الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة عاجلة الى وزارة التعليم العالي : انقذوا ثروة العراق من السرقة

دياري صالح مجيد

2011 / 3 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


لاتقاس ثروة الامم والشعوب بما تملكه فقط من ثروات طبيعية كالنفط والغاز , وانما تقاس اساسا من خلال العقول المبدعة الخلاقة التي انتجت العديد من اشكال التطور المعرفي والتكنولوجي , التي قامت فيها العديد من الشخصيات بانجاز الكثير من الدراسات المعمقة في مختلف المجالات بهدف تطوير حياة الفرد والمجتمع , وبهدف الاجابة عن الاسئلة المحيرة التي شغلت بال العلماء منذ قديم الازمنة , والتي لولا جهودها جميعا لما امكن بالنتيجة استثمار الموارد في العديد من الدول .

ثروة الامم الحقيقية هي في راس المال الفكري لديها وفي عدد علمائها وباحثيها المبدعين في مختلف ميادين المعرفة , فهي الثروة المستدامة التي لا يخشى المرء من نفادها مهما تقادم الزمن ومهما استثمرت افكار المبدعين ممن انتجوا ابحاثا ودراسات معمقة خدمت البشرية في مجالات مختلفة وعلى نطاقات مختلفة محلية , اقليمية وعالمية , وليس كما هو الحال مع الثروات الطبيعية التي هي في طريقها الى النفاد والزوال عاجلا ام اجلا .

في العراق نجد اليوم ان هذا النتاج البشري الفذ , ممثلا في الاطاريح الاكاديمية الرصينة والدراسات العلمية الاصيلة التي قضى فيها باحثونا اجمل سنوات عمرهم يتنقلون بين هذه المكتبة او تلك , للحصول على المعلومة التي اضطرت العديد منهم الى السفر لخارج العراق للحصول عليها في ظل افتقار المكتبات العراقية الى الجديد من المراجع التي يعتمد عليها الباحث في اعداد اطروحته العلمية التي يتقدم بها وهو مليئا بالفخر والاعتزاز للحصول على درجة علمية متقدمة ومرموقة ومحترمة في كل المحافل الدولية , نجد اليوم ان هذا النتاج معروضا على ارصفة الطرقات والمحلات والمواقع الالكترونية المشبوهة وبالمجان في كثير من الاحيان , وهو امر يثير الاستهجان والاستغراب فلمصلحة من يجري هذا الامر يا ترى ؟ .

كم من باحث اختار حياة النُسك والفقر للمضي في طريق المعرفة والعلم على الغنى الذي توفره كثير من مجالات العمل التجاري خاصة وان الدراسة حتى وقت قريب لم تكن الا ترف فكري لا غير , فلم يكن المرتب مجدي ولم تكن تلك الشهادة تعني شيئا حقيقيا في عالم الارقام المادية للمجتمع . رغم ذلك اختار المئات من الشباب العراقي المخلص السير في هذا الطريق الطويل والصعب الذي اضطر البعض منهم الى الاختيار بين ان يستمر او يضحي بامور اخرى مهمة في الحياة , فلم يتردد اغلبهم من الاختيار السليم القائم على الرغبة في التضحية لاجل المجتمع للتقليل من الالامه وللتسريع في عجلة تطوره وبنائه , وهو هاجس يجمع كل المبدعين في بلدي .

واتسائل هنا كم من باحث استشهد وهو في طريقه الى هذه المكتبة او تلك , وهو يتوجه من هذه المدينة الى تلك سعيا وراء المصدر العلمي , وهو يعمل في الطين والبناء لاجل توفير مبلغ شراء هذا الكتاب او تلك المجلة ؟ . اعرف احد الاشخاص ممن روى لي امرا كان يظن بانه الوحيد فيه , لكنه عرف مني بانني على شاكلته كما هو حال الغالبية من باحثي هذا البلد , فقد قال لي بانه ورغم سوء الوضع المادي لعائلته كان احيانا والده يزوده بالمال كي يشتري الكتب , و احيانا اخرى كان يعمل في شتى الاعمال من اجل الحصول على مبلغ لشراء الكتب , وهي رحلة قاسية لا يعرف مرارتها الا من تذوق كاسها المترع بالالم .

مفاجاة هائلة تلك التي اصطدمت بها قبل يومين حينما وجدت بان هنالك محلا في منطقة الباب المعظم تبيع الاطاريح وفي مختلف الاختصاصات وبسعر 1500 دينار عراقي ( تقريبا دولار ) حيث يضم السي دي الواحد اكثر من 30 اطروحة !! . فهل اصبح العلم في بلدي بهذا الرخص ؟ هل اصبح النتاج الفكري بلا قيمة ؟ هل اصبحت جهود المبدعين في بلدي مباحة لكل من هب ودب و بلا محاسبة ؟ وهل عي خطوة مبرمجة تشرف عليها مافيات خاصة تهدف الى تسفيه البحث العلمي الجاد , ام انها مرحلة من مراحل الارهاب الفكري الذي تمارسه عصابات الجريمة بمختلف مسمياتها لتحطيم مالم يتم تحطيمه في السنوات الماضية في العراق ؟ .

في الامس القريب اصبت بخيبة امل كبيرة عندما اطلعت على احد المواقع الالكترونية المشبوهة التي تقوم بذات الدور ( السرقة العلمية للجهد العلمي العراقي ) واسمه " موقع الجغرافيون العرب " , دون حسيب او رقيب , ووزارة التعليم غارقة في امور لا تمت الى ثروة هذا البلد باي صلة , لذا نرجوا من وزارة التعليم الالتفات الى هذه المشكلة الخطيرة التي تتهدد البحث العلمي في العراق من خلال اصدار القرارات التاديبية والانضباطية بحق اؤلئك , وعدم التشجيع بسكوتها هذا على مثل هذا التوجه غير المقبول مطلقا , لانه توجه يهدف الى سرقة خلاصة ما انتجه العقل العراقي من جهة ويدعو الى تسفيه البحث العلمي من جهة اخرى , وهو امر لا يمكننا كأكادميين السكوت عليه , لانه دعوة الى الانتحار الفكري في زمن نحن بامس الحاجة فيه الى الاكاديمي ودوره المميز في انقاذ المجتمع العراقي مما يمر به من محن , ولن يحدث هذا الامر مالم تتعزز القيمة الاعتبارية للبحث العلمي في مجتمعاتنا , لانها بالاساس الصفة الملازمة للشعوب الحية المتطورة والمبدعة في ارجاء المعمورة .

( اللهم اشهد اللهم اني بلغت )

ملاحظة :
1- عندما كنت طالبا في مرحلة الدكتوراه ذهبت في العام 2004 الى الجامعة الاردنية في عمان , وعنما اردت استنساخ اطروحة ذات فائدة , قام امين المكتبة بمنعي من ذلك قائلا نحن دولة فيها قانون يحمي حقوق الملكية الفكرية , فلا يجوز استنساخ اطروحة لم يمضي على مناقشتها 5 سنوات . هذا في الوقت الذي يباع فيه النتاج الفكري العراقي على ارصفة الطريق وبابخس الاثمان , فلماذا يجري ذلك يا ترى ولمصلحة من ؟
2- ما هو الضامن الكفيل من قبل وزارة التعليم العراقية , بان هذا الامر لا يتم وفق نمط جديد من التجارة السوداء عبر بيع النتاج الفكري العراقي , لتجده يناقش في دولة اخرى مثل مصر على سبيل الافتراض او اي دولة اخرى , بمجرد اجراء تعديل بسيط في العنوان ورفع اسم الباحث العراقي ليحل محله اسم باحث اخر , ويعطى الاخير درجة علمية مهمة دون كد او تعب او تضحية , هل من ضامن بعدم القيام بمثل هذا الامر ؟ . لذا وصفنا ما يجري بانه عمل مافيات منظم .
3-اذا ما قرا احد من وزارة التعليم هذا المقال واراد ان ازوده بوثائق رسمية عن قيام البعض بسرقة جهود الباحثين العراقيين ونشرها في احد المواقع الالكترونية المشبوهة , فانا على استعداد لذلك الامر متى ما طلب مني القيام به .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - -الفوضى العارمة في العراق -الجديد
صباح قدوري ( 2011 / 3 / 20 - 10:01 )
روزباش كاك ديار
ان التسيب وانعدام الرقابة ظاهرة عامة مسلطة على كافة المرافق والاجهزة الحكومية. العراق غارق اليوم في الفوضى في مختلف الصعد. الانشغال بالمحاصصة المذهبية والطائفية والحزبية الضيقة، وتفشي نظام الفساد الاداري والمالي على كافة المستويات الادارية والحزبية.انعدام التخطيط والاستراتيجية الشفافة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. فعليه ليس من المستغرب ان نجد هذه الفوضى العارمة في القطاع التعليمي بمختلف مراحلها، وخاصة التعليم العالي، الذي كان محل التجارة بالعلم والمعرفة، والمحاصصة الطائفية والمذهبية منذو امد الطويل وخاصة بعد سقوط الصنم ولحد اليوم


