الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله..مع الطغاة أم مع الشعوب؟

زينب رشيد

2011 / 3 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يكن بيان هيئة علماء مملكة آل سعود الذي حرم التظاهر والاحتجاج بعد أن دعا سعوديون الى التظاهر والثورة على نظام بالغ الفحش والظلم والجور والطغيان والقمع، لم يكن هذا البيان أول محاولة لاستدعاء الله من عليائه كي ينزل للميادين داعما ومساندا لظله في الارض من الطغاة والقتلة والمتجبرين ومانحي صكوك غفرانه وماسكي مفاتيح جنانه. ما يميز هذا البيان فقط انه كان قمة في الصراحة والوقاحة في آن معا، صراحة تمثلت بتحريم حق يعد من أبسط حقوق الانسان وهو الشكوى من الظلم من خلال تجمعات وتظاهرات سلمية، ووقاحة تجلت بمصادرة دور الله بعد أن صادروا دور عباده، وقد جاء هذا البيان تتويجا لسياق تاريخي امتد منذ صدر الاسلام وحتى الان، لجأ خلاله كل الحكام بالتحالف مع رجال الدين لاستدعاء الله كلما احتاجوا لذلك في وجه كل الثورات التي هبت ضد ظلمهم وطغيانهم، وأحيانا كان يتم استدعاء الله بكل جبروته ضد معارض بسيط لا حول ولا قوة له ليُقتل باسم الله ودينه.

التاريخ الاسلامي يزدحم بالامثلة على استدعاء الله من قبل الحكام عند الحاجة اليه، حتى أن أحفاد رسول الاسلام تم قتلهم اناثا وذكورا والتمثيل بجثثهم باسم اله جدهم ودينه، وبعد هذا المثل لا دهشة ولا استغراب ان يتم القضاء على شعوب وحضارات باكملها باسم الله، وقطع رقاب المعارضين المفكرين والعلماء والادباء باسم الحفاظ على دينه، وباعتقادي ان العديد قد أتى على ذكر هذه الأمثلة بالتفصيل مما سمح بالاطلاع عليها في عصر لم يعد ينفع معه أساليب الرقابة والمنع والقص والملاحقة وحرق الكتب، فالكلمة وان كان لها جناحان مقيدان في عصور سابقة فانها اليوم تطير بحرية في هذا الفضاء الذي نطل من خلاله على جمهور لا حصر له كان محروما من حق المعرفة طوال تاريخ أغبر قاتم مظلم ألبسوه زورا وبهتانا كل صفات المجد والقدسية.

إلا أن المثير والمدهش والذي يدعو حقا لكل أشكال الاستغراب هو أن تقول الشعوب التي انتصرت ثوراتها أن الله هو الذي نصرها، كما وتقول الشعوب التي لم تنتصر بعد بان الله هو الذي سينصرها، وكأن الله كان عاجزا عن التخلص من الطغاة الذين جثموا على صدور شعوبنا عبر مئات السنين السابقة، كما واني لا أدري أي اله هو الذي ناصر الشعوب وأيدها وآزرها، هل هو اله المسلمين أم المسيحيين أم البهائيين؟ وماذا عن من لا اله له وقد شارك الجميع بالثورتان اللتان تكللتا بالانتصار حتى الأن.

مسيرة ألف وأربعمائة عام منذ صدر الاسلام تدلل ان المسلمين لم يتخصلوا من طاغية إلا عبر طاغية آخر، ولم يتخلصوا من احتلال واستعمار إلا بفضل معادلات القوى الدولية والظروف التي تتحكم بصراعاتها والمآلات التي تؤول اليها تلك الصراعات، والتي تسمح للبلدان المُعرفة بانها اسلامية بالاستقلال حينا، أوتستبدل استعمار باستعمار أحيانا أخرى، وبالتالي فان كثيرا من الامم الاخرى سواء كانت من أتباع "الديانات السماوية" أو من أتباع ما يسميها المسلمون "الديانات الارضية" كانوا أكثر جرأة وأكثر اقداما وتضحية واستعدادا لتقديم كل شيئ بما لا يقاس في سبيل انتزاع حقوقهم سواء من ديكتاتور طاغية، أو من مستعمر أجنبي بدون أن يكون لهم اله كإله المسلمين ينصرهم أو ينتصر لهم.

هكذا سبقتنا بلدان غرب اوروبا بقرون في الخلاص من عبوديتها لطغاة الارض والسماء، وهكذا سبقتنا بعقود بلدان شرق اوروبا في الخلاص من نظم شمولية ديكتاتورية أسوأ بكثير مما لدينا، وهكذا تحررت كل بلدان الشرق الأسيوي من طغاتها ومستعمريها وناهبي ثرواتها، باستثناء بورما "ماينمار" التي مازال شعبها وفي المقدمة منهم رهبانه الذين لا يعترف المسلمون بدينهم في النضال من أجل الخلاص من ظلام ديكتاتورية العسكر الى نور الحرية، وقد شاهد العالم كله في فترة سابقة كيف قُتل عددا من هؤلاء الرهبان وهم يتظاهرون سلما الى جانب شعبهم ضد الديكتاتورية والطغيان.

دأب الحكام من خلال رجال الدين على الاستنجاد بالله في وجه ثورات شعوبهم، وهو ما يمنحهم مبررا لاستعمال القوة والعنف فكله في خدمة الله وحفاظا على دينه وثوابته، رغم انه لا أمان أبدا لرجل دين لا من جهة الحاكم ولا المحكوم، فرجل الدين كان دائما مع الكفة الراجحة فهو يفتي للحاكم بكل ما يريد وصولا الى لعق حذاءه طالما كان الحاكم قويا، وحين تتهاوى أركان حكمه وتصبح آيلة للسقوط فان رجل الدين ذاته يصبح ثوريا أكثر من الشعب الذي كان قابعا تحت جوره وجور سيده الحاكم، ولا يتورع رجل الدين بأن يبالغ في نفاقه وصولا الى اهدار دم الحاكم كما في فتوى رجل الدين يوسف القرضاوي حين أفتى بجواز قتل الرئيس الليبي معمر القذافي على الهواء مباشرة وهو الذي كان من زوار خيمته والمتنعمين بكرمه الذي كان يغدقه على الجميع باستئناء شعبه.

الجميع مع محاسبة العقيد القذافي وتقديمه لمحاكمة عادلة لم تتوفر لضحاياه فيما لو تم القبض عليه حيا، والجميع يعلم ان القذافي مجرم تنوعت جرائمه واتسع مداها الجغرافي داخليا وخارجيا، وضد الشعب الليبي وغيره من الشعوب، ولكن ان كنا نريد أن نتجاوز عصر القذافي وأدواته وأسلوبه الاجرامي وطريقته في الاستحواذ على السلطة، فليس لنا من سبيل إلا القانون الذي يحتكم له الجميع ويوفر محاكمات عادلة لاي مدان أو مجرم، وليس باتباع ذات أساليب القذافي وغيره وبغطاء سماوي لا يتوفر لطالبه إلا حين يتهاوى عرش الديكتاتور. قد تصبح هذه الفتوى سابقة يعود اليها كل رجل دين للافتاء بقتل كل رئيس، فقط لأنه لا يوافق هواه وايمانه.

لا أعتقد بان الله كان نائما طوال كل تلك القرون، ولا أعتقد انه كان مستيقظا ولكنه كان يغض بصره عن كل تلك الفظائع التي ارتكبت، وكثيرا منها باسمه وباسم دينه. كل ما في الأمر ان شعوبنا هي التي كانت نائمة ومستكينة وخانعة وقابلة بالذل والعبودية والديكتاتورية، وقد شجعها على ذلك نصوص مقدسة تدعو الشعوب الى مبايعة السلاطين وولاة الأمر وعدم الخروج عليهم حتى وان أكلوا مالها وجلدوا ظهورها، وهي نصوص أتى جزء منها في سياق بيان هيئة علماء مملكة آل سعود.

نصوص مقدسة كثيرة تتيح للحاكم ان يستفيد منها لممارسة أبشع الجرائم، وأن يتفرد في الحكم كما يشاء، وأن ينهب ويسرق ما يشاء، ويمنح ماليس له لمن لايستحقه، بينما لا نجد في تلك النصوص إلا ما يرسخ حكم الطاغية وصولا الى تقديسه، فهل هناك تقديس أكثر من الطلب من الشعوب عدم الخروج على الحاكم الذي يأكل مالها ويجلد ظهورها.

لا أحد يستطيع أن يُحرم الشعوب من ايمانها بما تريد وكيف تريد، ولكن علينا أن نتذكر أنه كلما اشتد ايمان الحاكم وتدينه كلما كبرت جرائمه واشتد ظلمه وجوره، وزاد نهبه لخيرات الشعوب، وكلما زاد عدد رجال الدين من حوله ازداد عدد الفتاوي التي تبيح له فعل كل ذلك واكثر منه، لكن كلما اشتد ايمان الشعوب تصبح أكثر قابلية "للقدر" الذي أتى بهذا الحاكم وتاليا تصبح أكثر التزاما بطاعته وعدم الخروج عليه، واللبيب من الاشارة يفهم.

الى اللقاء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السلام عليكم
طلعت خيري ( 2011 / 3 / 13 - 17:40 )
لا أحد يستطيع أن يُحرم الشعوب من ايمانها بما تريد وكيف تريد، ولكن علينا أن نتذكر أنه كلما اشتد ايمان الحاكم وتدينه كلما كبرت جرائمه واشتد ظلمه وجوره، وزاد نهبه لخيرات الشعوب، وكلما زاد عدد رجال الدين من حوله ازداد عدد الفتاوي التي تبيح له فعل كل ذلك واكثر منه، لكن كلما اشتد ايمان الشعوب تصبح أكثر قابلية -للقدر- الذي أتى بهذا الحاكم وتاليا تصبح أكثر التزاما بطاعته وعدم الخروج عليه، واللبيب من الاشارة يفهم

رائع ... رائع .. رائع .. عاشت الايادي .. تحياتي وتقديري لكم


2 - اختراع اثبتت الثورة غباؤه
محمد البدري ( 2011 / 3 / 13 - 21:48 )
منذ ان اخترع البدو العبرانيين فكرة الله واورثوها للعرب المماثلين لهم في البداوة فان الاستخدام الانتهازي لها جعلها كالشخشيخة في يد الجميع. فكلما حدث شئ جرد الفاعل قدراته من الفعل ونسبها الي الله. لهذا السبب ساد اللصوص ووصلوا الي سدة الحكم وكتبوها: يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ويرزق من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بينما لحقيقة انهم هم الفاعلون لكل هذا. بهذا اصبح اللص المتسلط هو الذي يروج لله لتثبيت وضعه وعدم الاعتراض علي وتقع الحال. اليست النظم العربية هي التي تحمي الدين. بل وخدعوا الناس بدعوتهم الناس للصلاة واداء فروض الطاعة لمن جعلهم لصوصا وطغاة. بل وسلبوا منهم الاموال في عمليات حج للدعاء له . واصبحت مظاهر النصب والاحتيال والسلب والنهب والتسلط هي من شيمة مجتمعات الايمان بما اتي به هؤلاء العبرانيين والعرب. تحياتي وشكري وتقديري.


3 - تعليق
موسي سوف الجين ( 2011 / 3 / 27 - 23:26 )
المدعو -الله- يتقاسمه الجميع ثوارا وطغاة لافرق...جبهات الثوار ومسيراتهم تكبر وتهلل واذناب الطغاة واحذيتهم ايضا ينعقون بذات الهراء!!وهذا كاشف لمدي خبث ذلك -الله- ومخترعي وجوده..تحياتي لك

اخر الافلام

.. زفة الأيقونة بالزغاريد.. أقباط مصر يحتفلون بقداس عيد القيامة


.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: شفاعة المسيح شفاعة كفارية




.. عظة الأحد - القس باسيليوس جرجس: المسيح متواجد معنا في كل مكا


.. بدايات ونهايات حضارات وادي الرافدين




.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا