الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفية المحلية والسلفية القومية

مجدي مهني أمين

2011 / 3 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أعلم مقدما أن كلمة القومية لا تتفق مع كلمة السلفية ، أو مع السلفيين ، ربما تتفق معهم كلمة العالمية، نظرا لكونهم حركة تتخطى الدولة ومشروعهم عودة الخلافة التي تنضوي تحتها كافة الدول الإسلامية ، لتكون وقتها الحرب بين دار الحرب ودار الإسلام ، وهنا كان تساؤل الشيخ أسامة القوصي (رجل الدين المجتهد المستنير): لمن يكون ولاء الأخوان المسلمين عندما يأتون للحكم ، هل لأمتهم أم لحركة الإخوان المسلمين العالمية، وهو ما يدعوني للتساؤل ايضا لمن سيكون ولاءهم؟ للجماهير التي انتخبتهم أم للمرشد الذي يتولي أمرهم؟
سرقنى الحديث ، فأنا كنت أتحدث عن التيار السلفي، أو السلفيين الذين يؤيدون الآن الإخوان المسلمين ، وقبلوا بفكرة التظاهر والانتخابات وقبلوا بمشروع الإخوان السياسي والدخول في العمل السياسي وقبول فكرة الديمقراطية ، وحتى قبول كلمة الدولة المدنية (بس تكون إسلامية..)، أي أنهم قبلوا المدخل العملي لإدراة الأحداث وصولا للدولة الإسلامية ، وصولا للخلافة:
- فما لا يدرك كله، لا يترك كله.. هي دي السياسة ياعباد الله الصالحين..
وهم بالطبع يدخلون ويدعمون الإخوان ولكن بشرط التوحد في الحفاظ على المادة الثانية في الدستور، فهي المادة التي إن لم تفعل كل ما يريدون اليوم ستفعله غدا أو بعد غد، وهو ما قام به السادات أوجد لهم المادة الثانية ولم يفعّلها، وأوجد لنفسه (في المقابل) المادة 77 التي تضمن له البقاء في الحكم مدى الحياة، وفكرة البقاء في الحكم مدي الحياة تتمشى مع المادة الثانية ، فالحاكم في نظام الخلافة يبقى مدى الحياة ، فهو الخليفة أي الرمز ، والرمز يبقى نورا ونبراسا ، وهو هنا رمز يبقى ويحكم.
سرقنى الحديث مرة أخرى ، فأنا أتحدث عن السلفيين، ففي قرية صول قام السلفيون المحليون بهدم الكنيسة وهؤلاء هم الأقرب للفكر السلفي من حيث درجة الوضوح : فكر خالص بدون سياسة ، تطبيق شرع الله كما يرون .. فجاءت السلفية القومية مع الشيخ حسان للقرية؛ السلفية التي امتزجت بالسياسية لتقدم الحل وتفتي من خلال لجنة العلماء أن بإعادة الكنيسة ، وعودة الأقباط إلى ديارهم، ولكن للسلفية القومية حدودها ، فقد يفتى الشيخ حسان ببناء الكنيسة، ولكن لا يقوى على أن يعيد الأقباط المطرودين من القرية لديارهم مرة أخرى، لأن الحياة اليومية في القرية مسؤولية السلفية المحلية بالقرية.. هو الشيخ حسان ها يروح يعيش هناك كل يوم؟
يعنى المشكلة سلفية (تسبب فيها السلفيون المحليون) ، والحل (الجزئي) سلفي (جاء بفتوى السلفيين الأعلى شأنا على المستوى القومي)، "سيف المعز وذهبه، كلاهما كان سلفيا بامتياز"، بالطبع لا يغيب عن المشهد التعاطف المصري ، تعاطف الجيران المسلمين لأخوتهم الأقباط الذي خفف من وقع الصدمة ، وهذا الشاب الملتحي طالب هندسة الأزهر ،الذي انصهر قبلها في التحرير وصلى وكان الأقباط يحمون ظهره من البلطجية، هذا الشاب الذي تظاهر عند ماسبيرو ووعد أن يذهب هو وأصدقاؤه الملتحون كي يبنون الكنيسة. لا تغيب هذه المشاهد الوطنية الصادقة ، لا تغيب ، تشعر وكأنك تريد أن تتحول إلى كائن افتراضي يريد أن ينفذ إلى عالم الانترنت الإفتراضي كي تصل إلى هؤلاء الأنقياء يبكي كل منكم في حضن الآخر من فرط الوطنية وفيض المحبة الغامرة التي تجمعكم.
لم يسرقنى الحديث في آخر ما قلت، فلن يبني الوطن إلا وعي حقيقي ومشروعات سياسية شفافة ، وديمقراطيات فعلية ، أي ديمقراطيات ترُد الأمر ، كل الأمر، للشعب؛ ديمقراطيات تتحرك حسب الصالح العام للشعب، لا تحركها الإيديولوجية ، المصلحة العامة تسبق الإيديولوجية، قد يكون للأحزاب أيديولوجيات ، وقد يقول الحزب أنا أرى – أي الحزب- أن فلسفتي تحقق الصالح العام ، لأن الجوهر هو الصالح العام وليس الإيديولوجيا ، وقد يقول الشعب لهذا الحزب "موافق" وينتخبه ، وهنا يطبق الحزب من خلال ممثليه في البرلمان أو الرئاسة برنامجهم المعبر عن فلسفتهم، وتلعب باقي القوى السياسية دور المعارضة لضمان المحاسبية وتحقيق أقصى درجات الجودة، ثم تعود القوى السياسية للشعب مرة أخرى ليختار من يحكمه لفترة تالية، وهكذا ، كلها فترات على سبيل التجريب. فالثابت هو المصلحة العامة، والمتغير هو محاولات (الحكام) لتحقيق المصلحة العامة.
ولكن المطروح حاليا ليس هذا النمط الديمقراطي ، إنما المطروح هو الأيديولوجية الدينية، مطروحة وكأنها فوق الشعب ، والمادة الثانية فوق الدساتير ، وجنود الدفاع (أو قل الهجوم) من السلفيين والإخوان جاهزون، والصوت العالي المهتز ، والأحداث الطائفية تنتشر هنا وهناك ، كلها مؤشرات الاقتراب من الحكم بالأمر الإلهي.. "هل نحكم بقوانين من وضع الناس؟" (اسمع النبرة في ودنك)، "أم بالقوانين السماوية؟.." (كدة المناقشة حُسمت) ، وكما رجع الشعب خطوة من أجل الحكم باسم الوطن، يرجع هذه المرة خطوة للحكم بإسم الدين، والحكم في الحالتين شمولي، والمواطن في الحالتين درجة تانية وتالتة ورابعة، لأن الدرجة الأولى محجوزة لمن في الحكم، ضاعت المحاسبية ، رجع الاستبداد.
من يدْعُون للمادة الثانية في الدستور هم من هدموا الكنيسة وروعوا الناس ، وهم من أفتوا أن تبني على نفقة الدولة .. ومش على نفقة الجناة ، والجناة (والمحرضون) لم يُقْبض عليهم بعد.. "وممنوع الاستقواء بالخارج.." يعنى تخويف من غير ما الواحد شايف حد من الداخل أو الخارج بيحل المشكلة ، ولا حد بيوضح إننا مش موافقين على هذا التخويف عن طريق الفعل أوالكلام أونبرة الصوت .. مناخ سلفي يخاطب العاطفة ، اللي معاهم يتحمس ، واللي مش معاهم يكش (يكش كلمة بالمصري الصعيدي معناها ينكمش في ذاته من الخوف) ، ده ما يبقاش حكم ده يبقى استعباد، ومن يستعدون لهذا الحكم ليس لديهم أي فكرة عن كيفية إدارة وطن بطريقة علمية شفافة نحو التقدم ، ولا إدارة حوار يستثمر الاختلاف للخروج بأفضل الاختيارات، ولا لديهم فكرة عن المواطنة التي لاتفرق بين الناس على أساس الدين أو الجنس، أو الطائفة ، ولا بحرية العقيدة.
لا يبقى إلا القول أنه عندما بدأت بعض الاحتجاجات في السعودية أن خرج وزير خارجيتها يعلن نحن نحكم بشرع الله، يعنى إللي ها يحتجوا يحاسبوا لأنهم مش ها يواجهوا حكام لكنهم ها يتجرأوا على الدين، فالدين في الدولة الدينية ملك خاص للحاكم يكفر به المعترضين عليه (عليه هنا محل إلتباس: عليه، ممكن تعود على الحاكم ـ أو على الدين) ، حكام باسم الدين سلطتهم أقوى من الشعب ، بالضبط مثل كل الحكام العسكريين اللي كانت سلطتهم أقوى من الشعب، ولذلك لم يرحلوا إلا بعد أن سفكوا دماء شعوبهم، والبعض منهم لم يرحل لأنه لا يزال يشعر أنه أقوى من الشعب ، ولكن السلفيين والإخوان المتحفزين للحكم الديني كانوا سابقين للحكم المدني لأنهم أخافوا ويخيفوا شعوبهم حتى قبل ان يصلوا للحكم .. ما بالك لو وصلوا ، ولنسأل هنا الناس أو لنسمع أخبار الناس في إيران ، أو السعودية ، أو صول وأطفيح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 170-Al-Baqarah


.. 171-Al-Baqarah




.. 172-Al-Baqarah


.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات




.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع