الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنون تفاحة، والعقل جاذبية حمقاء

روجيه عوطة

2011 / 3 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اللاعقل، الشواذ، اللاروح، غرائز الجسد، شهوات السم، هوّس الرغبة، الإنحراف عن الحفرة الإجتماعية، كلها عبارات ملحقة بكل تصرف "فاسد" يتعارف الناس على أنه يسمى "الجنون".
تعربف الجنون لا يتم سوى من أناس يعبدون العقل، يمجدونه، يضحون بأنفسهم، مرارا ً وتكراراً، من أجله، فهو اليوم "إله عظيم" يناشد الناس لتبنيه، لكنه إله لم ينزل من السماء، بل فُرض فرضا ً قاسيا ً من قبل السلطة لإستكمال بناء نظامها الغارق في آليات تطبيقه.
بعد تحديد وظائف "العقل" ومساراته ونطاق عمله المسكون برموز تشغيله، يكون انعكاس الفوق (السلطة) ظلا ً يشتت حينا ً ويجمع حينا ً آخر، فالعقل نوع من الجاذبية الحمقاء التي توقع ضحاياها في شركها وتقتل فيهم آخر نبضات "شواذهم" أي "حقيقتهم الأكثر حقيقة"، كما تنجح في تقييد البعض بالبعض بقيود متكررة، متداخلة بصرامة العقاب، وبقساوة إصطدام الأجساد التي قد تستمر في فرز سم الحرية.
العقل، المفروض من فوق، يُبعدنا عن حريتنا ويجعل منا أرقام تعيش في حدود الطوارئ وتتنقل داخلها بحثا ً عن التجانس والتماثل مع أرقام أخرى نراها شبيهة لنا، فمن سمات الجاذبية تدجين الناس، ولكن إن فشلت في لعبتها، يسقط وجه الشبه، وتظهر النتؤات الحقيقية، التي تجمعنا أكثر من حفرة الجذب، بفعل إختلافنا.
يتظاهر العقل على أنه يحمينا من الوهم، والخطأ (الخطيئة)، بتسليمنا سلاح الإرادة (الصلاة)، وإن فشلنا بالحصول على ما نريد فنحن من أخطأ وليس العقل، نحن المجانين وليس العقل، كما في أسطورة الجاذبية الأولى (الخلق) فآدم أكل من تفاحة شجرة المعرفة (مؤسسة من مؤسسات السلطة) بعد غوايته من قبل حواء، فسم الحرية أشد من إرادة إله، والتفاحة أقوى من الجاذبية وشجرتها، المزروعة، اليوم، في رأس كل واحد منا، ولكن الإله عاقب وسجن وقيّد بشكل مباشر وأسقط عن مخلوقاته قدسية العقل، فأخرجهم من حفرتهم الأولى وأسقطهم في أخرى أكثر كبتا ًوشقاوة.
بالنسبة للسلطة كلنا مرضى، مجانين، بحاجة لترويض، لا يتم إلا عبر فرضها قواعد وقوانين ومعايير على كل الصعد، فمساحات الطوارئ تملأ المكان وتقلصه بوجودها، فنتخلى عن حريتنا كأنها فضيحة يتم التكتم عنها داخل أروقة مؤسسات التحديد العقلي، التي ندخلها يوميا ً دون أن نعلم أنها وجه آخر لمشفى المجانين، فالعائلة تُشفي من مرض الأنانية والتوحد، والمدرسة والجامعة تُشفي من وباء الجهل والمعرفة، والأجهزة الأمنية بسجونها وزنزانتها تُشفي من داء الخروج عن قانون الجاذبية الإجتماعية (ورائها جنون إقتصادي)، والقضاء يُشفي من الشواذ الإجتماعي الأخلاقي، ومؤسسات العمل تُشفي من حالة اللاإنتاج، بالإضافة الى الروح التي تُشفي الجسد من عيوبه "الغرائزية"، كل ذلك يُجمع بخطاب العقل، الذي يتظاهر بحمايتنا من الجنون، من الموت.
ولكن المجنون، المتحرر من سياق الجمع الإجتماعي، والذي يخترع عقله الخاص الحقيقي، يرى في كل تلك المساحات التحديدة عوائق أمام حريته، ويعلم أن العائلة، بنمطها التقليدي، لا تنجب إلا شخصاً منعزلاً في المجموع، المدرسة والجامعة لا يخرج منها إلا أفراد يتكلمون لغة من يُفكر عنهم، الزنزانات مكتظة يلتقي الداخل اليها بالمجتمع الحقيقى المكبوت، القاضي يحدد المسموح والغير مسموح، المباح والغير مباح، الإجرام والغير إجرامي، حسب معايير عقل السلطة وجذبها، مؤسسات الإنتاج، كالمصانع والشركات، أمكنة الإستغلال المباشر، المستشفيات تشفي المريض للحفاظ على إنتاجيته التي تُربح السطة وطبقتها الإقتصادية، أما الروح فسجن الجسد المقموع.
تعلم السلطة بأن قساوة عقلها قد يُفجر فوضى الجنون،وبالتالي تدميرها، لذا وجدت للحالة هذه منافذ متعددة، ومثال على ذلك العلاقة التي تنسجها مع "الزمن"، كرزنامة الأعياد، ففي العيد يغيب العقل عن المجتمع ليترك الناس يعبروا بحرية تامة عن "جنونهم" المحدود بفترة زمنية معينة، إذ تظهر معالم المكبوت بأشكال متعددة كالإحتفالات والضجيج والمفرقعات والصراخ وغيرها، فكل عيد هو طقس لظهور المكبوح وبالتالي الجنون، فتستفيد منه السلطة وتعاود كبحه من جديد، عبر خطوط العقل المفروضة، عند انتهاء فترة العيد.
الجنون، التفاحة التي تتحدى شجرتها، في صراع دائم مع الحقيقة، المفروضة فرضا ً والمزروعة دوما ً في رؤوس الناس، إذ يهدف الجنون الى التحدث عن نفسه داخل المكان الطارئ وخارجه، بمعنى آخر، داخل حفرة الجذب الإجتماعية وخارجها، فيتحدث عن حقيقته التي تعلو كل الحقائق، عن خياله، عن إنفصامه الداخلي مع المجتمع الذي لا يملك إلا كذبة أنه مجتمع متعقل، متسامح، يسمح لساكنيه بالتجوال في أرجاءه بحرية، ولكن المجنون يعرف أن هذه ليس بأرجاء بالقياس مع دهاليزه الشخصية، فهو يعلم أن ليس بالإمكان الوصول الى حدود الحرية الإنسانية إلا عبر الخروج من فخ الجاذبية، وقطع شجرة الحقيقة، وأكل التفاحة، تفاحة الجنون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر ما فعلته الشرطة الأمريكية لفض اعتصام مؤيد للفلسط


.. النازحون يعبرون عن آمالهم بنجاح جهود وقف إطلاق النار كي يتسن




.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: نتنياهو ولأسبابه السياسية الخاص


.. ما آخر التطورات وتداعيات القصف الإسرائيلي على المنطقة الوسطى




.. ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا.. السوريون هم الأسرع في ال