الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة والدين : إشكالياتٌ وتوضيح لبعض الاخوة

وليد مهدي

2011 / 3 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقاربات انثروبولوجيـــة :

1- حيــز الفراغ الاعماقــي : توضيـــح

في مواضيع سبقت ( نحن والدين : مقاربة سيكولوجية ) , تناولنا قضية الباطن " الاعماقي " لنفس المثقف , خصوصاً مثقفنا الشرقي الإسلامي و توصلنا لنتائج تشير إلى وجود " منقطة فراغ " في الاعماق الرمزية للوعي الجمعي وارتباطه بالوعي الفردي , حيث يوجد " خلل " أو " عطب " ترابطي بين الوعي الفردي للمثقف والوعي الجمعي الذي يعبر عن نفسه ضمن نطاق الوعي الفردي في الاحلام والرؤى لنفس هذا المثقف ، سواء عبر احلام مزعجة او مضطربة غير انسيابية خالية من المعنى ( متناقضة الرموز ) أو عبر احتراق نطاق الترابط " التفسيري " بين الفرد والكل الذي يظهر بصورة احلام لا يمكن تذكرها ( بسبب اختلاف واقع التربية الاولى عن واقع الحياة الآنية لهذا الفرد ) ..
بالنسبة لتلك المواضيع ، اعترض بعض الاخوة على تناول مثل هذا الموضوع حول المثقف الذي ينحدر من بيئة دينية مثلاً يخالفها في بعض الثوابت العقائدية .. سيعاني من اضطراب في التواصل الاعماقي مع الوعي الجمعي الذي تربى عليه منذ طفولته ، الاعتراض كان على تصوير المشهد بهذه الزاوية " المحبطة " في نظرهم ..
كذلك أدلى آخرين من الإخوان باستفسار عن السبيل لردم هذه " الهوة " الاعماقية التي تشكل عائقاً أو اضطراباً يجعل المثقف يعاني عدم " السوية " الإجتماعية ، وهو ما سنتناوله في الفقرة الثالثــة ( ما هو الحل ؟ ) بعد توضيح الإلتباس بالنسبة للمعترضين .
وجه الاعتراض الحقيقي بالنسبة لاخواننا المعترضين هو إن هذا الراي يعتبر المثقف إنساناً غير سوي ، مع إنه يتحمل مسؤولية النهوض وتوعية باقي افراد المجتمع .. !
ونقول :
ماذا في ذلك ..؟
عدم سوية الترابط بين وعي فردي عصري وبين وعي جمعي كلي ماضوي " عملاق " مثل التراث والثقافة الشرقية الإسلامية ذات جذور السبعة آلاف سنة واقع فعلي .. !
كما كما إنه لا ينتقص من قيمة الثقافة والوعي التي عليها هذا المثقف قدر ما يسلط الضوء على واقع العلاقة بين تمدن هذا الفرد وموروثه الإجتماعي الثقيل الذي ينعكس على واقعه النفسي كثيراً ..
حاولنا من خلال الإضاءة تلك تبيان حقيقة " التحدي " الذي يواجه المثقف والذي يحتاج هو إلى إدراكه بجدية وواقعية بعيدة عن التبسيط ..
غالباً ما يظن بعضنا إن مسالة مواجهة الواقع الثقافي سهلة جداً , يتصورون إنها لا تحتاج أكثر من إرادة في اتخاذ قرار " الثورة " على التأريخ ..
ما اردنا قوله يخالف ذلك في جانب ويتفق معه في جانب آخر ، يخالفه في اعتبار المسالة ابسط من " خلل " بنيوي اعماقي , ويتفق معه في أن الثورة مطلوبة لإدخال المجتمع إلى عصر ٍ جديد يلائم ما عليه العالم المتحضر وما يشهده من تقدم وتسارع لا يمكن لواقع الثقافة القديمة مجاراته او استيعابه .. ولكن ما هي طبيعة هذه الثورة المطلوبة لتحقيق الإنسجام ؟ ( سنعرف هذا في الفقرة ثالثاً : ماهو الحل ؟ )

2- ما هي سلبيات " القطيعة " بين الوعي الفردي ووعيه الجمعي ؟

المخلوق الإنساني كائن اجتماعي , وطبيعي ان يتأثر بعلاقاته الإجتماعية بسبب ضآلة الترابط بين مكونات اعماقه الفردية والكلية , النتيجة :
فرد يعاني من المجتمع وقيمه , حياته صعبة بسبب ضعف العلاقات الإجتماعية بمثل هذا المجتمع , بل , يتعالى صوته كلما حانت الفرصة لوصم الامة بالرجعية والتخلف كما يشيع اليوم بما بات يعرف بجلد الذات الجمعية ..
احياناً وفي حالات شاذة قد يصل الامر إلى حد " التطرف " المضاد لما يعتبره تطرفاً قيمياً مثل حالات كثيراً ما تطرقنا إليها مسبقاً لمتطرفين " علمانيين " يؤيدون المسيحية الغربية ويناكفون الثقافة الإسلامية برمتها ..
لا يعني هذا إن امة هذا الفرد غير متخلفة , ولكن من المستحيل إصلاحها بالجلد الثقافي الذاتي هذا , اصلاحها يتم بخطوات عملية بقيادتها نحو حداثة ايجابية سلمية لا تعتمد " القسر " بفصلها عن تاريخها مرة واحدة .. وهو مستحيل بكل المقاييس وناقشناه في مواضيع عدة نقدنا فيها التوجه الاصولي الصهيو مسيحي ومن يجرون خلفه بابلسة التاريخ والقيم الإسلامية باعتبار المجتمع الغربي انموذجاً فريداً يحتذى به ..
فسوية الفرد الغربي وعلى الرغم من إنها نابعة من كون الاجيال الحالية نشأت في بيئآت ثقافية ربتها على " العصرنة " أو الحداثة منذ الطفولة , ما يعني إن هذا الفرد في صلح مع مجتمعه ووعيه الكلي لكن , الغرب " فرداني " التنشئة منذ اليونان والرومان حيث " الفلسفة " و " الديمقراطية " و " القانون " , اي إن الفردانية أو الشخصانية اصيلة في موروثه الجمعي الثقافي حتى قبل المسيحية بدليل إن طابع المسيحية الثقافي قائم على " فرادة " المسيح كرمز للإنسان المكافئ للإلـــه ..!
فربوبية المسيح إنعكاس وتجل لربوبية العمق لدى كل فرد تربى في ظلال هذه المنظومة التاريخية , بالتالي , سوية الفرد الغربي نابعة من صلح جوهري بين المسيحية والحداثة وإن بدا ظاهراً وجود " قطيعة " مع الطقوس الدينية او المعتقدات الاخرى ..
وهكذا , المجتمع الغربي هو الرابح الاكبر في التفاعل والصراع بين الفردانية والكلانية ، لان كلانيته الجمعية واطئة التاثير قياساً بكلية الشرق العميقة المتأصلة .. التي لا تستطيع إنتاج الإله الإنسان الذي تتطلبه الحداثة ..
فالإله الشرقي لا يبلغ مقامه في الأرض إنسان , وكما سندرس دلالات هذا المعنى في مواضيع لاحقة ، الإلــه الشرقي وخصوصاً " الله " تجلٍ واضح للكلية الجمعية التاريخية الموروثة المتعالية المتجبرة على الفردية ..
وعليه , من المستحيل , وأؤكد هنا هذه النقطة , مستحيل " تحرير " الفردانية الضعيفة في مجتمعات الشرق ذات العمق التاريخي ذو السبعة آلاف عام ببساطة , ولو تحررت في بعض الافراد الشرقيين فهم يخوضون صراعاً إجتماعياً ونفسياً عميقاً يؤدي إلى نتائج تفضي لشخصية تميل للإنطواء أو تكون نتائجها كارثية احياناً تدفعهم إلى كره المجتمع والتطرف ضده مثل نماذج عديدة من المفكرين والمثقفين الليبراليين الذين ينفسون عن معاناتهم " الاعماقية " في الحوار المتمدن ..

3- مـــا هــو الحل ..؟

الحل هو محاولة " خلق " مناطق ترابط بين الانا والنحن ( قيم الفرادة وقيم الكلية الجمعية الموروثة ) , وهو الخط الذي ينتهجه بعض المفكرين المحدثين في الفكر الإسلامي نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر نصر حامد ابو زيد وسيد القمني وجمال البنـا ..
فمحاولة تطويع الفكر الإسلامي تجاه الحداثة , تحديث النماذج لتتوافق مع النظريات العلمية والبنى المؤسسية والإجتماعية العصرية تردم " الهوة " الاعماقية بموصلات تؤدي إلى تناغم وإنسجام وسوية فردية نامية ومتطورة في المجتمعات الإسلامية الكلية تنتج " منظومة " قوية مترابطة بين الانـــا و النـحن ..
فعلى سبيل المثال , قبول " الله " في حياة الفرد كمسير ومدبر لقوانين الطبيعة بدلاً من " الملكوت " والملائكة , افضل بكثير من نفي وجود الله بالمطلق الذي يؤدي إلى انسلاخ تام لدى الفرد العادي عن كل قيم موروثة وكثير منها ايجابي إذا استثنينا السلبيات " الظلامية " ..
قبول التحديث يكون مناسباً للكثيرين ولا نقول للكل ، الموضوع شائك في حالات خاصة ونادرة لذوي الثقافة المعرفية العلمية القوية ممن يحتاجون " الإلحاد " لاكتشاف ذاتهم الحقيقية مع إنه امرٌ بالغ الخطورة .. وهو موضوع خارج سياق مناقشتنا هذه ، لكن عموماً ، التحديث افضل الحلول لمجتمع يمكن أن يعيش السواد الاعظم من افراده بسوية اعماقية ..
مع ذلك , ورغم هذا التقديم وما سبقه من مواضيع , لا زلنا لا نرى الداخل .. وتحديداً " حيز الترابط " بين ذاتنا الفردية والذات الكلية الجمعية ، وانسب مدخل لولوج هذا العالم هو نتاج التفاعل بين الفرد والكل وهي برأيي كباحث الأحلام Dreams وما تحمله من دلالات باطنية اعماقية كما سندرس مقدماتها البنيوية في موضوعنا القادم .

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