2 - الايادي الخفيه
خميس السبهاني ( 2011 / 3 / 20 - 14:16 )
لا شك اخي الدكتور دياري ان ما يمر به مستوى التعليم عموما والتعليم العالي( موضوع الحديث) بشكل خاص وما يرافقه من غياب الرقابه المباشره على اداء الموسسات التعليميه امر يحز في النفس ويبعث على الشعور بالاحباط ,اذا ما قورن بما ينبغي ان يكون عليه في بلد مثل العراق يمتلك خيرة العقول والكفاءات العلميه العالميه, بشهادة البعيد قبل القريب .
مع اني اختلف بعض الشي مع الاخ صباح ,فانا ارى ان ما يمر به التعليم العالي من سرقه لخلاصه النتاج العلمي العراقي ليس ناتج عن انعدام التخطيط بل هو يسير وفق مخطط مشبوه متكامل تقوده ايادي خفيه من اجل القضاء على روح الطموح الابداعي لدى باحثينا.
اما اخي بخصوص جماعات الارصفه والمواقع الالكترونيه فهم بين قسمين:اولهما يجهل حجم الجريمه التي ارتكبها ولا نوع العقوبه التي من المفروض ان ينالها لانتهاكه حقوق النشر لاصحاب هذا النتاج العلمي .واعتقد هذا ينطبق على المثال الذي اوردته . والثاني يعلم بكل هذا ولكن أمن من العقاب لاسباب الله اعلم بها.


3 - شكرا لكما
دياري صالح مجيد ( 2011 / 3 / 20 - 15:21 )
صديقي العزيزين الدكتور خميس والدكتور صباح شكرا على التعليق الذي يظهر من جهة حجم الادارك لماهية المشكلة , ولتسليط الضوء على قضايا مهمة تتعلق بدور التخطيط في ادارة المؤسسات التعليمية واهميته من جهة , والى ضرورة تشريع القوانين الصارمة والتثقيف بها من جهة اخرى , كي لا يترك المجالا مباحا لمن يريد الاعتداء على ثروة هذا البلد العزيز على قلوبنا جميعا رغم كل الذي مر بنا فيه من مآس . تقبلا احترامي


4 - لقد أسمعت لو ناديت حياً
سعد تركي ( 2011 / 3 / 21 - 05:57 )
إن النظم والحكومات التي تفرط بمبدعيها وتجعلهم يفرون إلى المهاجر أو يقتلون على أيدي عصابات الجهل والظلام تسمح بالتأكيد بالتجاوز ـ عن طيب خاطر ـ على حقوق الملكية الفكرية.. حين تكون ثروة بلد نهباً لكل شذاذ الآفاق وتكون حياة المواطن أبخس من ثمن إطلاقة مسدس أو بندقية لا يكون الاعتداء على جهد علمي وفكري الا تمريناً بسيطاً ومقدمة للسطو على كل جميل ورائع في هذا الوطن المبتلى بالسراق والظلاميين والجهلة.. شكراً لجرس الانذار المدوي الضاج في مقالك النازف لعله يصل إلى مسامع ختمت بالشمع


5 - اصبت يا عزيزي
دياري صالح مجيد ( 2011 / 3 / 21 - 06:40 )
الاستاذ سعد كلماتك دائما تاتي كالسهم لتصيب الهدف باتقان عال . لقد اصبت هذه المرة ايضا , فعندما اردت نشر المقال فقد نشرته متعمدا يوم الاحد وفي فترة الصباح , عله يجد آذانا صاغية من قبل وزارة التعليم , لكن يبدوا ان ما تمنيته ليس بالسهل تحقيقه ..... شكرا لمرورك الكريم


6 - واقع حال
نور الدين محمود الجاف ( 2011 / 7 / 18 - 22:59 )
شكرا لك دكتور على موضوعك الرائع واشاطرك الراي ،لكن انا اختلف معكم كل الاختلاف فانتم جميعا تنزلون الكتب والمصادر من الانترنت من مختلف المواقع اليس ذلك بسرقة فكرية فانتم تاخذون المصادر وعندكم العشرات من الرسائل والاطاريح والكتب والبيانات من النت ومن مختلف المواقع وكيف اكملتكم دراساتكم العلياوانتم تقولون بان المصادر شحيحة بالعراق


7 - واقع حال
نور الدين محمود الجاف ( 2011 / 7 / 18 - 23:02 )
كذلك الستم اول الناس من كان يشتري الكتب والرسائل في المتنبي وفي كل مكان عندما كان سعرها ب250دينار ام لانكم بداتم تالفون الكتب الان واصبحتم تنظرون للامور بشكل مادي اكبر


8 - واقع حال
نور الدين محمود الجاف ( 2011 / 7 / 18 - 23:06 )
الحمد لله ان اعظم كتا ب وهو القران الكريم وكتب السيرة النبوية موجودة في كل مكان واغلبها بالمجان وعلى هيئة اقراص السي دي لكان ماوصل الاسلام الى اي احد


9 - تعليق بعد 4 اشهر !!!
دياري صالح مجيد ( 2011 / 7 / 19 - 08:50 )
هنالك ملاحظات اود ابدائها للذي طرح اسمه تحت عنوان الجاف
اولا: ليس بالامر الغريب ان يقوم مثلي بشراء الكتب منذ ان كانت اسعارها بخسة ب ( 250 ) دينار في زمن لم يكن يعرف فيه الكثير حتى عنوان شارع المتنبي الذي يبدوا ان المعلق تعرف عليه اخيرا بفعل التفجيرات والالعمليات الارهابية التي طالت ذلك المعلم العظيم في بغداد
ثانيا : لايمكن لاي اطروحة في العالم ان تنجز دون الاعتماد على مراجع مختلفة وهذا دليل على ان المعلق لا يمت الى البحث العلمي بصلة حتى وان كان اكاديميا , لكن هنالك فرق يحدده اصحاب المعرفة الحقيقية بين السرقة والامانة العلمية لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم وانت بالتاكيد لست منهم
ثالثا :حقوق الملكية الفكرية تبقى حقوق خاصة ولا تتحول الى ملكية عامة الا في حالتين الاولى تنازل المؤلف والثانية مرور اكثر من 20 عام على انجاز البحث , وبغيرها يعتبر ما يجري في العراق لاطاريح وجهود الباحثين سرقة علمية
رابعا : لا يحتاج الجاف الدخول باسم مستعار لان شخصيته مكشوفة لي وبالتاكيد لغيري خامسا : احتراما للحوار المتمدن , على اعتبار انني احد قرائه قبل ان اكون احد كتابه ,فلن استخدم اي تعبير جارح

اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا