الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثوراتنا والتوافق: الإطاحة أولا.. الأيديولوجيا لاحقا

وسام فؤاد

2011 / 3 / 21
المجتمع المدني


كنت أحب أن أكتب في تجريد ثوراتنا العربية، وكانت الأحداث تستبقني لأعمل على أمور أخرى، وكانت بالطبع فرصة لإنضاج الرؤية، وإن كنت قد انتهيت إلى أن تجريد كامل خبرة الثورة يحتاج لسفر ضخم، وليس مجموعة من المقالات، ناهيك قارئي الكريم عن مقال واحد.
كانت محاوراتي مع الصديق والكاتب أ. أحمد بركات ما دفعتني لبلورة هذه الرؤية، حيث كان أ. أحمد يحاول عبر قراءته في الأدبيات التي تعاملت مع الثورة باللغة الإنجليزية أن يفيد انتفاء الصفة الأيديولوجية عن الثورة. وكنت أشعر أن تغييب الأيديولوجيا كان أحد عوامل تكون مشهد الثورة وليس كل العوامل. وكان منطلق شعوري مرتبط بنهج قسم مدارك في "أون إسلام.نت"؛ حيث كنا نركز على أن مفتاح التخلص من أوضاعنا المتردية والانطلاق في آفاق النهضة والرقي؛ هذا المفتاح يكمن في أن "نتوافق" على رؤية تحمل الكليات التي لا يمكننا الاختلاف عليها، وكان مبعث هذه الرؤية أن الداء القاتل لمؤسساتنا السياسية والفكرية القاتل كان إرادة الاختلاف. وشرعت أنقب في مظاهر الثورة التي شهدتها مجتمعاتنا العربية أبحث عن حضور هذا التوافق. وأظنني وفقت في اكتشاف النموذج الكامن وراء توافقنا الإبداعي. فقد حدث التوافق المنشود فعلا، ولكن طريقة تكوينه هي ما يعكس خصوصية المشهد العربي بعامة؛ والمصري بخاصة.


فقدان الثقة في النخبة والتوافق البديل

المتأمل في ثوراتنا المباركة، وبخاصة تونس ومصر، يجد أن هذه الثورات المباركة مرت بمرحلتين:
المرحلة الأولى: تمثلت في نسيان كل أوجه الاختلاف بين القوى وبعضها البعض. كان الجميع يحمل هما واحدا، وهو ضرورة الإطاحة بالطاغية. ما كان أحد يلتفت لشعار فصائلي أو لمصالح فئوية أو لقائمة ضيقة من المطالب أيا كان نوعها. ومن خلال أقوال جميع شهود العيان من المثقفين، بالإضافة لمشاهداتي الشخصية، كانت الفصائل نفسها تمارس درجة من القمع على نفسها، ولم يكن أحد آخر يقمعها. وأرجو أن يغفر لي الجميع تركيزي في الحديث عن الحالة المصرية لأني شاهدت خلالها وقائع مكثفة في هذا الصدد، وإن كان المشهد الخاص بهذه المرحلة هو نفسه ما تكرر في كل من تونس واليمن وليبيا.
أذكر أن أحد أبرز قيادات الثورة المصرية المشرفة قال: كنت أرى في أوائل الثورة الإخوان يقومون بضبط ومنع كل عضو من أعضائها يحاول رفع لافتة فصائلية أو يطلق شعارا من شعارات الجماعة السابقة. ويقول آخر أني لم أر اليسار يحمل أية لافتة تتعلق بالوضع الطبقي أو بصورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. ويتفق الجميع على إقرار مشهد جلوس المنقبة بجوار المسيحية (وكانت الأولى غالبا ما تتهم الأخيرة بالسفور فضلا عن الكفر) معا على حافة حديقة وسط ميدان التحرير، ويرفع كل منهم شعار التآخي الذي يلغي الفوارق بين الطوائف المصرية لصالح وحدة الوطن. وبعد العزلة الاختيارية، شارك السلفيون بصفة عامة في هذه التظاهرات التي شهدت بعث اليسار من جديد، وكانوا معا جنبا إلى جنب يهتفون: "يسقط يسقط حسني مبارك".
لا شك في أن اجتماع الناس، وتوفيرهم الدعم النفسي والوجداني والعملي والبدني لبعضهم البعض قد ساهم في رفع المطالب من مجرد الاحتجاج على السلوك القمئ لوزارة الداخلية إلى المطالبة بإزالة النظام بأكمله. والمتأمل لهذه المرحلة يجد أنه لم يفكر أحد في كسر الإجماع الذي حدث بالشارع. كان كل شئ مؤجل، كل شئ تم إرجاؤه، واتفق الجميع على أن الطلب الوحيد المتاح التمسك به والتعبير عنه هو سقوط الطاغية. كان الجميع على يقين من أن المطالبة بإزالة العائق الأكبر أمام التغيير (وهو الطاغية) سيقود في النهاية إلى إصلاح كل الأوضاع، وتصحيح كل الأخطاء، وتقويم ومحاسبة كل الانحرافات.
المرحلة الثانية: لم يكد يحدث التنحي أو قل (خلع الرئيس) حتى انسحب الناس من الشارع، وتسلمته القوى السياسية، وبدأنا ننتج كرة الاستقطاب والتنافر من جديد. جميع القوى السياسية بلا استثناء. بدأ الأمر في مصر مع تظاهرات المطالبة بالإطاحة بوزير الثقافة محمد عبد المنعم الصاوي، واشتعل الموقف في محاولة محمومة لتعديل الدستور في وقت لا توجد فيه مؤسسات في مجتمع يوشك على الانقسام حول أهم أطره القانونية: الدستور. ومرة ثانية؛ يتدخل الشعب ليحسم الخلاف؛ مفسحا المجال أمام فرصة ثانية تتاح للنخبة.
ما كنا بصدده خلال الفترة من 25 يناير وحتى 11 فبراير في مصر كان نوعا من الإقالة المؤقتة. إقالة قام بها الشعب في حق نخبه السياسية والاجتماعية. كان الشعب يعرف أن السبيل لكسر الحلقة المفرغة هو التوافق على مطلب كلي، وطالما أن النخب التي تقوده معطلة أو مكبوحة بسبب ضعف بعضها وفساد البعض الآخر ومخاتلة البعض الثالث وسعيه وراء مصالح مؤقتة، طالما أن الوضع كذلك، فقد أدرك الشعب أن عليه تجاوز النخب السياسية المحترفة، والعمل من وراء ظهرها. ولهذا بدأ الإعداد للاحتجاج من وراء القوى السياسية، ولهذا أيضا التحم الشعب بالتظاهرات المبدئية قبل أن تدرك القوى والنخب السياسية أن الشعب اتخذ قراره بتنحيتها والعمل بمفرده لتحقيق المطلب الكلي الذي توافق عليه الجميع.


الإطاحة أولا.. الأيديولوجيا لاحقا

المتأمل للمجتمع المصري قبل 25 يناير يجده وقد توحد على أمرين: أولهما أن مصر دخلت في حلقة مفرغة لا يمكن الانعتاق منها إلا بكسرها. لكنها في الوقت نفسه كانت – من خلال نخبها – تصر على أن العنف خيار مرفوض. وكانت المعضلة تتمثل في كيفية كسر الحلقة المفرغة في الوقت الذي يتمسك فيه الجميع بنبذ العنف ورفضه وإخراجه تماما خارج دائرة المعادلة.
قبل 25 يناير، كنت أشكك – من دون تصريح ولا حتى تلميح – في جدوى الجمع بين هذين النقيضين، وما كنت أتصور كسر الحلقة المفرغة بغير العنف. لكن العنف كان قد صار سلوكا كريها بسبب ما سببه للمصريين خلال الفترة ما بين 1977 وحتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
كان منطق العقلاء من النخبة المصرية أنه لا سبيل لكسر الحلقة المفرغة إلا بتحرك شعبي واسع، وهو ما لن يتم إلا إذا توافقت النخبة على مطالب كلية، وتناست خلافاتها في سبيل تحقيق هذه المطالب الكلية. وكان نظام الرئيس المخلوع يدرك أن مفتاح منع هذه المعادلة الراقية من إتيان ثمارها ضده يتمثل في استمرار بث عوامل الفرقة والوهن بين تلك القوى المرشحة لأن تقود عملية كسر الحلقة المفرغة هذه، باعتقال الإخوان تارة، وبتوظيف النخب السياسية التي صنعها على عينه تارة أخرى، وبتهديد رجال الأعمال عماد بعض الأحزاب والحركات الاجتماعية تارة ثالثة، وبإلقاء بعض العظام للقوى السياسية التي يبدو أنها تشهد حراكا قد يقودها لفاعلية حركية تارة رابعة، وبتسليط الشرطة على الشعب بالإذلال والامتهان تارة خامسة، حتى تسود الصورة السلبية القاتمة لتغتال معنويات الجميع، ويظن الجميع ألا فكاك من أسر هذه الحلقة المفرغة.
وكانت محصلة مشهد ما قبل 25 يناير أن القوى السياسية ليس لديها استعداد للتوقف برهة لتنتبه لهشاشة خلافاتها، ولتدرك أن هذه الاختلافات لن يكون لها معنى إلا في إطار مجتمع سياسي حر الإرادة، يحظى بقدرة مقبولة على الاختيار بين البدائل التي تطرحها عليه نخبته.
بقرار حاسم، اتخذ المجتمع قراراه بالإقالة المؤقتة للنخبة، واتخذ قراره ببناء التوافق حول كلية واحدة؛ هي: إسقاط النظام، وهي الكلية التي دفع الشعب لتطويرها بعد أن كانت مطالب المتظاهرين المحركين للكتلة الجماهيرية الحرجة تكاد تقتصر على محاسبة وزير الداخلية السابق حبيب العادلي على السلوكيات العنيفة التي تحدث في حق الجماهير بأقسام الشرطة وحتى على قارعة الطريق.
وفي خاتمة المشهد نقرأ خريطة التفاعلات السياسية في أعقاب 11 فبراير لنعرف أنه ما إن عاد الشعب إلى بيوته "عادت ريما لعادتها القديمة"، وقررت القوى السياسية العودة لنفس مشهد ما قبل 25 يناير، حتى قرر الشعب أن يردعها ثانية في استفتاء 19 مارس 2011. فهل تستوعب النخبة الدرس اليوم؟ أم ستظل تعاود عادتها القديمة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات واعتقالات بجامعة تكساس أثناء احتجاجات على دعم إسرائي


.. مراسلة العربية: إسرائيل طلبت إطلاق سراح 20 من الأسرى مقابل ه




.. اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين


.. شبح المجاعة يخيم على 282 مليون شخص وغزة في الصدارة.. تقرير ل




.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر