الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس الفلسفة الماركسية (6)

نعيم إيليا

2011 / 3 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


5- الماركسية والأخلاق
ما هي الأخلاق؟
كان الفلاسفة اليونان يقسمون الفلسفة إلى ثلاثة أقسام: علم المنطق، وعلم الطبيعة، وعلم الأخلاق. وكان أول من التفت إلى دراسة الأخلاق والعناية بمبادئها بأسلوب مركَّز مفصّل، هو سقراط الذي كان يرى في الخير فضيلة تقود صاحبَها إلى الغاية التي خُلق من أجلها.
وقد ظلت الأخلاق موضوعاً من موضوعات الفلسفة قروناً طويلة قبل أن تستقلَّ عنها في عصرنا الحديث، مثلما استقلت عنها علوم الطبيعة.
ويمكننا أن نجيب على السؤال: "ما هي الأخلاق؟" - ونحن نتَّكل هنا على آراء الفلاسفة من مختلف العصور، وعلى التجربة الحياتية التي نخوض غمارها بنشاط - بقولنا: إنها العلاقة بين الغاية والوسيلة.
فإنّ كلّ فرد منا له في حياته، غاياتٌ يسعى إلى تحقيقها، ولا بدّ له لكي يحقِّق هذه الغايات، من أن يتوسَّل إليها بوسائل نظرية وأخرى عملية. فما ينشأ من الآثار عن هذه الحركة على الصعيد النفسي والسلوكي للإنسان يُدعى أخلاقاً: فمن يضع نصب عينيه تحرير مجتمعه من الخرافة التي تشغله عن التقدم والرقيّ، ينبغِ له أن يوطّن النفس على واجب التضحية براحته أو ماله أو حياته. هذه التضحية قيمةُ أخلاقية أو وسيلة لبلوغ الغاية التي رسمها طالبُها في عقله ووجدانه: "تحرير المجتمع من الخرافة المعوّقة لتقدمه".
ولكنْ، هل يمكننا أن نعتبر جميع الوسائل ذات قيمة أخلاقية؟
بلفظ آخر: ما هو مقياس القيم الأخلاقية؟
وكيف نميّز بين خُلق ذي قيمة، وخلق متهافت لا قيمة له؟
أثمة مقياس عام ثابت، نقيس به الأخلاق، ونفرز به الصالح منها عن الطالح؟.
مما لا ريب فيه أنّ الأخلاق مرتبطة بالبيئة في إطارها الزماني والمكاني؛ لأنها تمثل سلوك الإنسان، والإنسان ابن بيئته وزمانه. فلا مفرّ إذاً من قبول فكرة تغير الأخلاق بتغير الزمان والبيئة؛ فما كان شائعاً مقبولاً قبل عصور كالغزو مثلاً، أمسى اليوم من الجرائم التي تدينها الضمائر والشرائع المدنية المتحضرة.
ولكن هل يعني هذا أنه لا وجود لمقياس أخلاقي عام ثابت في حياة البشر؟
الجواب عن هذا السؤال ليس سهلاً في الحقيقة، ومع ذلك فإننا لن نعدم أن نجيب بأنّ هذا المقياس موجودٌ تمثِّله فكرة (الخير) التي سبق لسقراط أن أشاد بها.
بيد أنّ فكرة الخير، نسبيةٌ؛ لأنّ ما هو خير لنا قد يكون شراً لغيرنا. فكيف يجوز بعد هذا أن نجعل الخير مقياساً عاماً؟
لحلّ هذه المعضلة، لجأ علماء الأخلاق إلى ربط فكرة الخير بالعقل الذي هو مقياس كل الأشياء جميعاً، وهو المقياس الذي لا يمكنه أن يخطئ. فإنّ ما يستحسنه العقل، يمثل قيمة إيجابية فضلى، وما يستكرهه العقل يمثل نقيضها. فالقتل مثلا مذموم في العقل ولو نتج منه خيرٌ للقاتل. والمحبة في العقل فضيلة مطلقة لن تنقضي إلا بانقضاء الوجود البشري.
لماذا هو القتل مذموم مستقبَح مُدانٌ في العقل؟ ولماذا هي المحبة فضيلة وخلق جميل؟ إنّ الجواب في رأينا متعلِّق بمبدأ من مبادئ الحياة، هو (حفظ النوع). فلو أبيح القتل إطلاقاً، لاندثرت حياة الإنسان على الأرض. ولو عمّت الكراهية بين الناس جميعاً؛ لاقتتلوا فأفنى بعضهم بعضا. والعلاقة الجدلية بين الكراهية والمحبة هنا، يجب ألا تدفعنا إلى تقديم الكراهية على المحبة، فبتقديم الكراهية تفسد حياة الإنسان، وبتقديم المحبة يسود الجمال فيها. وإنّ عقل الإنسان ليؤثر الجمال على القبح بخلاف ما يعتقده بعض الناس من أن الطبيعة لا تكترث بجمال ولا قبح.
فأمّا الفلسفة الماركسية – وهي محطّ اهتمامنا – فلن تولي الأخلاق عناية خاصة متأنية، ولن تربط بينها وبين العقل كما يفعل الفلاسفة، بل ستكتفي بربطها بمبدئها العام (الصراع الطبقي) هذا المبدأ الذي سترتبط به كل الأشياء والأنشطة الإنسانية حتى الدين الذي وُجد في حياة الإنسان قبل أن يوجد التناحر الطبقي، والمبدأ الذي ستفسر به الماركسية جميع الظواهر الاجتماعية حتى النفسية منها؛ تلكم التي لا ترتبط بأيّ صراع طبقي.
وسينتج من هذا الربط نتائج وخيمة ستغرق القيم الجميلة الصحيحة في مستنقع آسن، وستنشر بين الناس السموم، ووباء العداوة والتناحر.
فحينما يتمّ تقسيم الأخلاق بحسب الطبقات، على غرار التقسيم الديني للناس إلى كافر ومؤمن؛ فإنّ أخلاق البروليتاريا، لمّا كانت نقيض أخلاق الطبقات الأخرى، هي أخلاق نبيلة عادلة بالضرورة؛ ولذا فإنّ أيّ موقف أخلاقي يقِفُه أبناء الطبقة الكادحة من أبناء الطبقات الأخرى، سيكون موقفاً سليماً خيّراً مسوّغاً مشروعاً، ولو أدَّى هذا الموقف إلى القتل والتدمير والنهب والاغتصاب والحقد.
ولنا في قول الماركسي جون مولينو – وقد ذكرناه في حديثنا السابق – خيرُ شاهد على (نبل!) الأخلاق الماركسية و(سموّها وعقلانيتها!):
" .. إنّ فلاّحا فلسطينيّا، مسلما، أمّيا، محافظا، يؤمن بالخرافات ويدعم حركة حماس، هو من وجهة نظر الماركسيّة والاشتراكيّة الدّولية أكثر تقدّميّة من شخص إسرائيليّ متعلّم، ملحد وليبراليّ، يؤيّد الصّهيونيّة".












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأخلاق ليست مجردة
رمضان عيسى ( 2012 / 2 / 2 - 18:55 )
الأخلاق مرتبطة دائما بالقيم في المجتمع , والقيم مرتبطة بثقافة هذا المجتمع وطريقته في الحصول على الغذاء وانتاج الخيرات المادية فللمجتمع الزراعي أخلاقه وقيمة وللمجتمع الصناعي أخلاقه وقيمه , وقد ينظر الناس في المجتمع الزراعي الى غيرهم بسخرية وبالعكس .ولكن ما الموقف الماركسي من الأخلاق , ؟ ان كل مبدا أخلاقي يعيق تقدم وتطور المجتمع هو مبدأ سيء وهو لمصلحة طبقات تتعارض مصالحها مع تطور المجتمعات الى الأفضل . فقد قرأت يوما مقال للينين بعنوان - أوروبا المتأخرة وأفريقيا المتقدمة -فتعجبت و ولما أكملت الموضوع اكتشفت ما هي الأخلاق السياسية الماركسية , وحسب مثالك فاني أعتبر أن المسلم الذي يؤيد حماس خير من الصهيوني الذي يؤيد الاحتلال , فالأخلاق ليست أبدية ولا مجردة هذه هي الأخلاق الماركسية فعلا .

اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا