الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية التربية والمربي

صاحب الربيعي

2011 / 3 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعدّ مفردات التربية قيماً عامة وأحكام تربوية مستحدثة يجري غرسها في لاوعي الجيل الفتي خلال الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي ليتكسب الفرد عضويته في المجتمع، وبذلك فإنها توجهات قصدية تهدف إلى تنشئة جيل جديد يتوافق سلوكه مع أحكام المجتمع. ولا يمكن تحقيق هدف التربية من دون استجابة الجيل الفتي اللاواعية إلى مسارات التربية وإتجاهاتها والقبول بأحكامها العامة. وفي الغالب يحدث تقاطعاً بين الغرس التربوي للعائلة والغرس التربوي للمدرسة بعدّ الأول غرساً تربوياً عشوائياً والثاني غرساً تربوياً هادفاً فضلاً عن تباين توجهاتهما وأهدافهما على نحو عام، لأن أفراد المجتمع ينتمون إلى فئات اجتماعية مختلفة ومستويات وعيهم وواقعهم الاجتماعي متباين. وبذلك تختلف مستويات التربية وتتقاطع مع الغرس التربوي للمدارس العامة لأن توجهاتها التربوية وأهدافها قصدية موحدة وموجه ومتوافقة مع قيم الدولة التربوية لغرسها في ذهن الجيل الفتي ليكون سلوكه منسجم مع أحكام المجتمع.
يُعرف (( مياسيشيف )) التربية قائلاً : " إنها التأثير الموجه نحو الفرد خلال مسار التعليم وإتجاهاته، ويهدف إلى غرس توجهات قيمية محددة في لاوعيه للتحكم بسلوكه العام ليكون متوافقاً مع الأحكام السلوكية لمحيطه الاجتماعي ".
تكتسب القيم التربوية من المحيط الأسري والاجتماعي والتعليمي خلال محطات العمر، فلكل محطة عمرية مكتسبات قيمية معينة تتناسب مع مستويات وعي الفرد. ولا يمكن اكتساب قيم التربية دفعة واحدة وإنما على جرعات ملائمة مع المحطات العمرية ومكتسباتها المعرفية، فالكبير في السن داخل الأسرة يفرض على نحو واعي أو لاواعي مكتسباته القيمية التربوية على الأصغر منه سناً أو يكتسب الصغير السن على نحو لاواعي مفردات التربية من الكبير السن في محيطه الاجتماعي كنوع من التقليد أو التماهي أو الشعور بالإنتماء اللاواعي إلى الآخر فيكتسب منه على نحو أسرع القيم التربوية أو السلوكيات أو طريقة التعبير. وليس في الضرورة أن تكون المكتسبات التربوية القيمية، مكتسبات صحيحة على نحو كلي أو متوافقة مع أحكام المجتمع. لأن المحيط الاجتماعي وتباين مستويات الوعي لهما الآثر الكبير في ترسيخ قيم تربوية سوية أو انتزاع قيم تربوية غير سوية أو العكس تماماً بدليل التباين الكبير في مستويات التربية بين أفراد المجتمع على نحو متقاطع مع الأحكام العامة للمجتمع أو متوافق معها.
يُعرف (( دوركهايم )) التربية قائلاً : " إنها التأثير الذي تحدثه الأجيال الكبيرة السن الناضجة في الأجيال الفتية غير الناضجة، وتهدف إلى غرس خصائص أخلاقية وعقلية وجسمية أو تنميتها في لاوعي الجيل الفتي التي يقرها المجتمع ونظامه السياسي على نحو عام والمحيط الاجتماعي على نحو خاص ".
إن التعليم أحد أهم المسارات التربوية خاصة إن توافرت الدولة على برامج تربوية قصيرة الأجل وطويلة تسعى خلالها إلى إعداد جيل فتي يحترم قوانين النظام ويلتزم بأعراف المجتمع ويستوعب مديات حريته وحقوقه التي لا تمس حرية الآخرين وحقوقهم وينبذ استخدام العنف في تعامله مع الآخرين.
