الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقباط مصر ومخاوف مشروعة من الدولة الدينية

أحمد لاشين

2011 / 3 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



أزمات مجتمعنا المصري ما زالت تدار بنفس الطريقة القديمة للنظام السابق،الذي كان ينحي القانون وهيبته جانباً لصالح تهدئة مفتعلة لا تسمن ولا تغني من جوع،سياسة المسكنات إن جاز التعبير،خاصة عندما يتعلق الموقف بأحداث الطائفية التي تشكلت نتيجة لتاريخ مضطرب بين المسيحيين والمسلمين امتد لقرون طويلة في مصر،وليست فقط بسبب دور فلول الأمن أو النظام السابق كما يحاول البعض اختزالها.فأحداث كنسية (صول) التي تحولت إلى مصادمات دامية تشير وبشكل فج إلى أن النظام ما زال قابعاً في بنيتنا الثقافية،مهما حاولنا دفن رؤوسنا في الرمال زاعمين أن النظام قد رحل بكل رجالاته،فالنظام ليس رجال أو أشخاص.والدليل على ذلك الأسلوب الذي تم إتباعه لحل الفتنة الأخيرة،والذي يثير جملة من المفارقات الساخرة والمبكية في ذات الوقت،فهل يعقل أن تقوم نفس الرموز الدينية التي ساهمت طوال سنوات في تأجيج نيران الطائفية ـ ويشهد على ذلك تسجيلاتهم في مختلف القنوات الطائفية بطبيعة الحال ـ في حل الأزمة بين مسلمي وأقباط القرية المنكوبة،والأغرب أن يكون بناء الكنسية التي تهدمت بفعل فاعلين معلومين للجميع،تحت راية السماح والتسامح،وليس من منطلق الحق القانوني الواجب!!!.
مما قد يثر مزيداً من الرعب في قلب الأقباط ،فحقهم يعتمد على الرغبة وليس القانون،ففي اتصال هاتفي مع صديق قبطي عقب جلسة الصلح العرفي المفتعلة ،صرخ قائلاً : "إنهم يعلنون الدولة الإسلامية من صول ". وبعيداً عن مبالغته اللفظية،إلا أنها تعكس وبشكل واضح حجم المخاوف المطروحة والمشروعة أيضاً في العقلية القبطية المصرية،والتي لا تنحصر فقط في جلسة الشيوخ الذين حرص بعضهم على استخدام كلمة نصارى على خلفيتها الدالة بدلاً من مسيحيين أو أقباط،ولكن القضية تتسع لتشمل الحياة السياسية المصرية التي تعاني من سيولة وخلط بين الدين والسياسة في صورة مقلقة للجميع.يكفي فقط ذكر جملة الأحزاب الدينية المتطلعة إلى السيطرة على الشارع السياسي بأكمله،وتحييد أو نفي أي دور وطني،مثل حزب (العدالة والحرية) وهو حزب الأخوان الذي أعلن عن إمكانية انفصاله رمزياً عن الجماعة في مناورة سياسية تمنحه استقلالية الحركة ،أو حزب الجماعة الإسلامية على كل تاريخها المثير للجدل ولكن كان للإفراج عن الرموز فعل السحر في تفعيل الدور السياسي للجماعة بعد كمون دام لعقود،وصولاً لرغبة بعض جماعات الصوفية أن تؤسس حزباً سياسياً بوصفهم الأكثر قدرة على التجميع والحشد،ولا استطيع أن أدرك كيف يتسق التصوف مع الممارسة السياسية.ورغم تصريحات كل تلك الأحزاب أنها تقبل الأقباط وكأننا أمام نادي رياضي ،إلا أنها تصريحات لا تتعدى كونها محاولة استغلال الأقباط للترويج والاستغلال السياسي.
واضعين في الاعتبار ظهور التيار السلفي بشكله الجديد الأكثر فاعلية في الشارع المصري،خاصة في الأزمة الأخيرة،بعد أن قرروا الخروج من حالة الجمود للحركة المباشرة،مستغلين الكثرة العددية والقدرة على التجمهر السريع ضد أي هدف،والأهم إمكانية التلون التي ظهرت بها رموز هذا التيار لسنوات طوال،في محاولة أخيرة لاسترداد الحضور الاجتماعي الذي كان على وشك الانفلات أمام حضور الأخوان المسلمين الطاغي في الساحة السياسية.
كل تلك التحركات السياسية الدينية،كفيلة بأن تقلق المجتمع المصري بشكل عام،والكتلة المسيحية خاصة التي عانت طويلاً من محاولات الكنسية والنظام السابق بحبسهم داخل أسوار الكنسية ومنعهم من أي مشاركة سياسية فعالة،مما أضفى مزيداً من السلبية على كيان ضخم ـ رغم الاختلافات الداخلية ـ يشكل نسبة لا يستهان بها على الساحة المصرية،أمام الحضور الطاغي لمختلف التيارات الإسلامية،والتي تروج سلباً لمفهوم الدولة المدنية وربطها بالعلمانية بعد مساهمتهم العظيمة في تشويهها،وإفراغها من مضمونها الفكري والحضاري،مما يمنح مشروعية لمشروع الدولة الإسلامية الكامن في مخيلة البعض بنفي المفهوم المدني بالكلية.
مخاوف الأقباط ومطالبهم بتفعيل دور الدولة أفكار مشروعة،خاصة ونحن أمام عقلية شعبية تعتمد على مجموعة من الحكايات الأسطورية حول غرفة السحر الكامنة في كل الكنائس المصرية،أو الجيش المسيحي المجهز والذي ينتظر إشارة البدء لاحتلال مصر،أو الأسود التي ترعى في طرقات الأديرة،وغيرها من الأمور التي للأسف كان يعززها بعض أدعياء التدين،مما أضفى على الحكاية مشروعية الحقيقة.فعقليتنا الشعبية للأسف لا تتمتع بأي إمكانية لقبول الآخر والتفاعل معه ،بسبب ما تتسم به من عنصرية وفئوية تؤسس لجهل أصيل ،ليس جهل التعلم أو التعليم،ولكن جهل المعرفة والمناقشة والقبول بالاختلاف كبديهية إنسانية.
وبالتالي يصبح القانون ومحاسبة الجناة هو الحل الوحيد الذي لا بديل عنه،فرغم ما قد تمثله قوة القانون من حسم لا يُرضي العديد من الأطراف المتصارعة،إلا أن الحسم القانوني وهيبة الدولة من المطالب الأساسية التي انتفض بسببها المصريون ،وإلا ستذهب كل التضحيات أدراج الرياح.فمن المؤكد أن الثورة لم تستهدف بشكل مباشر الجدل الدائر حول أسبقية الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية،ورغبة كيانات الإسلام السياسي في السيطرة على البرلمان،وبالتالي مد النفوذ إلى الدستور،ثم السيطرة على كل مقدرات الدولة.أو مطامع بعض من عينوا أنفسهم قواد للثورة في الانتخابات الرئاسية لقطع الطريق أمام طامعي البرلمان،أو عقد صفقات تحتية بين هؤلاء وأولئك تصب في مصالحهم بعيداً عن مصالح الوطن بمعناه الأشمل،وكل أشكال الميوعة والفوضى السياسية، مما يعكس صراعاً حول السلطة لا الشرعية التي عانى وطننا طويلاً من غيابها أمام سطوة المنتفعين وأصحاب المصالح.ونحن الآن نعمل على خلقهم من جديد بوعي أو بدون.
أمام القانون والشرعية وهيبة الدولة تتساوى كل الأطرف،أقباط ومسلمين وملحدين ،الوزراء والغفراء،الجميع سواسية بلا فروق أو تفريق،دولة المواطنة التي أصبحت يوطوبيا العصر الحديث.فلنخرج جميعاً من عشوائية الفكر،وفوضى السياسة ،لتحقيق الحلم خشية تحوله إلى كابوس يجسم على نفوسنا لعقود طويلة قادمة،وقانا الله شر الفتن والانقسام ومطامع الطامعين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مدنية ام دينية
رشا احمد ( 2011 / 3 / 15 - 12:48 )
للاسف لا يستطيع احد الان ان يتنبا بالدور الذى يحاول ان يقوم به الجيش
هل هى مناورات سياسية لخدمة مصلحة الوطن بمعناه الاشمل وترسيخ مبادئ الديمقراطية والمدنية؟
ام سينتهى بنا المطاف الى دولة اسلامية برعاية الجيش ؟


2 - ماهى اقتراحاتك
كريم صبحى ( 2011 / 3 / 15 - 20:31 )
شكرا على تحليلك الصائب فالمخاوف موجودة ومشروعة ولابد من تكاتف شباب الثورة الحقيقى وعقلاء الوطن وكل الاحرار والمثقفين لانقاذ الوطن بكل طوئفه من الفتن والفوضى فنحن نتطلع الى الافضل الى الحرية والعدالة والمساواة الى التقدم للامام وليس الى الخلف. كنت انتظر منك اقتراحات محددة .


3 - قتل الآخر المختلف أوإقصائه
جيجي عادل ( 2011 / 3 / 16 - 07:50 )
المشكلة ببساطة ياسيدى ان هناك مخططا استعماريا لتفتيت مصر و تقسيمها عن طريق الدين،حيث يجرى مغازلة التيارات الاسلامية المختلفةو تأجيج الصراعات الدينية بينها على السلطة والحكم والهيمنة.ناهيك عن إشعال الفتنة الطائفية والحرب بين المسحيين والمسلمين.لا تنسى ان هناك قاعدة كونية وتاريخية مؤداها أن إقحام الدين في مجال السياسةو الحكم لابد أن يؤدى إلى رفع السيوف، فالخلافات الدينية_ التى تنشأ حتما بين التيارات والمذاهب الدينية المتعددة_ لا يمكن حلها بشكل سلمى، بل يتم حلها بحمل السلاح وتصفية الآخر.


