارني)، والله تجلى لجبل أنانية موسى فانهار(وخر موسى صعقا) فأصبح مثل الحلاج عندما قال (أنا الحق)، لهذا كلما تقلصت الأنانية ازددنا قربا من الله، وحينما تجلى الله لقلب موسى انهارت الأنانية فيه فخر موسى، هذا التفسير الوجداني يبقى نافعا إلى الأبد.
قصة ادم وحواء يذكرها القران على شكل تمثيلية، إن الغرض منه شيء آخر، ليس القصد انه كان هناك طين خلق الله منه ادم، ثم يستشير الله الملائكة، فكل القصة بذلك السرد المعروف هي خلاف للعقل، وحسب تفسيرنا الوجداني تتحول عناصر القصة كالتالي، إبليس هو الأنانية التي في قلبك، الشيطان هو الأنا، لأننا نرى استحالة أن يعصي إبليس الله، لان كل ما يخلقه الله يستحيل أن يعصي. المعلول لا يمكنه أن يعصي العلة ولا يمكنه أن يتخلف عن علته. وتفسير قصة آدم وجدانيا هو إن كل واحد منا هو (آدم) وكل واحد منا له جنته التي انعم الله بها عليه، وهي جنة الراحة النفسية (الراحة التي تتحقق بالابتعاد عن الفواحش والمنكرات)، فالإنسان الذي يكذب، ويغش، ويخادع ، ويزني، أو يسرق فمن المؤكد انه يعيش في قلق دائم ويبدأ يخسر جنته، المعصية هي التي أخرجت آدم من الجنة المعنوية، وعندما يتوب الإنسان ترجع له الجنة، التوبة هنا ترجعك إلى وجدانك وتكف عن الأعمال التي تنسف الجنة، فإبليس إذن هو الأنا التي تكمن في دواخلنا، وحبنا لله، أو عشقنا لله كفيل بان يطور وجداننا لنزيل هذه الأنا من قلوبنا، فالأنا دائما حجر عثرة أمام الوجدان. أخيرا القران الآن مفيد لكنه مجمد، ويمكن أن يكون مفيدا أكثر إذا فسرناه بهذه الطريقة الوجدانية.

انتهت
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر