الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسس دولة مدنية ..الآن وفورا

أيمن بكر

2011 / 3 / 11
المجتمع المدني


احتمالات انحراف الثورة عن مسارها في مصر لم تزل قائمة. الأزمة طبعا أبعد ما تكون عن فكرة العودة لما قبل 25 يناير، لكن الطبيعي في حياة الشعوب أن الطبقة التي أضرت الثورات بمصالحها –وهي طبقة عريضة في مصر- ترى في الثورة عدوا يجب إضعافه إن لم يكن قتله. القتل هنا مسألة تقترب من المستحيل؛ لأن رؤوس النظام القديم قد سقطت، وبدأت حالة من محاسبة المفسدين، ومعها بدأت حالة من النظر إلى الذات وإطلاق مكبوتها. ويبدو لي أن المطالبات الفئوية البريئة، وخاصة ما يتصل بحقوق الأقليات، هي اكتشاف للروح والكرامة فيه نشوة قدر ما فيه من ذهول، ويبدو أن تلك المطالبات تتعجل التحقق كأنها لا تصدق إمكان أن تتكرر الفرصة، وبهذا الفزع بسبب فكرة الفرصة الأولى والأخيرة، تسيء تلك المطالب اختيار التوقيت والطريقة للتعبير عن نفسها، وهو الأمر الذي ينطبق على وضع الأقباط في مصر. الثورة المضادة لا يمكنها أن تعيد الأمور في مصر إلى سابق عهدها، لكنها تستطيع أن تشوه الثورة وتؤخر ما تسعى لتحقيقه بما يمكنه أن يكلف مصر المزيد بشريا واقتصاديا.
المسار يبدو من الخارج مرتبكا مترددا، فكل خطوات التغيير التي قام بها المجلس العسكري جاءت متأخرة، وبعضها جاء تحت ضغط الشارع، وهو أمر يدعو للتساؤل والحيرة: من الذي يتخذ القرار في مصر؟ هل المجلس العسكري يريد مستقبلا أفضل حقا؟ هل هم واعون بحجم الكارثة التي عاشتها مصر لثلاثين سنة؟ هل هم مستعدون للجراحة الاستئصالية التي تقضي على المرض وتنظف كل رواسبه؟ إن كان الأمر كذلك وهو ما نرجوه، فلماذا تأخير الخطوة الأكثر جوهرية وهي إنشاء دستور جديد للبلاد؟ من الذي اقترح عليهم تعديل هذه المواد بالتحديد؟ إجابة وحيدة ومخيفة: إن من اقترح تعديل هذه المواد في الدستور هو شخص من التاريخ يسمى محمد حسني مبارك؛ بحيث يصبح الالتزام بما اقترحه مبارك هو تعبير عن ولاء مستتر للنظام السابق، إذ يبدو أن هناك سطوة نفسية على أقل تقدير مازالت فاعلة لدى كثير من قيادات العمل السياسي وقيادات القوات المسلحة. إن كان الأمر غير ما أصف فما الذي يدعو لترقيع دستور يتفنن في صناعة الدكتاتور؟
إن الخيارات واضحة ولا تقبل التسويف أو التأخير؛ لقد طالبت الثورة منذ يومها الأول بإقامة دولة مدنية، وهو أمر له خطوات لا تحتمل الارتباك، يجب أولا القضاء التام على تكوينات النظام السابق سواء أكانت حزبا أغرق البلاد في الفساد، أو أجهزة حكومية طالما أبدعت في إرهاق المواطن والتنكيل به. وثانيا يجب وضع دستور جديد للبلاد الآن وفورا، بحيث لا يترك الأمر لقرارات رئيس جديد لا ندري أي نوع من المراوغات يمكن أن يمارسه. صحيح أن الشعب لم يعد قابلا للخداع بالطرق القديمة نفسها، لكن ما الداعي لتأجيل اتخاذ الخطوات الأكثر جوهرية وترك الأمور للترهل واحتمالات الحرب الأهلية. لقد ترك المجلس العسكري الباب مفتوحا لعودة فلول النظام وتماسكهم، وكانت النتيجة المباشرة هي أحداث طائفية لم يكن لها أن تحدث لو أننا اتخذنا خطوات واسعة وسريعة في تكوين دستور يقوم عليه أساتذة القانون الدستوري في مصر. الدستور الجديد سيضع الأمور في نصابها، وهنا يمكننا جميعا أن نتصدى لأية جهة متطرفة أو تسعى لمكاسبها الخاصة بحكم القانون الذي يوجه أية دولة مدنية في العالم.
لقد كانت التعديلات الدستورية التي قامت بها اللجنة محدودة بصورة مفزعة، وكأن من قام بها لم يزل تحت سطوة النظام القديم الذي يأمر فلا يملك الناس إلا الطاعة. وبوضوح فج: كانت اللجنة التي قامت بالتعديلات الدستورية أقل كثيرا من طموح الشعب، وهو الأمر الذي يدعو للتساؤل: من الذي اختار هذه اللجنة؟ ومن المستفيد من تعطل الحركة الصحيحة نحو دولة مدنية تقضي على عهد بغيض. لقد كان اختيار اللجنة من البداية معيبا، حيث استبعدت كبار فقهاء القانون الدستوري، وحددت بصورة مقلقة مواد قليلة تاركة كل سلطات رئيس الجمهورية كما هي، وهو أمر إما ناتج عن عمد أو عن جهل وكلاهما خطير؛ فالعمد يعني أن هناك تخطيطا لإعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، والجهل يعني أن من يقوم على هذه الفترة الخطيرة هم أشخاص أقل من شروط اللحظة، ما يمكن أن يؤدي إلى كارثة. كما أن الاستفتاء على الدستور بصورته الحالية هو فتح الباب للنزاعات الطائفية التي تطل بوجهها الآن على استحياء، لكنها بعد ذلك قد تنقلب إلى حرب أهلية حقيقية ليست فقط بين المسلمين والأقباط. وهنا وجبت الدعوة بقوة لكل شخص وطني يخشى على مستقبل مصر ويحمل مسئولية هذه الأيام العصيبة، إلى التحرك الصحيح باتجاه دستور جديد يضمن حقوق الجميع وحريات الجميع، حتى وإن دفعنا الآن ثمنا قليلا في مواجهة الاعتراضات الجاهلة والصراخ العصبي لبعض التيارات، في مقابل وضع أسس واضحة، الآن وفورا، لدولة مدنية حقيقية وليست مسخا مشوها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميقاتي ينفي مزاعم تقديم أوروبا رشوة إلى لبنان لإبقاء اللاجئي


.. طلاب يتظاهرون أمام منزل نعمت شفيق




.. عرس جماعي بين خيام النازحين في خان يونس


.. العربية ويكند | الشباب وتحدي -وظيفة مابعد التخرج-.. وسبل حما




.. الإعلام العبري يتناول مفاوضات تبادل الأسرى وقرار تركيا بقطع