الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث العلمي في التعليم العالي الطبي

جواد الديوان

2011 / 3 / 20
التربية والتعليم والبحث العلمي


للفصل بين المهارات السريرية (التشخيص والمعالجة ومتابعة المرضى والتعامل معهم) والمهارات الاكاديمية (المحاضرات وتدريب الطلبة والامتحانات وتقديم البحوث وغيرها) تاثير سلبي على التعليم الطبي يبرز في اشكاليات الدراسات العليا وتقديم الاطاريح العلمية ومناقشتها ونشر البحوث العلمية ولجان المناقشة وتعثر اليات الترقيات العلمية وادارة كليات الطب وغيرها، وبالتالي تراكم البحث العلمي لتقديم كليات طب متميزة في العالم.
غياب المهارة الاكاديمية يظهر في مناقشة عدة اطاريح لساعات محددة في يوم واحد، في الفروع السريرية. ويغيب عن المناقشة خبراء تصميم الدراسات والاحصاء (اختصاصات علم الاوبئة). وينعكس ذلك في البحوث التي تنشرها مجلات كليات الطب العلمية، وقد قدمت امثلة في ندوة سابقة في كلية طب النهرين لنماذج من تلك البحوث منشورة في ثلاث اعداد من مجلة كلية طب بغداد، ومنها عدم توافق نوع الدراسة المشار اليه بالعنوان مع الدراسة او اشكاليات في الجداول او مناقشة جداول بحث في ثلاث اسطر! وتكرار ما تورده الكتب المنهجية عن المشكلة موضوع الدراسة دون اسهام فكري من الباحث.
ويخضع البحث العلمي لاليات منها اختيار نوع الدراسة والهدف منها ثم طرق العمل ومنها طرق الاحصاء، والاخيرة مهمة لتقديم نتائج مشاهدات الباحث بعد عرضها في جداول. والخلل في الاليات السابقة ينعكس سلبا في نتائج البحث ومناقشتها والاستنتاج منها والتوصيات المرجوة. والعمل بهذه الاليات يراكم مهارة كما تتراكم لدى الطبيب المهارة السريرية مع الزمن. وتنعكس الاخيرة في صياغة توصيات بعيدا عن البحث هدفا وعملا ونتائجا ومناقشة، وعلى سبيل المثال توصي باحثة باعتماد عقار لتجاوز اشكاليات فقر الدم في الفشل الكلوي في حين بحثها في انتشار التهاب الكبد الفيروسي B و C في منطقة جغرافية محددة، اي انها لم تلتزم ببحثها بكل تفاصيله وكأن الموضوع انشاء او مقال في جريدة. وهذه اشكالية تشير الى تشتت الفكر في تفاصيل المهارة السريرية، رغم ان الاطباء يفضل المهارة السريرية على الاكاديمية. ويؤثر هذا الخلل سلبا على تقييم البحوث عند نشرها وكذلك عند الترقيات العلمية، في حين تعزز المهارة الاكاديمية قابليات انتقاد البحوث العلمية اي تقييمها. ومن الامثلة على ذلك لم يستطع عدد من المقييمن الاشارة الى بحث تقدمت به طبيبة عن الصفات الوبائية للنساء المصابات بقرحة عنق الرحم في مدينة الصدر، وهذا يحصل لاول مرة وبتكراره ممكن ان يحدد الطبيب احتمالات الاصابة بذلك التقرح عند المراجعة لفحصها بشكل اخر (screening) كوسيلة لوقاية من سرطان عنق الرحم. لقد خضع لتقييم طبيبات النسائية التي لا تجيد التعامل مع الصفات الوبائية فرفضن البحث، وخضع لتقييم طبيبات الوبائيات فرفضن حيث ممارسة الاخيرات في فرع النسائية عند العمل الخاص، كما لم يسبق لهن الاطلاع على بحوث من هذا القبيل في العراق، وهذا يقتل الابداع. ودعم هذا البحث تعني احتمالات تكراره من باحثين وقد تظهر نتئج جديدة تعززه او تهذبه، وتكرار النتائج يدفع باتجاه اخر من البحث والعمل.
اشتكى د. سامي المظفر وزير التعليم العالي والبحث العلمي الاسبق من ضياع مساعدات الدول المانحة في ايفادات لا معنى! وربما يقصد الوزير الاسبق بان تلك الايفادات لم تؤثر في المهارة الاكاديمية. لقد ركزت تلك الايفادات على المهارات السريرية واهملت المهارات الاكاديمية، بل استمرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في ذلك النهج ومن الايفادات ما كان لتنمية مهارات اكاديمية متقدمة لفترات قصيرة بعيدا عن ذوي المهارات الاكاديمية في كليات الطب!. وربما شجع هذه الظاهرة الرغبة بالسفر ولو لايام، ومنهم من اسعده التدريب على ايدي كوادر وسطية اجنبية.
اهملت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المهارة الاكاديمية وممارستها واسقطتها من اليات الترقية ومناقشة اطاريح الدراسات العليا وتولي المناصب العلمية في الكليات وغيرها. فتعليمات الترقيات العلمية لا تفرق بين الاساتذة لعدد البحوث، ولا المجلة العلمية التي نشرت البحث ان كانت رصينة ام لا ، والنشر فيها لمنافسة عالمية ام محلية، وان كانت موسمية تصدرها بعض العمادات لترقية البحث وتختفي بعدها فترة طويلة. كما لا تفرق الاليات بين من يسعى للاشتراك بالمؤتمرات في العراق ام في الخارج اي من يخضع بحثه لمنافسة ومناقشة محلية او عالمية وبين من لا يخضع لتلك المنافسة. وباختصار لا فرق بين عضو هيئة تدريس يقدم واجباته الكلاسيكية (محاضرة ومراقبة وغيرها) وبين من يخوض المنافسات العالمية لقبول نشر بحث له او مشاركة في مؤتمر عالمي. وربما يستغرب البعض ان ادارة لجان الترقية من خبراء الممارسة السريرية لا الاكاديمية ليتعامل مع لجان الترقيات بالمناسبات ويترك اعمالها لكوادر وسطية، وهذا فساد اداري.
نشرت وزارة الصحة قبل سنوات اعلانا تطلب فيه شركات او مؤسسات علمية لتدريب كوادرها على الطواريء، في حين لدى كوادر العراق خبرة سريرية للتعامل مع الطواريء نتيجة حروب متعددة خاضها العراق (حروب الخليج والحرب الاهلية العراقية) بما فيها التعامل مع اثار المقذوفات عالية السرعة. الا انها خبرة شخصية لمن مارسها وغير موثقة لتنتفل للاجيال وغير مدروسة علمية لتحدد التعامل الافضل في تلك الحالات. وقد خاض العراق تلك الحالات وله عدد من كليات الطب اضافة الى المجلس العراقي للاختصاصات الطبية، وذلك يعني تراجع او انعدام المهارة الاكاديمية.
ومن الاثار السلبية لتراجع المهارة الاكاديمية اعتماد طلبة الدراسات الاولية والعليا على الحفظ فقط، واسترجاع المادة في الامتحان، واستنساخ المحاضرات بل ان الاساتذة يقدمون تلك المحاضرات لاستنساخها!. والتخوف من مناقشة الاستاذ علميا او مجادلته، ومثال على ذلك فقد طلبت من احد طلبتي في زمالة المجلس العراقي للاختصاصات الطبية (البورد العراقي)، ان يعرض على لجنة المناقشة ورقة قبول بحثا مستلا من اطروحته في المؤتمر العلمي الاول لصحة النفسية في كاليفورنيا- الولايات المتحدة الامريكية، وقبول اخر للنشر في مجلة كلية طب بغداد، فرفض بخوف شديد بان ذلك يعرضه لاشكالات مع لجنة المناقشة ويقلل من درجاته، ومن المؤكد انه ناقش ذلك مع زملائه وكانت نصيحتهم هكذا رغم انها المرة الاولى التي تحصل منذ انشاء المجلس العراقي للاختصاصات الطبية.
تعزيز المهارة الاكاديمية يشجع على تراكم خبرة اكاديمية، ويسهل من عمل الفرق البحثية ويقلل من الاعتماد على الدول المتقدمة، ويعزز ارساء تقاليد علمية ويدفع من اجل المنافسة في البحث العلمي وتقديم الافضل، وتتحسن معها مجلات كليات الطب في العراق فيتم اعتمادها في الفهارس العالمية، وتتطور اليات النشر، وقد تنهض في العراق مراكز بحث متطورة، كما يقل ذلك من الفساد الاداري والتزوير، وتتطور العملية التعليمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم كوريا الشمالية: حان وقت الحرب! فهل يشعل صراع الكوريتين


.. لافروف: ما يهم روسيا هو عدم صدور أي تهديد غربي لأمنها| #الظه




.. الملف النووي الإيراني يستمر الشغــــل الشاغـــل لواشنطن وتل


.. أول مرة في العالم.. مسبار صيني يعود بعينات من الجانب البعيد




.. ابتكار جهاز لو كان موجودا بالجاهلية لما أصبح قيس مجنونا ولا