الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألانتماء الديني بين الواقع العملي والواقع ألافتراضي

محمد لفته محل

2011 / 3 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أحدى مزايا الإنسان الكثيرة انه متعدد الانتماءات بعضها متوارث وبعضها مكتسب كما هو معروف، وغالبا ما تكون هذه الانتماءات متوازية في ما بينها حتى وان اختلفت أو تصارعت مع بعضها عند الفرد، ولكن ما يلاحظ أن الانتماء الديني للفرد يحتل الأولوية لدرجة انه يكون هوية له! تتقدم على باقي الانتماءات الأخرى كالانتماء الوطني، الأيديولوجي أو الفكري، القومي، الإنساني، العشائري، وغيرها من الانتماءات التي تتساوى في الأهمية أو تتفوق في أهميتها أحياننا. فنختزل فلان بمسيحي أو مسلم أو يهودي، بل يصل اختزال الانتماء الديني كهوية على مستوى أمم وحضارات فنقول الأمة الإسلامية والحضارة المسيحية وغيرها، في حين إن الواقع العملي يجعلنا ندرك أن الدين يشكل للفرد البعد النظري النسبي المُعلن للحياة، أما في حياتنا اليومية والعملية فنتصرف ونتعامل وفق ميولنا ومصالحنا وانفعالاتنا ورغباتنا والحالة النفسية ووفق عاداتنا ومورثاتنا والتقاليد الاجتماعية والانتماءات الأخرى، ولا يبقى من الجانب الديني إلا جانبه التعبدي والطقسي الروتيني. وكل المحاولات لتكييف الدين مع الحياة الاجتماعية المتغيرة ما هو إلا لردم الهوة بين واقع الدين الافتراضي وبين الواقع النفسي والاجتماعي، لهذا نرى تغير أشكال الدين الواحد من مجتمع إلى مجتمع، ومن فرد إلى فرد، وهذا ما يفسر ظاهرة تناقض تصرفات الأشخاص الملتزمين دينيا مع الدين حين يحاول أن يبرر تناقضاته بأعذار دينية، ويمكننا أن نرى في النموذج العراقي مثالا جيدا لهذه الفرضية، فرغم الاختلاف المذهبي على المستوى النظري يصل حد التكفير أحياننا، إلا أن التلاحم والمشاركة والمصاهرة الاجتماعية طبيعية قائمة لولا تدخل جهات خارجية وداخلية لأغراض سياسية، لأن الإنسان ليس (روبوت) مبرمج على نظام ما كما أشرت بل تسيطر عليه مؤثرات داخلية وخارجية أو هو مجموعة أنظمة متداخلة ومتوازية والحال كذلك مع النظام الأخلاقي، وحتى الذين لا يعتنقون أي دين أو الذين يدحضون الأديان، يقدمون من رفضهم للدين هوية لهم، فيشار إلى الشخص انه ملحد وعلى مستوى المجموع كمنتدى أو ملتقى أو تجّمع يسمونهم بالملحدين وكأن الإلحاد دين ضد الأديان، وبهذا تعود المشكلة من حيث ابتدأت.
وهكذا بقي الوضع كما عليه بتقديم الانتماء الديني كهوية للفرد أو الأمة أو الحضارة، لأسباب سياسية لكون (الدين السياسي) يحاكي رغبة الإنسان الطفولية اللاشعورية في الحاجة إلى الأب (السلطة أو الحاكم كبديل)، حوّلت الدين من ممارسة تعبدية وطقسية، إلى نظرية حكم أو كايديولوجيا، أخرجته من مجاله النفسي إلى السياسي، وربطت به مسلمات وفروض سياسية كالقداسة، والمطلق في الأحكام، والقدرية، والتكفير، والمعجزة، والمنقذ، والدعاء، والشيطان، وغيرها التي تخدم السلطة القائمة، فالقداسة ما هي إلا تقديس الحاكم وعدم الشك بنزاهته وعدالته وشرعيته، باعتباره الممثل للدين وظل الله على الأرض وفق نظرية الحق الإلهي، وهي ذات الصورة الطفولية لقداسة الوالدين عند الطفل، أما المطلق في الأحكام فهي لضعف هذه الأحكام أمام الواقع وأمام نقد المعارضة، لإبقاء الناس ضمن هذه الأيديولوجية في كل الظروف وبلا تغير، أما القدرية فهي إن كل ما يجري من ظلم وقمع وفقر ومرض هي اختبار وامتحان مقدّر من الله، لتبرير فساد النظام الحاكم، وعلى الناس قبولها دون احتجاج أو تغيير بل الشكر!(1) أما التكفير فهي إظهار معارضي السلطة كأعداء ضد الأمة لسحب الصفة الوطنية عنهم وعزلهم وتسقيطهم، لهذا جعل الحاكم الدين هوية أتباعه الأولى للنظر إلى غير الأتباع كهويات دينية مضادة! وحدد حقوق وقوانين وتحريمات خاصة لأتباعه وميزهم بأزياء وعلامات (العمامة، الصليب، القلنسوة) وأسماء (على رأسها اسم الحاكم وأسرته ومقربيه)، وسن القوانين للتعامل مع غير الأتباع كتحريم الزواج منهم، وتنجيسهم وتحريم الأكل من بعض طعامهم، أو حتى استعبادهم، أما المعجزة فهي محاكاة لدهشة الطفل تجاه أفعال الأب التي كان يعجز عن ممارستها، والمنقذ أيضا نكوص نفسي لاستنجاد الطفل بأبويه في لحظات الضعف أو الخطر، وامتداد لقصص الطفل التي يرويها الوالدين عن انتصار البطل في نهاية القصة(2) ليكون الحاكم هو المنقذ أو السائر على نهجه والممهد له، والدعاء كذلك امتداد لتوسلات وبكاء الطفل لأبويه لتحقيق رغباته التي يعجز عن تحقيقها، لإبقاء الناس في حالة نكوص طفلية، ويكون الحاكم رمز الأب، أما الشيطان(3) فما هو إلا المعارضة وقد حوّلت إلى كائن شرير خالد يوسوس ويغري كل من له أفكار وأسئلة وممارسات واعتراضات لا ترضي السلطة أو تهدد سمعتها أو مصالحها أو بقائها. إن هذه الديانات السياسية تلقن الناس بالطاعة والقبول والسلبية لكل شيء من الله لإسقاطها على السلطة السياسية باعتبارها ظل له، أو تحاكي نظامه، لتعطي الصلاحيات للحاكم بالتسلط والتكفير والقمع والاستبداد دينيا لتطبيق الشريعة أو الرسالة الإلهية، بل وتكفر الخروج على الحاكم وتوجب إطاعة ولي الأمر باعتباره فتنة وتفريق الأمة، وتدعي هذه الأديان أيضا القدرية في كل شيء إلا الإصلاحات والمكاسب والانتصارات التي حققها الحاكم والتي لولاه لما كانت ممكن أن توجد!
الحياة والوجود والإنسان في حركة وتغير ولا يمكن أن تختزل بتقديم أو رفض انتماء واحد كما يحصل مع تقديم الانتماء الديني كهوية للإنسان كواقع مفترض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ إن جعل الله كما يشيع أتباع الفرضية، المسوؤل الاقتصادي عن تقسيم عمل الناس و دخلهم المالي و ألمعاشي، يتنافى مع التفاوت الكبير بين الأغنياء والفقراء ومع المئات التي تموت جوعا في بقاع العالم في حين أن حيوانات متخمة بالطعام في البلدان الغنية! ولردم الهوة بين هذا التناقض يقولون إن الله يعطي إذا سعى وتحرك الفرد لمعيشته! وطبعا هذا لا يغير شيئا في المسألة، فكل الناس مع عدم تشكيكها بهذه الفكرة لكنها في نفس الوقت تعمل وتكسب قوتها بالتنازع والمراوغة والتنافس والمصالح أو حتى بالغش والكذب ولا يبقى من هذه الفكرة إلا بروازا شكليا موازيا لحتمية الواقع العملي، ولو التزم الناس بهذه الفكرة لنقرض الإنسان من على وجه الأرض. إن هذه الدعوة ذات مضامين سياسية واضحة هي لتبرير النظام السياسي والاقتصادي الظالم بدل الاحتجاج والثورة والتغيير، وهي تكريس للخضوع والعبودية، بل حتى تسمية كسب المعاش أو العمل تم توظيفها لغويا ضمن هذه السياسة بإبدالها (بالرزق) لأن الله هو الرزاق والمعطي والواهب وما الإنسان إلا متلقي سلبي ومستهلك له، والطعام أو الغذاء خضع للتسمية الإيديولوجية هذه فسمي (بالنعمة) أي التي أنعمها الله وأعطاها له! توافقا مع السياسة السلبية للإنسان ذاتها، وتبرير النظام من مسؤوليته تجاه الفقر، وتمتد هذه السياسة لتشمل كافة جوانب حياة الإنسان فالنجاح والفشل، والزواج والطلاق، والموت والولادة، والصحة والمرض، كلها مقدرة ومقسومة بيد الله!.
2 ـ هناك تشابه كبير بين مضامين الأسطورة وقصص الأطفال بما تتميز كلاهما بالخيال الفنطازي والأشكال الحيوانية والرموز، فالبطل المخلص القوي في صراعه مع الشر سواء كان حيوان أو إنسان أو مركب بينهما، هي ثيمة أساسية في قصص الأطفال وفي معظم الأساطير، فالبطل أو المنقذ في حقيقته هو الحاجة الطفولية للاحتماء بالوالدين، وكلاهما تتعرض للتحريفات لأنها في الحالة الأولى نتاج اللاوعي الجمعي، ونتاج اللاوعي الفردي في الحالة الثانية. فالأسطورة ربما نشأت وتطورت من قصص الأطفال أي من الخيال والأحلام والرغبات الطفلية.
3 ـ ربما ترجع دلالة الشيطان نفسيا قبل دلالتها السياسية إلى تحذيرات الوالدين لأطفالهم من خطر مخالفة وصاياهم بسبب وجود مخلوقات شريرة كأن تكون وحوش أو حيوانات تتربص بهم لتأكلهم أو تأذيهم لو خالفوا آبائهم، وهي أيضا استرجاع للمخلوقات الشريرة في قصص الأطفال في مواجهة البطل أو المنقذ، ومن الملاحظ أن صورة الشيطان الأسطورية دائما تأخذ شكل حيوان مركب تكون له قرون وذيل وشعر كثيف مزيج بين أكثر من حيوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيه طيبه
اسامة الياسري ( 2011 / 3 / 24 - 15:29 )
موضوع ممتاز وتحليل نفسي رائع لشخصية الأنسان.

اخر الافلام

.. المرشد الأعلى في إيران هو من يعين قيادة حزب الله في لبنان؟


.. 72-Al-Aanaam




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تدك قاعدة ومطار -را


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في العراق تنفّذ 4 عمليات ضد




.. ضحايا الاعتداءات الجنسية في الكنائس يأملون بلقاء البابا فرنس