إن تأثير التوجهات التربوية للدول المتطورة على أفراد المجتمع أكبر من التوجهات التربوية للعائلة، لأن مهمة إعداد الأجيال الفتية تقع على عاتق الدولة، فالجيل الفتي يقضي ساعات أكثر في المدارس وأماكن الترفيه من قضائه مع العائلة لالتزامات الأبوين بساعات عمل طويلة خلال اليوم خارج البيت. لذلك تتشابه إلى حد ما سلوكيات أفراد المجتمع وتصرفاتهم في المحيط الاجتماعي لأن الغرس التربوي للدولة على مدى أجيال متتالية فرض توجهات تربوية موحدة في ذهن العائلة، كونها المسؤولة الأكبر عن التوجهات التربوية لأفراد المجتمع خلال مسارات التعليم وإتجاهاته الكثيرة وبإشراف مؤسسات تربوية تضم مختصين من علماء النفس والاجتماع والسلوك لإعداد البرامج التربوية وتطويرها ومتابعة تطبيقها في كل المؤسسات التعليمية وملحقاتها من الأندية العامة وأماكن الترفيه... وغيرها.
يؤكد (( ل. روبنشتين )) " أن التعليم أحد أهم التوجهات التربوية للدولة ".
على خلافه في الدول المتخلفة غير المتوافرة على برامج تربوية قصير الأجل وطويلة تعاني مجتمعاتها خللاً تربوياً في مستويات التربية الأسرية والتربية العامة، ولسد الثغرة التربوية تسعى إلى تقوية أجهزة الضبط والتحكم لفرض النظام بالقوة والعنف على أفراد المجتمع. إن البرامج التربوية وتطويرها على نحو مستمر ليست كافية لإعداد جيل فتي أقرب إلى السوية في سلوكه مع أحكام المجتمع، لأنها بحاجة إلى مربين أكفاء ومؤهلين لترجمة مفردات التربية إلى سلوكيات سوية خلال الغرس التربوي اللاواعي في ذهن الجيل الفتي وإلا فإن العملية التربوية برمتها تصبح عديمة الفعالية أو لربما تظهر توجهات وسلوكيات متعارضة تماماً مع أهداف البرامج التربوية العامة.
إن إعداد المربي إعداداً صحيحاً يعدّ الضمان الأكبر لتطبيقات صحيحة للبرامج التربوية على المستوى العام شريطة أن يترافق ذلك مع إنسجام سلوك المربي وتصرفه مع مفردات المنهج التربوي الذي يسعى إلى غرسه في ذهن الجيل الفتي وإلا فإن سلوكه غير السوي يؤثراً سلباً في مفردات البرامج التربوية بعدّه القدوة الحسنة العاكسة لسوية البرامج التربوية العامة.
تعتقد (( أ. زيمنيايا )) " أن المدرسة والمربي يعدّان حلقة الوصل الأساس بين الأجيال المتعاقبة وحاملي الخبرة التاريخية الاجتماعية والكمال الثقافي الحضاري على نحو عام ".
يعدّ الاهتمام بالمدرسة والمنهاج التعليمية والتربوية والمربي الحجر الأساس في إعداد جيل سوي يتوافق سلوكه وتصرفه مع الأحكام السلوكية العامة للنظام الاجتماعي الذي تسعى الدولة إلى تعزيزه خلال الغرس التربوي اللاواعي في ذهن الجيل الفتي.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. امتحان عسير ينتظر إيران بعد وفاة رئيسي.. إلى أين ستمضي طهران


.. إجماع إسرائيلي على رفض قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو بصفت




.. مشاهير يوجهون رسالة إلى زوجة بايدن لحثها على اتخاذ موقف تجاه


.. استشهاد 10 فلسطينيين جراء استهداف الاحتلال منزلا لعائلة الكح




.. وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، ماهي التبعات السياسية في