4 - على الاقباط طلب الحماية الدولية
بشارة خ. ق ( 2011 / 3 / 17 - 06:23 )
فهم على اي حال تم اقصائهم والتمييز بحقهم في وضح النهار وهم على اي حال مكفّرون مخوّنون فعليهم الضغط نحو الدفاع عن النفس بالقانون الدولي وليقولوا -استقواء بالخارج-فالخارج اكثر شرفا وانسانية ممن بستقوون باعداد الهمج من الاميون ممن الغت العنصرية الدينية بصيرتهم
الديمقراطية ليست دكتاتورية اغلبية تدوس على كل القيم الانسانية.
من مقال لد.طنانى
الساكت عن الحق شيطان أخرس يا مسلم..الكلام ده كان في دينك لو فاكر!
والجديد انك بقيت شيطان أخرس وأحول كمان!
ليه بقى..مانتاش شايف الظلم والذل اللي اخواتك المسيحيين فيه؟مش شايف التمييز اللي بينك وبينهم في كل المناصب من أصغر منصب لرئيس الجمهورية؟مش شايف التمييز اللي بينك وبينهم في حرية العقيدة والتعبد..ولا مش شايف شتيمة دينهم وكتابهم المقدس وإلههم على الهواء في برامج شيخك المفضل؟مش شايف كل ده يا أخي بذمتك ودينك؟
أو شايفه وساكت وبتستعبط وتقول كلام اهطل من عينة ماتشعلوش الفتنة..حرام. للأسف فيه مسلمين لسة فاكرين انهم عايشين في عصر المسيحي فيه هو أمانة في إيد المسلم..تابع ليه..المسلم بيتفضل عليه بالحماية بشرط ان المسيحي يعيش كنص بني أدم و ربع مواطن وكمان


5 - الرحمة ياناس
سليمان صادق ( 2011 / 4 / 1 - 19:15 )
ياريت ياجماعة نرحم نفسنا ونرحم البلد من اللى إحنا بنعمله ده .
انا اتمنى إن ما حدش يقول مسلم ولا مسيحى ولا إن المسلمين متميزين عن المسيجيين ولا إن المسيحيين متميزين عن المسلمين .
الدين لله والوطن للجميع وياريت ياإما الواحد يقول كلمة فيها خير أو يسكت
لازم نعرف إن أى كلمة الواحد بيقولها وينشرها وفيها إثارة لأى حد هو كدة بيعمل بلبلة خاصة إذا كانت الكلمة دى فيها تفرقة بين الطوائف أو المذاهب للدين الواحد
ياريت يعنى إننا نفصل فى كلامنا بين الاحداث السياسية إللى بتحصل وبين الدين
انا ارجو كدة
ربنا حيحاسبنا على كل كلمة بنقولها ونهيج بها الناس او نفرق بينهم وحساب ربنا كبير. اتقوا الله يابشر


6 - الرحمة ياناس
سليمان صادق ( 2011 / 4 / 1 - 19:19 )
ياريت ياجماعة نرحم نفسنا ونرحم البلد من اللى إحنا بنعمله ده .
انا اتمنى إن ما حدش يقول مسلم ولا مسيحى ولا إن المسلمين متميزين عن المسيجيين ولا إن المسيحيين متميزين عن المسلمين .
الدين لله والوطن للجميع وياريت ياإما الواحد يقول كلمة فيها خير أو يسكت
لازم نعرف إن أى كلمة الواحد بيقولها وينشرها وفيها إثارة لأى حد هو كدة بيعمل بلبلة خاصة إذا كانت الكلمة دى فيها تفرقة بين الطوائف أو المذاهب للدين الواحد
ياريت يعنى إننا نفصل فى كلامنا بين الاحداث السياسية إللى بتحصل وبين الدين
انا ارجو كدة
ربنا حيحاسبنا على كل كلمة بنقولها ونهيج بها الناس او نفرق بينهم وحساب ربنا كبير. اتقوا الله يابشر
انا نفسى إن إحنا نهتم إزاى نوقف البلد دى على رجليها وازاى نرجع الإقتصاد تانى بدل ماندخل فى موضوعات جانبية ونقول مسلم ولا مسيحى
مش عارف لى حاسس إن إللى بيحصل دا كله متخطط له من النظام السابق وللاسف كمان غن إحنا بنساعدهم فى كدة وبنعملهم كمان اكثر من إللى بيتمنوه زى ميكون بنقول لهم أحلم واحلامك أوامر
الرحمة ياناس كفاية كدة بأة

اخر الافلام

.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان


.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر




.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو


.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا




.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس