الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر التنوير : ظهور مفهوم جديد للدين

رباح حسن الزيدان

2011 / 3 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يخطئ من يظن أن عصر التنوير كان يعني الكفر أو الالحاد أو الخروج كلياً عن الدين . على العكس , لقد كان يعني أساساً بلورة تصُور جديد للدين , وهذا التصور يختلف جذرياً عن التصور الاصولي الذي ساد العصور الوسطى كلها .
فحتى نهاية القرن السابع عشر كانت البشرية الاوروبية تعيش في ظل النظام الاصولي القديم . وأي واحد يخرج على الخط العام للأرثوذكسية الدينية كان يعرض نفسه للعقاب الصارم .
ولكن بمجئ القرن الثامن عشر , أو حتى قبله بقليل , راحت بوادر التغيير تلوح في الافق . وأصبحت المخاطر التي تهدد الدين القديم تتوضح أكثر فاكثر . ولم تعد السلطات الكنسية قادرة على السيطرة على الوضع على الرغم من دعم السلطات السياسية لها , وراح الأصوليون يشعرون بالذعر أمام رياح التغيير الجديدة والمتمثلة بالفلسفة الديكارتية .
بأختصار راحت الأرثوذكسية المسيحية تتراجع شيئاً فشيئاً لمصلحة الافكار الجديدة . والواقع أن المسيحية أو المشكلة الدينية , كانت تشرط مجرى الفلسفة في القرن الثامن عشر بمجمله . وكانت العلاقة مع الله هي الرهان الاساسي للفكر , ولم يكن هناك مفكر واحد ذو أهمية معينة الا ويتحدث عن هذه المشكلة ويحاول معالجتها وحلها . فكانت مشكلة المشاكل بأمتياز .
ونقد هذه الصيغة أو تلك من صيغ المسيحية من قبل الفلاسفة لم يكن يعني أنهم كفاراً أو معادين للدين , وإنما لصيغة معينة من صيغه , صيغة متكلسة ومتحجرة .
فالفلاسفة راحوا يدينون تحول المسيحية الى وثنية وإلى أداة يستخدمها رجال الدين من أجل استغلال الناس وبثّ الشعوذات والخرافات في أوساطهم , ولذلك أتهموا بالالحاد من أجل تسفيه مواقفهم وأرائهم , فكانت المعركة حاميت الوطيس بين الطرفين أي الطرف الاصولي والطرف العقلاني , وكل الاسلحة كانت مباحة بما فيها أسلحة الاشاعة وتشويه مواقف الخصم , وحتى تهديده بالقتل .
والذي يميز إنسان العصور الوسطى عن إنسان عصر التنوير , أنه كان الاول يحتقر الحياة الدنيا والملذات الارضية ولا يهتم الا بالاخرة باعتبار أن هذه الدنيا دار عبور ولا قيمة لها . ولم يكن يثق الانسان ولا بإمكانياته لان الانسان مذنب وناقص بطبيعته .
أما فلسفة التنوير فعلى العكس . لقد راحت تعطي ثقتها للإنسان وإمكانياته ومقدرته عل تغيير الواقع وتحسينه نحو الأفضل , ثم راحت تهتم أكثر بالحقائق الارضية والمتع الدنيوية وأحقية الانسان في السعادة على هذه الارض .
هكذا راح فلاسفة التنوير يصوّرون مستقبلاً زاهراً باسماً يسيطر فيه الانسان على الطبيعة ويحقق فيه الجنة على هذه الارض . وعن طريق أسطورة التقدم هذا أستطاعوا أن يربحوا المعركة ضد الاصولية وأن يسحبوا البساط من تحت أقدامها وأن يأخذوا منها الجماهير . وما كانت العملية سهلة ولا مضمونة سلفاً .
ذلك أن التقدم لم يكن أسطورة فقط , وإنما كان حقيقة واقعة .
ويكفي أن نلقي نظرة على المجتمعات الاوروبية الحديثة , أن نقارنها بالمجتمعات التقليدية لكي ندرك الفرق . فهنا تتجلى ثمار التنوير يانعة جنيّة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah